أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


البدارين يكتب : تحذيرات في خطاب الملك

بقلم : اللواء محمد البدارين
23-10-2023 09:30 PM


يمكن وصف خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ، في القاهرة ، بأنه رسالة تحذيرية شاملة لاسرائيل والغرب ، فهذا الملك العربي ، الذي ظهر على المسرح الدولي منذ عشرين عاما ، كوسيط مقتدر بين حضارتين ، وصفّقت لخطاباته طويلا كل نخب الغرب ، وعلى رأسها النخبة الأمريكية ( الكونغرس ) ، بات يشعر بما ظهر أنه يشعر به ، في خطابه في القاهرة ، الذي كان من الضروري ، لو امكن ، ان يترجم ترجمة فورية متقنة ، للعبرية والفرنسية والألمانية ، ولكل لغة أخرى سائدة في هذا العالم ، لعل الكلمات تصل لكل المعنيين وهي تفور من الصدر فورا.

يقول الملك : لا يمكننا غض النظر عن هذا الصراع باعتبار ان حله بعيد المنال ، وكأنه يستذكر خطاب الرئيس بايدن في بيت لحم ، العام الماضي ، الذي قال فيه إن حل الدولتين يبدو بعيد المنال ، وليس بوسعنا أن نفهم ما هو أقل من الاعتراض الملكي ، على ترك الصراع يجري كما يجري ، بدعوى ان الحل بعيد المنال ، بينما الحل جاهز فعلا على الطاولة منذ 15 عاما ، والمقصود هو الحل الذي تبنته اصلا الإدارة الامريكية وايدته بقية الأطراف وما كان يسمى الرباعية الدولية وممثلها طوني بلير ، انه الحل نفسه المطروح في مؤتمرات فاس وبيروت ومدريد ، انه حل الدولتين ، ومكان هاتين الدولتين ، كما جاء في خطاب الملك ، بين النهر والبحر، ولا داعي للاستمرار في المحاولات العبثية لاستخلاق أمكنة أخرى.

فالحل هو نفس الحل ، الذي يجري تجاهله والتحايل عليه من قبل اسرائيل منذ 75 عاما ، مع أنه لا شرعية قانونية لها بموجب القانون الدولي إلا بناء على ذلك الحل ، فدولة إسرائيل التي يعترف بها العالم ، تستند في مشروعية وجودها على قرار التقسيم ، الذي ينص على قيام دولتين في فلسطين ، فلسطين التي كان بعض زعماء اسرائيل يحملون جنسيتها رسميا في زمن الانتداب.

ومن المعروف ان قرار التقسيم عارضه عبر السنين الطويلة ، متطرفون من كلا الجانبين ، ولا يزالون ، مع فارق مهم ، وهو ان متطرفي اسرائيل تمكنوا من الوصول للسلطة والتحكم بها ، فكان ان حكمت اسرائيل شخصيات صهيونية متطرفة جدا ، بعضها لا يزال يخشى السفر الى الدول التي لديها قضاء مستقل.

ومرة بعد مرة ، كنا نجد أن ما لا يمكن حصره من مجريات هذا الصراع الطويل ، تعيد كل الاطراف الى نقطة الصفر أي الى الحرب التي قبلها حرب وبعدها حرب ، حتى ابتكر قائد عسكري اسرائيلي بارز ، مفهوما عسكريا جديدا يسميه استراتيجية الحملة بين الحروب ، ومرة بعد مرة نتأكد أن السادات لم يكن متأكدا حين وصف حرب اكتوبر انها اخر الحروب ، حتى بين مصر واسرائيل ، فقبل أشهر قليلة قرر جندي مصري واحد ، شن حرب فردية على الجبهة المصرية ، ستستمر لعدة ساعات وشاركت فيها قوات كبيرة ومروحيات حربية.

ومن مصر ، يوجه الملك كلامه لاسرائيل ، لعلها تدرك ، بل هو يقول بشكل مباشر ان على القيادة الاسرائيلية ان تدرك انه لا يوجد حل عسكري لمخاوفها الأمنية ، مضيفا ، بأن عليها أن تدرك أيضا وبشكل نهائي انه لا يمكن لدولة ان تزدهر ابدا اذا بنيت على اساس من الظلم ، وهذه حقيقة ازلية لم ينكرها احد عبر التاريخ ، وقد شرحتها الفلسفة العربية اكاديميا وكرستها بصورة نهائية منذ سبعة قرون ، في فصل بعنوان ( الظلم مؤذن بخراب العمران ) الذي لا يزال مع كتب عربية أخرى محل الدراسة المنهجية في جامعات كثيرة حول العالم.

لا شرح لخطاب الملك في القاهرة ، الا باعادة قراءته وربطه بخطابات ملكية سابقة ، وفهم علاقات الارتباط في بنيته بكل ما فيها من المعاني الظاهرة والكامنة ، التي نعتقد انه لا يعجز عن فهمها كل من يريد ان يفهم ، ونفترض ان قيادة اسرائيل تفهمها ، كما نعتقد ان لا مصلحة لشعب اسرائيل ولا لشعوب الغرب ، ان يستمروا باللامبالاة حيال مصائرهم ومستقبلات اجيالهم ، التي يبدو انها تحولت الى مادة للمضاربات الانتخابية ، التي يتورط فيها سياسيون تسمح لهم ضمائرهم ان يغامروا بمصائر شعوبهم ودولهم من اجل الفوز بالسلطة ، حتى بتنا نشهد انقسامات مخيفة في مجتمعات متقدمة ، بسبب شهوات السلطة والنفوذ ، وبشكل لم يعد يختلف كثيرا عما يجري في مجتمعات اقل تقدما ، يجري التلاعب بمصائرها لنفس السبب ، ويتذرع المتلاعبون بمصائر الناس بما لا يعقل من مبررات ، حتى راينا ما لا يمكن الاحاطة به ، من امثلة ، بات معها نيرون وهتلر وموسوليني ، ليسوا اسماء استثنائية في تاريخ الامم ، بل ان اسوأ ما نواجهه اليوم هو ان ما كان يمكن غض النظر عنه بسبب حدوثه في ازمنة كنا نظن انها مضت وانتهت ، اصبح يتكرر حدوثه حاليا بفظاعات اشنع وابشع ، حيث يجد مجرمو الحروب الجديدة تحت اوامرهم اسلحة متطورة جدا وشديدة التدمير ، وادوات حروب فكرية واعلامية خارقة لكل المسافات والعقول ، الى ان بات يقال في واشنطن اننا الان في مرحلة تصدع الحقيقة ، وهي مرحلة اصبحت فيه البديهيات محل تعريفات جديدة تشبه تعريفات الكتاب الاخضر.

ولذلك ، لم يكن جلالة الملك يقرأ اختياريا في صفحة من تاريخنا ، وهو يذكّر بقواعد الاشتباك في الإسلام ، فما بتنا نراه يستدعي التذكير بتلك القواعد الأخلاقية العظيمة ، ونتذكر في هذا الصدد ان الملك الحسين رحمه الله قال ذات يوم اننا بحاجة ان نتقدم نحو الإسلام لا ان نرجع اليه ، فالإسلام أمامنا لا خلفنا ، ولطالما اسرفنا نحن العرب بمدح الغرب بقولنا انهم مسلمون بدون اسلام ، غير ان ما يجري الآن وربما ما سيجري مستقبلا ، يضع البشرية كلها بغربها وشرقها ، أمام المساءلة ، حول كل ما تدعيه في ثقافاتها المختلفة ، وقد يضع الاقوياء خاصة امام مواجهة تشبه مواجهة القرصان الضعيف مع الاسكندر، حين واجهه بحقيقة المعاييرالجائرة ، التي تعتبر القرصان الكبير الإسكندر بطلا عظيما ، فيما تعتبر القرصان الضعيف قاطع طريق او بلغة اليوم ارهابيا.

لا يكفي المقال ، لاستكشاف كل ما جاء في الخطاب الملكي ، فهو خطاب غزير بالمعنى ويستدعي القراءة مرة بعد مرة ، خاصة من قبل الأطراف المعنية ، انه رسالة خارقة لكل الانحيازات البشرية المحكومة بشهوات الهيمنة والسيطرة ، وتسمو فوقها ، رسالة تستحق ان نفهمها نحن ايضا في الداخل الأردني والعربي ، بشكل يتناسب مع طبيعة هذا الصراع المركّبة.



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012