أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


د . البطوش يكتب : ست خرافات حذّر منها وصفي التل بينها "خرافة الحلول السلمية"

بقلم : الدكتور بسام البطوش
31-07-2023 03:27 AM

تُلزمنا خطة وزير المالية الإسرائيلية سموتريتش 'خطة إسرائيل الحاسمة'، بالتفكير العميق؛ فقد جاءت مقرونة بإلقاء خطاب ينفي فيه وجود شعب فلسطين من على منصة تحمل خريطة كيانه الغاصب ممتداً على أرض فلسطين التاريخية وشاملاً المملكة الأردنية الهاشمية. وهو يتناغم تماماً مع زميله وزير الأمن الصهيوني المتطرف بن غفير- الذي يعمل معه في حكومة نتنياهو الموغلة في اليمينة الدينية المتطرفة - على ترجمة الفكر الصهيوني التوراتي إلى ممارسات وسياسات وتشريعات ووقائع يوميّة، إيماناً بأن لحظة الحسم حانت !

يلزمنا في هذه الأجواء أن نبحث عن أفكار ومشاريع وخطط حاسمة مضادة أيضاً، ومن حُسن وعيّ الشعوب الحيّة إحياء ميراثها الفكري والسياسي واستحضاره في اللحظات المفصلية. ولعلي بحثت مطولاً في الأدب السياسي الأردني؛ فلم أجد أصدق تعبيراً وأشد وعياً ووضوحاً مما طرحه دولة الشهيد وصفي التل، حول حقائق الصراع العربي الصهيوني وهو في سدّة الحكم، وقبيل سنة وخمسة أشهر من إستشهادة إغتيالاً على يد منظمة أيلول الأسود وشركائها، بتاريخ 28 تشرين الثاني 1971، بينما هو منهمك في مؤتمر وزراء الدفاع العربي المنعقد في القاهرة بتقديم خطته لتحرير فلسطين!.

ففي يوم الاثنين 1/حزيران / 1970، وفي محاضرة عامة في مدرج كلية الاقتصاد والتجارة في الجامعة الأردنية، بدعوة من اللجنة الثقافية لنادي موظفي الجامعة الأردنية، قدّم وصفي التل أطروحته حول القضية الفلسطينية والصراع العربي- الصهيوني، وعنوانها ' حقائق المعركة'، ركّز فيها على مجموعة خرافات لابد من إزالتها من أذهاننا، تمثّلت فيما يلي:

1- 'خرافة الحلول السلمية'

2- 'وخرافة احتواء إسرائيل، وإمكان التعايش أو الانسجام معها'.

3- 'وخرافة الاعتماد على ما يبدو أنه تناقضات بين مختلف الأحزاب اليهودية'.

4- 'وخرافة الإعتماد على الضغوط والوساطات الدولية والرأي العام'.

5- 'وخرافة الأوهام التي تتوقع إمكان انسحاب اسرائيل من بعض الأرض المغتصبة أو كلها من دون ثمن غال تأخذه، أو من دون إكراه شديد لا يكون بمحض إرادتها وبلا ثمن تتقاضاه'.

6- و 'خرافة الاعتقاد أن في وسعنا أن نتحاشى صداماً مصيرياً مع اسرائيل'.

جاء حديث وصفي هذا، في ظل تداول المعلومات والأخبار حول مشروع حل سياسي تقوده الولايات المتحدة، ظهر الحديث حوله عام 1969م، أي في أعقاب حرب حزيران 1967م، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 242؛ حين قدّم وزير الخارجية الأمريكية وليم روجرز مشروعاً تحوّل إلى مبادرة للحل، أعلنها رسمياً بتاريخ 19 حزيران 1969، وكانت من شقين: وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، وتطبيق القرار 242 عبر مهمة يارنج. وقد قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، بالمبادرة بشكل رسمي وعلنيّ بتاريخ 23 يوليو 1970 بمناسبة العيد الثامن عشر لانقلاب 23 يوليو العسكري. وكانت فحوى المبادرة الإستناد إلى مقولة السلام مقابل الأرض (الإنسحاب من أجزاء من الأرض المحتلة في حزيران 1967)، وهي ما طوّرها النظام الرسمي العربي من جانبه إلى (مبدأ الأرض مقابل السلام)، وطالبت الدبلوماسية والسياسة الرسمية العربية عقوداً ممتدة باعتماده قاعدة للتفاوض وللعملية السلمية.

استقبل وصفي مبادرة روجرز مبكراً بهذا التحذير من الخرافات الست، وقد التقى في موقفه الرافض هذا مع منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية - التي هاجمت عبدالناصر والمبادرة- ورحل وصفي وفياً شهيداً ورافضاً للمبادرة وللخرافات الست، لكن منظمة التحرير وفصائلها قبلتها رسمياً وعلنياً منذ تبني المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة لبرنامج النقاط العشر بتاريخ 7 حزيران 1974م!!

وأثبتت الوقائع صحة ما حذّر منه وصفي، وأكدت أن المشروع الصهيوني وكيانه المحتل لا يمكن أن يؤمنا بالحلول السلمية بجميع أشكالها. ولعل 'خطة إسرائيل الحاسمة'، حسمت الموقف الصهيوني من فكرة السلام، بما تطرحه من حلول إرهابية قائمة على وضع الشعب الفلسطيني بين خيارات ثلاثة تتراوح بين: الاستسلام التام، أو التهجير القسري، أو القتل، وتعبّر عن جوهر الأيديولوجية الصهيونية الموغلة في التطرف والعدوانية المتوارثة منذ عهد الآباء المؤسسين للصهيونية، وهي الخطة ذاتها التي تسعى لأن تفرض على الأردن التعاطي مع خيارات خطيرة وصعبة وحاسمة أيضاً.

وها نحن نكتشف صدقية ماحذّر منه الشهيد وصفي التل، بعد إنشغال العرب بأوهام كثيرة بأنه لا يمكننا التعويل على الضغوط الدولية، كما أن الانقسامات السياسية الصهيونية الداخلية لا يمكن التعويل عليها، وقد غابت أحزاب اليسار والسلام وتياراتها المزعومة من الحياة السياسية الاسرائيلية اليوم، وأن خيار السلام كما رأى وصفي لا يمكن التعويل عليه، وأن إحتواء الكيان الغاصب ودمجه في المنطقة العربية خيار رومانسي لا يمكن التعويل عليه بالمطلق.

وتنبأ وصفي مبكراً بأن إسرائيل لن تتخلى عن جزء من الأرض إلا إذا كوفئت بثمن عظيم، وثبت أنه ليس في واردها التنازل عن أرض مقابل سلام لا تبحث عنه! ولا تخشى من فقدانه! كما أنها في عقيدة وصفي التل لن تتخلى عن شبر من الأرض إلا إذا انتزع منها بالقوة! ولعله في هذا يتفق مع مقولة خصمه اللدود جمال عبدالناصر التي تخلى عنها في النهايات بقبوله بمبادرة روجرز!

ومن الواضح أن وصفي في ظل أجواء الفتنة التي خلقتها فوضى العمل الفدائي على الأرض الأردنية، وبدء تلمّس العرب رسمياً لمسارات تقودهم نحو الحلول السلمية، راح يصوّب المسارات والاتجاهات والأنظار نحو مقولته الحاسمة: 'خرافة الاعتقاد أن في وسعنا أن نتحاشى صداماً مصيرياً مع إسرائيل'! وهل من ردّ استراتيجي حاسم على خطة سموتريتش(خطة إسرائيل الحاسمة) كإدراك وصفي لحقائق المعركة ولخرافات السلام؟ لكن رؤية وصفي رُفضت وهُوجمت من المنظمات الفدائية، ويقول المؤرخ والمفكر والمجاهد الوطني الفلسطيني/ الأردني أكرم زعيتر، إن صحيفة الشرارة لسان حال الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، شنّت 'حملة شعواء على وصفي التل، وتنديد بمحاضرته'. (يوميات أكرم زعيتر بتاريخ 22/8/1970. ص 363)، وقد جرى هذا في ظل إشتداد الأزمة بين المنظمات الفلسطينية والدولة الأردنية، جراء اضطراب العلاقة وتباين وجهات النظر حول طبيعة العمل الفدائي الذي آمن به وصفي بشكل حاسم ومطلق وقديم، لكنه امتلك رؤيته الناضجة لطبيعة العمل الفدائي وأشكاله وأهدافه ومناطق إنتشاره ومحددات عمله على الأرض الأردنية، وكانت له نظريته الواضحة ونظرته الثاقبة في أصول وقواعد العمل الفدائي الحقيقي، لكن الغوغائية والمراهقة الثورية أضاعت فرصة الارتقاء لمستوى ما قدّمه وصفي بخلق وعقل ورجولة حول العمل الفدائي، وحول حقائق المعركة!!

• أنظر نص محاضرة وصفي التل(حقائق المعركة) في، وصفي التل، كتابات في القضايا العربية، ص 169-178

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012