أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


د. محمد المناصير يكتب : سقطت طليطلة وملوك دول الطوائف يتفرجون

بقلم : الدكتور محمد المناصير
02-11-2023 08:07 PM

كانت طليطلة من أكبر دول الطوائف، وتحتل موقعًا مميزا فتقع على مشارف الأندلس الشمالية، وعرفت منذ قيام الأندلس بالثغر الأوسط، نظرًا لوجودها بجوار حدود الممالك الإسبانية.
فتح المسلمون مدينة طليطلة بقيادة طارق بن زياد عام (712م) ، بعد انتصارهم بمعركة وادي لكة على القوط، وبقيت تحت حكم المسلمين اربعة قرون، وظلت تتمتع بتفوقها السياسي على سائر مدن الأندلس .
استقل بنو ذي النون بطليطلة بعد سقوط الخلافة بقرطبة ، وتولى عبد الملك بن متيوه أمر طليطلة، وأساء إلى أهلها فاتفقوا عليه وساعدوا ابنه إسماعيل فاستقل بها، وترك شؤونها إلى شيخها أبى بكر الحديدي، وتُوفى إسماعيل، وخلفه ابنه يحيى بن إسماعيل وبعد وفاته تولى حفيده القادر بالله يحيى حكم طليطلة ، وقد ثار عليه أهل طليطلة لقتله ابن الحديدي.
حكم بنو يعيش طليطلة بين عامي 1009 - 1028 م ، حيث كان قاضي المدينة أبو بكر يعيش بن محمد بن يعيش. واستعان حاكم المدينة القادر بالله يحيى بالفونسو السادس ملك قشتالة ، الذي فرض الحصار علي طليطلة في عام 1048م .
يقول المؤرخ الألمعي محمد عبد الله عنان: 'وهكذا عدمت طليطلة كل مصدر للعون الحقيقي، كل ذلك والموقف يتدحرج، وألفونسو السادس ماض في غزواته المدمرة، حتى أضحت سهول طليطلة كلها خراباً يباباً. ولم يكن يخفى على عقلاء المسلمين أن الموقف عصيب، وأن سقوط طليطلة إحدى قواعد الأندلس العظمى في يد قشتالة، إنما هو نذير السقوط النهائي، وأنه انهيار الحجر الأول في صرح الدولة الإسلامية، إنما هو بداية انهيار الصرح كله .
ولم يقم أحد بمساعدة المدينة واهلها إلا المتوكل ابن الأفطس الذي أرسل جيشاً كبيراً لنجدة طليطلة لكنه تعرض لهزيمة من جيش قشتالة بعد حصار دام تسعة اشهر إلى أن استبد الجوع بالناس ولم تفلح محاولات المسلمين الوصول لتسوية.
بل تشير بعض الروايات إلى أن هؤلاء قادة دول الطوائف البائسين كانوا يُرسلون سفراءهم لألفونسو بالهدايا والتحف خشية على أنفسهم، وأنهم أذعنوا له بدفع الجزية التي فرضها عليهم، وفي نهاية المطاف، وبعد الجوع وقلة الأقوات وضعف العامة وانهيار المقاومة سلم أهل طليطلة مدينتهم وهم في ذلة وضعف إلى الملك الكاثوليكي في بداية شهر صفر سنة 478هـ/مايو 1085م.
ولم يرض ألفونسو سوى بتسلم المدينة كاملة فاستسلمت مدينة طليطلة للفونسو في 25 مايو 1085م ، وهي أول قاعدة أندلسية تسقط في أيدي القشتاليين، وبعد دخولها عمد الفونسو بالتوجه إلى المسجد الكبير الذي حوله إلى كاتدرائية وصلي فيه قداس الشكر وصارت طليطلة عاصمة لمملكة قشتالة وتم منح المسلمين كافة الحرية لمغادرة المدينة أو البقاء فيها وحرية التصرف في أملاكهم.
قول ابن بسّام: 'وخرج القادر بن ذي النون خائبا مما تمناه، شرقا بعقبى ما جناه، والأرض تضج من مقامه، وتستأذن في انتقامه، والسماء تود لو لم تطلع نجما إلا كدرته عليه حتفا مبيدا، ولم تنشئ عارضا إلا مطرته عذابا فيه شديدا. واستقر بمحلة أذفنوش مخفور الذمة، مزال الحرمة، ليس دونه باب، ولا دون حرمه سِتر ولا حجاب. حدّثني من رآه يومئذ بتلك الحال وبيده اصطرلاب يرصد فيه أي وقت يرحل، وعلى أي شيء يعول، وأي سبيل يتمثّل، وقد أطاف به النصارى والمسلمون، أولئك يضحكون من فعله، وهؤلاء يتعجبون من جهله ، فكان الجهل والخيانة والتشرذم الأسباب الرئيسة لسقوط المدينة!.
وبعد نحو سنة من سقوط طليطلة اتفق ملوك الطوائف لأول ولأخر مرة وعلى راسهم المعتمد بن عباد ويطلبون مساعدة ( يوسف بن تاشفين ) أمير دولة المرابطين بالمغرب وبالفعل استجاب لهم وهزم الفونسو فى معركة فاصلة هى معركة الزلاقة ..
اما مصير القادر ذي النون الذي سلم طليطلة فقد ثار عليه اهل بلنسية والقوا عليه القبض وقطعوا راسه وعلقوها على عصا طويلة وطافوا بها شوارع المدينة .. ورموا جثته فى أحد المصارف أو المستنقعات .
وقد حاول أمــير المرابطــين يوسف بن تاشفين استردادها من يد القشتاليين لثلاث مرات متتالية ولكن لم يفلح في ذلك. وكان آخرها في سنة 483هـ في المرة الثالثة التي جهز فيها جيشا ضخما لتحقيق هذا الهدف, فاتجه بقواته إلى طليطلة واجتاح في طريقه أراضي قشتالة دون أن يتقدم أحد من ملوك الطوائف لمعاونته أو السير معه, وكان يرغب في استرداد طليطلة لعله يشفي الجرح الدامي, لكنه لم ينجح نظرا لمناعة أسوارها العالية وتحصنها المتين.
وبسقوط طليطلة اهتزَّ العالم الإسلامي في الشرق والغرب، يُصَوِّره الشاعر ابن عسال بقوله:
يَا أَهْلَ أَنْدَلُسٍ حُثُّوا مَطِيَّكُمُ *** فَمَـا الْمَقَـامُ بِهَـا إِلاَّ مِـنَ الْغَلَطِ
الثَّـوْبُ يُنْسَـلُ مـِنْ أَطْرَافِهِ وَأَرَى *** ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولاً مِنَ الْوَسَطِ
مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لاَ يَأْمَنْ بَوَائِقَهُ *** كَيْفَ الْحَيَـاةُ مَـعَ الْحَيَّاتِ فِي سَفَطٍ]
وهي صورة عجيبة ينقلها ذلك الشاعر(إعلام ذلك الوقت) المحبَّط، فمن الطبيعي إذا ما انسلَّت حبة من العِقد فإن الباقي لا محالة مفروط، فما الحال إذا كان الذي انسلَّ من العِقد هو أوسطه (طليطلة) أوسط بلاد الأندلس، فذاك أمر ليس بالهزل، بل وكيف يعيشون بجوار هؤلاء (الحيَّات) إن هم رضوا لهم بالبقاء؟! فما من طريق إلا الفرار وشدِّ الرِّحَال. فنسأله سبحانه وتعالى ان لا يكون ' ما اشبه اليوم بالبارحة '.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012