أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


ليس الزمن في غزة استرخاء

بقلم : عامر طهبوب
15-12-2023 07:04 AM

أعادتنا غزة إلى الجُمّيز، وما أطيب من جميز غزة، وإلى التفاح، لنغني: 'غزة يا جميز غزة، تفاح الشام، حلو، وِلُه لزّة'. أعادتنا غزة إلى الشوملي والبوملي، وأعادت إلى ذاكرتنا كرومات العنب في الخليل، وبيارات الليمون في الجليل، وأعادت إلينا أغانينا: يا ميمتي لا تحزني، يحمي الأرض أبطالها، ومشينا الدرب، وخضنا الدرب، وعدّينا، ويالله يمّا ع الزيتونة، ع البيارة، وع الليمونة، راحوا خوالي على الفدائية، وخايف يمّا يسبقوني، كل منهم شال سلاحه، واضِع دمّه ع كفٌّه وراحُه.

أعادتنا غزة إلى 'تسابقوا ع الموت، أقدامهم عِليَت فوق رقبة الجلاد، وصاروا مثل يا خال، بطول وعرض البلاد، وإلى صخرة الأجداد، و'اللي عرف دربُه، شِدِّه ما تهِدُّه، واللي الوطن شَدُّه، مين يقدر يرُدُّه'، وإلى الليل البارد والمارد، والقمر الهارب، والميناء، والبارود، وإلى من مضى في غربة السفنِ، و'هُبّي يا رياح'، وإلى وطن ينتظر الأحبة، وكم رجوع بات ينتظرُ.

أعادتنا غزة إلى الحلم من جديد، وصرنا نغني: هَي يا ولاد فلسطين، المشرّد واللي فيها، جينا الأرض نفديها، كبروا في الغربة الولاد، وما نسيوا ريحة البلاد، وفلسطين لأهاليها، و'يا أرض زيدي زيدي، شعلة ما رح يطفوها، رغم البيوت اللي هدموها'، و'إحنا شبابك فلسطين، والنعم والنعمتين، و'تقدموا، تقدموا، تكلّم المخيم، جليلنا دليلنا، وقدسنا والعالمُ، قلنا لهم: فلتخرجوا، لكنهم لم يفهموا'.

أعادتنا غزة إلى سميح القاسم: تقدموا تقدموا، كل سماءٍ فوقكم جهنم، وكل أرض تحتكم جهنم، تقدموا، يموت منا الطفل والشيخ، ولا يستسلمُ، وتسقط الأم على أبنائها القتلى، ولا تستسلمُ، تقدموا تقدموا، بناقلات جندكم، وهدّدوا، وهدّموا، لن تكسروا أعماقنا، لن تهزموا أشواقنا، نحن القضاءُ المبرمُ.

أعادتنا غزة إلى محمود درويش: ليس الزمن في غزة استرخاء، ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة، لأن القيم في غزة تختلف، تختلف، تختلف، القيمة الوحيدة للإنسان المحتل، هي مدى مقاومته للاحتلال، وأعادتنا إلى نزار: يا تلاميذ غزة، علّمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا، علّمونا أن نكون رجالاً، فلدينا الرجال صاروا عجينا، أعادتنا غزة إلى الله، وإلى المراهنة على السماء، وعلى جند الله، وعلى الشتاء، لعله يحارب مع أهل غزة، قد يغرق خيامهم، لكنه يمكن أن يغرق المحتل في الوحل.

علمتنا غزة معنى الثبات، أن تموت في أرضك ولا تهاجر، علمتنا أن الأوطان ليس حيث توضع القبعات، ولكن في الأرض التي يدفن فيها الأجداد. كيف يترك أهل غزة غزة، ولهم فيها مئات الآلاف من الشهداء، طفل شهيد، وطفلة شهيدة، وأب شهيد، وأم شهيدة، وأخ شهيد، وابن أخ شهيد، وابن أخت شهيدة، وطفلة وليدة، ورضيعة شهيدة، وكيف يترك الغزي أرض الرباط، وحي الزيتون، والرمال، والشجاعية، وجحر الديك، ودير البلح، وكيف يترك البلح، والبحر، والمركب، وشباك الصيد، والدرج، والشيخ رضوان، والصبرة، وتل الهوى، وحكايات الهوى، والتفاح، والشيخ عجلين، وميناء غزة القديم.

لا غزة في اليوم التالي للحرب إلا غزة، وأهل غزة، والسؤال هو عن إسرائيل في اليوم التالي، هزيمة محققة، ومحاكم للقادة، وفشل تاريخي عميق سيترك آثاره على مستقبل الاحتلال، والاحتلال إلى زوال، طال أم قصر، تلك سنة الحياة، وما تعلمه أبناء غزة من دروس التاريخ، وما يستند إليه شعب فلسطين، يستند إلى التاريخ، ويبقى في الجغرافيا.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012