أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


البدارين يكتب : لماذا لن تنتهي هذه الحرب ؟!

بقلم : محمد البدارين
14-10-2023 01:26 PM

اللواء محمد البدارين

قليلون جدا، هم السياسيون العرب الذين فهموا الأبعاد العميقة لما اصبح يسمى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بقصد تقزيمه عبر لعبة الألفاظ المستحدثة ، مثل ، وقف العنف ، خفض التصعيد ، القوة المفرطة..الخ ، لكن بنغوريون ومائير وبيجن وشامير ونتنياهو وغيرهم من السياسيين الاسرائيليين في المستويات المتقدمة، يفهمون بكل عمق حقائق هذا الصدام الذي لا ينتهي، وربما اقترب من توصيفه في الشرق المهدي المنجرة وفي الغرب صموئيل هانتجتون، وتجنبا للحساسيات لن نقول فهمه في الاردن وصفي التل ومنيف الرزاز.

فقبل سنوات قليلة ، هاجم شاب استرالي مسجدين في نيوزيلندا مرتكبا مذبحة شنيعة، واخطر ما اتضح وما لم يتضح في تفاصيل تلك المذبحة، ان الشاب الاسترالي كان متأثرا او عضوا بمجموعة ما في هذا العالم، وما لا ينسى انه نقش على بندقيته اسم شارل مارتل، ولا يتسع المقال لشرح ماذا يعني هذا الاسم، لكنه يتردد ذكره في الغرب حتى الان على شكل سؤال، ماذا لو لم يكن شارل مارتل هناك ؟! وهناك مدينة بواتيه الفرنسية.

لم يبالغ هانتجتون في التدقيق باسباب الصراعات الجارية في هذا العالم ، ولم يتطرف المنجرة حين اعتذر عن تلبية دعوة منتدى دافوس ، فالعالم يشهد فعلا صدام الحضارات او تطاحنها ، والحضارة هي كل ما له علاقة بالانسان ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، دينه ولغته ومشيته وطريقته في الأكل ، ومثل هذا الصدام لا ينتهي الا بفناء احد طرفيه ، او تحييده من واقع الحياة وتقليص اهميته ، ويبدو ان محاولات التحييد الجارية بشكل مكثف منذ قرن مضى ، لم تنجح بصورة حاسمة.

لا يمكن التوسع في الشرح، لكن من المعروف ان حرب الفرس والروم استمرت ستة قرون، وحرب العراق وايران استمرت ثماني سنوات ، وحرب فلسطين مستمرة منذ مائة عام ، وبشكل متناقض مع المصلحة اليومية لا تزال اسرائيل تتعمد اطلاق اسم الفارسي على الخليج العربي كلما ورد ذكره، مثلما كانت تتعمد ذكر اسم الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، من ثلاثة مقاطع ، انها باختصار حرب في كل شيء تلك هي حرب الحضارات او الثقافات، فحين تعرض موكب الملك الحسين للهجوم في صويلح، بثت اذاعة اسرائيل الخبر مضافا اليه ان راديو عمان اكتفى باذاعة اغنية فيروز لا تسله ما الخبر.

وفي تعليق منشور منذ عدة ايام ، يقول العميد الاردني راضي الحلالمة انه من المفهوم ان يدور الصراع في الازمنة الغابرة حول الارض لانها كانت اهم عناصر الانتاج، لكن الحروب من اجل السيطرة على الاراضي في عصرنا هذا، باتت امرا يكشف عن قصر نظر ، فكلفة الحروب المالية حاليا لن تسترجع من عوائد الارض محل النزاع حتى بعد الاف السنين من استغلالها المستمر ، ويرى العميد الحلالمة انه حتى المبررات الدفاعية لاحتلال الاراضي سقطت بتطور الاسلحة ، وهذه النقطة بالتحديد تطرق لها الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الاب في خطابه في اذار 1990 بمعرض حثه على تحقيق السلام في الشرق الاوسط، ومن الواضح انه كان يعني ضرورة ان تتخلى اسرائيل عن الاراضي التي تحتلها لاسباب دفاعية ، ويضع الحلالمة يده على السبب الحقيقي وهو تعلق الطرف الاسرائيلي المتطرف بالاساطير الدينية ، وفي الاعلام الاسرائيلي ، ان جنودا اردنيين واسرائيليين تشاركوا في نصب خيمة وادي عربة لتوقيع معاهدة السلام عام 1994 ، وبينما هم منهمكون بالعمل هبت الرياح فشكلت زوبعة من بعيد ، فكان ان خاطب جندي اسرائيلي جنديا اردنيا بقوله ادع ربك ان تنحرف عنا الزوبعة حتى لا تهدم الخيمة ، فرد عليه الجندي الاردني فورا لماذا لا تدعوه انت ، ألست من شعب الله المختار ؟! قصة حقيقية او مختلقة لكنها مملؤة بالرموز وتلك هي حرب الحضارات التي لن تنتهي الا بتحييد اسبابها.

وبصورة واضحة جدا، فانه ما لم يفصل الاسرائيليون هذا البعد الاسطوري عن هذا الصراع ، ويحتكموا لمنطق القانون الدولي ، فان صراعهم مع الفلسطينيين سيطول ، وسيتوسع ، وخلف الفلسطينيين عرب ومسلمون، لم تنفع في تحييدهم كل برامج التحييد ، فالاسطورة تقابلها اسطورة ، والدين يقابله دين ، والدم تقابله دماء ، وما من مخرج لمثل هذا الصراع الااستعادة العقل العلمي والاحتكام للقوانين المعترف بها من قبل العالم كله حاليا ، فهذا مجلس الامن الدولي يدعو اسرائيل ان تنسحب من اراضي الآخرين منذ خمسين عاما ، فيما ترد اسرائيل بانها باقية وتتمدد ، ويخطب رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للامم المتحدة ، مؤنبا ، بسبب اصدارها قرارا سابقا يعتبر دولته عنصرية ، والحقيقة طبعا ان ذلك القرار الملغى يعتبر الصهيونية وليس اسرائيل ، حركة عنصرية ، ويتهم نتنياهو اغلبية دول العالم بانها بقراراتها السابقة التي تدين اسرائيل كانها تقرر ان الشمس تشرق من الغرب ، ويتفاخر بان اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، ويرحب كاذبا بالثورات العربية الداعية للديمقراطية، فالحقيقة انه كان في جولة خارجية حين اندلعت ثورة مصر ، فقطعها وعاد مضطربا الى مكتبه واصفا ما يجري في المنطقة بانه شيء مخيف، ومنذ ذلك الحين يعلم هو بالتأكيد ماذا فعل لاحباط حركات التغيير في البلدان العربية، ولنا ان نتخيل ماذا فعل ، وكيف ساءت علاقته مع باراك اوباما بسبب الموقف الامريكي من مطالب المظاهرات العربية.

تتوفر كل الادلة الكافية، على صحة ما نقول ، وكثير مما نقول يستند لتصريحات معلنة وموثقة في وسائل الاعلام الاسرائيلية، ولا يمكن ان ينسى نتنياهو خطابه في رثاء اسحق شامير عندما اكد ايمانه بعبارة شامير (العرب هم العرب والبحر هو البحر) وهذا توصيف تأبيدي يحمل في داخله كل ما يثبت ان المستوى القيادي في اسرائيل يزداد تطرفا جيلا بعد جيل.

لسنا بصدد التحريض ضد اليهود ولا ضد اسرائيل، ولا ضد الغرب، لكننا بصدد وصف الامور كما هي على حقيقتها، فعبد الرحمن الغافقي ليس القائد الوحيد في التاريخ الذي غزا بلدا اخر، فالتاريخ البشري مملوء باسماء الغزاة من نبوخذ نصر الى الاسكندر وهولاكو وريتشارد ونابليون واللنبي وغورو وهتلر واخرون يرد ذكرهم في الاخبار الجارية.

وسواء اقتنع نتنياهو ام لم يقتنع، فإننا مقتنعون بـن لا عقيدة اسمى من الحقيقة..


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012