أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الأردن ليس مجرد خلفية مكانية جيدة للأفلام

بقلم : محمد البدارين
24-07-2023 05:05 AM

اللواء محمد البدارين

كل تلك الأشياء التي نحاول وصفها ، فلا نستطيع ، هي من النوع الذي قيل عنه ، هي أشياء لا تشترى ، لأنها تقع في ذلك الجزء العميق في داخلنا ، وربما لها علاقة بما يسمى الدولة العميقة في اللغة السياسية ، وهي تشمل في ما تشمل كل ما يربط الانسان بالمكان وناسه ، فحين تخلى غيفارا عن جنسيته الكوبية ، كتب بانه يتخلى عما بمقدوره التخلي عنه ، لكنه لا يستطيع ان يتخلى عن تلك الوشائج غير القابلة للوصف التي تربطه بكوبا ، ويبدو ان هذا هو سؤال الكينونة الأبدي ، فالأوراق لا تثبت أي شيء في ذلك العالم اللامادي المتغلغل في الأعماق ، الذي لا نعرف منه سوى تعبيراته الرمزية المشفّرة ، التي تتجاوز نطاق الكلام ، حتى باتت حمايتها عملا من اعمال هيئة الأمم المتحدة ، انها مسألة علاقة الانسان بمكان ما يشعر بأنه وطنه وبناس في ذلك المكان يشعر انهم شعبه.

وفي الأردن ، الذي تربطنا به وشائج ليس بمقدورنا نزعها ، نعرف انه ليس هناك من بيده حل وربط ، اكثر من الحكومة او مجلس الوزراء ، ونعرف ان وظيفة الحكومة أصلا ، هي رعاية مصالح شعبها ، كما نفهم عدم جدوى التذرع بمبررات الأوامر من فوق للتهرب من المساءلة ، فالأوامر الملكيّة خطية كانت ام شفوية لا تعفي أحدا من المساءلة ، والجهات السائلة ، هم : المواطنون ، ونواب المواطنين ، والسلطة الرابعة او الاعلام ، وجماعات المجتمع المدني ، وحتى في منطق الخلوات الذي ساد في بلادنا أيام القرية الكونية ، واعلن أصحابه بأن الدولة عبارة عن شركة ، فان للمساهمين والزبائن حق المساءلة ، ورضاهم مسألة حساسة ، تتعلق مباشرة بالأرباح والحصة السوقية وبقاء الشركة في السوق.

وفي هذا السياق ، نستذكر ان رئيس الحكومة الحالي ، رد على مداخلات بعض السائلين ، متحديا ، بأن حكومته ليست اكثر الحكومات الأردنية اقتراضا ، انه يفتخر ليس بان حكومته لم تقترض او انها الأقل اقتراضا ، بل يفتخر بأنها ليست الأكثر اقتراضا بين الحكومات ، بمعنى انها قد تحصل على المرتبة الثانية او قبل الأخيرة او منزلة بين هاتين المنزلتين في مضمار الاستدانة والاقتراض.

وبطبيعة الحال ، ليس بوسعنا ، التأكد من نزاهة المسابقة بين الحكومات الأردنية الكثيرة جدا ، لنعرف على وجه اليقين أيها الأقل اقتراضا وأيها الأكثر اقتراضا ، لكن ما يهمنا ان موضوع المسابقة هو الاقتراض والمديونية والوضع الاقتصادي ، واختصارا للوقت ، فإننا نحيل الراغبين والراغبات بمعرفة شيء عن مخاطر الديون ، الى مقال بهذا الشأن للكاتب الاقتصادي المعروف المرحوم فهد الفانك نشره عام 2016 في صحيفتي الرأي والجوردن تايمز ، بعنوان من يسدد الديون ، او) who will pay the public debt).

و ربما يكون من المفيد ، أيضا ، ان نتعرف على رأي رئيس وزراء سابق ، في هذا الشأن ، حيث يقول في اخر بياناته الوزارية ( ان كل قروض العالم ومساعداته ، لا تكفي لبناء الوطن وتشييده ، وانما يبنى الوطن ويشيّد بعرق المواطنين وتضحياتهم ، بسواعدهم الملتفة وعزائمهم المتحدة ، بسهرهم الدائب وتعبهم الموصول ، بإرادتهم التي لا تقهر ، وايمانهم الذي لا يضعف ولا يلين ).

لكن رأي ذلك الرئيس ، على ما يبدو ، لم يكن مقنعا للرؤساء اللاحقين ، فما ان غاب عن الساحة ، حتى تمادى الرؤساء بعده بالاقتراض والاستدانة ، وكان احدهم يطمئن السائلين ، بان القروض الأردنية من النوع الميسر وطويل الاجل ، وتخصص لمشاريع ذات جدوى اقتصادية ، ومن أرباحها يمكن تسديد القروض وتحقيق فائض مالي ، فيما بدد رئيس اخر كل القلق العمومي بقوله ان رأسمالنا في هذا البلد هو الحسين ، ولكن ، للأسف ، بعد وقت قصير من تصريحه هذا ، انهار الدينار الأردني وعصفت بالبلاد احداث جسام ، لا تزال البلاد عالقة بتبعاتها وتداعياتها غير المباشرة.

وفي وقت لاحق ، احتارت احدى الحكومات في كيفية الاستفادة مما سمي في حينه المنحة الخليجية ، لان امر الصرف من المنحة كان مشروطا بتقديم بيانات تفصيلية عن مشروعات حيوية ، فكان ان ضاق الوقت ، فهرع الرئيس مضطربا او متظاهرا بالاضطراب ، الى وزارة التخطيط لحث الكادر المختص على الإسراع بتقديم خطط لمشاريع قابلة للتمويل ، ويبدو انه كان هناك تباطؤ او خلل في تقديم البيانات اللازمة لمشروعات مستوفية لشروط المنحة.

تلك مجرد امثلة ، لكننا قبل ذلك وبعده ، ندرك انه حين يكون قدر المرء ان يولد في مكان ما من الشرق الأوسط ، فان عليه ان يتحمل تكاليف العيش في عالم لانهائي من الاحتمالات والقصص الخيالية ، كقصة العقرب والضفدع ، عندما كانا يحاولان عبور النهر ، الذي يقال انه نهر الأردن.

كما ندرك انه اذا كان المرء اردنيا على وجه الخصوص ، فانه سيكون قادرا على التخيل اللانهائي ، ولا يحتاج للتشجيع على ان يطلق العنان لخياله من قبل سعادة السفير الأمريكي المنتهية ولايته ، الا اذا كان السفير يحوم حول نقطة معينة لا يريد توضيحها ، او يريدنا ان نتخيل على طريقة هوليود بالتحديد.
فقد كان سعادة السفير يتحدث بمناسبة اليوم الوطني لبلاده العظيمة ، قبيل مغادرته عمّان ، وقال في خطابه شديد الدبلوماسية ( كانت أولوية السياسة الأمريكية للأردن خلال فترة عملي كسفير ، هي تعزيز نموه الاقتصادي ) ثم يقول ( النمو محفوف بالمخاطر وقد يتطلب التضحية ، لكن الأمر الذي يلقى تقديرًا أقل هو كيف يمكن للنمو الاستفادة من الخيال ) ثم ينتقي شيئا من التاريخ الأمريكي فيقول ( من اللافت للنظر أنّ قرار التخلي عن الوضع الراهن اتخذه أولئك الذين استفادوا أكثر من الوضع الراهن).

ولأنه اعطى للخيال أهمية كبيرة في النمو ، فانه يقول ( للفيلم مكانة خاصة في العلاقات الأمريكية الأردنية ، إذ تتيح لنا صناعة السينما في الأردن التعاون وتعزيز النمو الاقتصادي) ويضيف (من خلال الشراكات التي أقامتها السفارة مع المؤسسات الأمريكية والأردنية ، نقوم بتمويل فصول دراسية رئيسية مع خبراء من هوليوود وأماكن أخرى لتدريب الكتّاب والمخرجين والمصورين السينمائيين في الأردن ، في الواقع ، بعض ضيوفنا الكرام الليلة هم من خريجي برامج الدبلوماسية السينمائية لدينا ).

دبلوماسية سينمائية ، لكننا لا يسرنا ان نكون مجرد خلفية مكانية جيدة لصناعة الأفلام ، على ان في فحوى الخطاب ما يذكّرنا بطروحات أوضح لقادة ما يسمى التيار المدني في الأردن ، الذين تزخر طروحاتهم بمفاهيم ، مثل : الوضع الراهن ، الوضع القائم ، الدولة الريعية ، العقد الاجتماعي الجديد ، الهوية الجامعة..) ونتذكر ان الحكومة السابقة طرحت في أدبياتها العلنية قضية العقد الاجتماعي الجديد في الأردن ، ثم اتهمت بالضعف من قبل كبار قادة التيار لأنها لم تنجح في الالتزام بأهدافه وخاصة الانتقال الى عقد اجتماعي جديد ، مع ان رئيسها حاصل على جائزة دولية عن بحث له بعنوان ( الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي عربي جديد : من دولة الريع الى دولة الإنتاج ).

لا حاجة بنا للتخيل ، فنحن نشعر ، ان كل الذين يحومون حول مفاهيم الانتقال من الوضع الراهن الى وضع جديد ، انما هدفهم الحقيقي حل مشاكل الاخرين لا حل مشاكلنا ، ومشاكل الاخرين مفهومة جيدا ، انها تتركز بالتحديد على استيعاب الفائض الديمغرافي الناتج عن صراعات المنطقة ، استيعابا نهائيا مع كل ما يستدعيه ذلك من متطلبات خيالية.

لكننا نشعر ، أيضا ، ان اركان الدولة الأردنية الثلاثة الملك والشعب والأرض تربطها علاقات اعتماد متبادل ، بمعنى انها بنية مركبة حسب نظرية النظم او الأنظمة ، ففي الأردن عالم داخلي ، قد يبدو سهلا ، لكنه دائما كان صعبا في المنعطفات ، ونعتقد انه بات اكثر صعوبة.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012