بقلم : مهند تحسين حؤبش
26-06-2012 09:23 AM
عَرَف علم النفس الشخصية 'السيكوباتية' بانها تنظيم متكامل ،لخصائص الفرد البدنية والعقلية والاجتماعية، كما يعبر عنها صاحبها بحق نفسه امام الاخرين في مواقف الحياة الاجتماعية ،وتشمل الجوانب الطبيعية المكتسبة من دوافع وعادات وميول وعقد وعواطف ومثالياث واراء ومعتقدات ،والتي تنظم علاقات هذه الشخصية وتفاعلاتها مع بيئتها الاجتماعية .وفي الاجمال هنالك شخصيات في المجتمع احداها سوية، والثانية 'سيكوباتية' غير سوية ،وصاحب الاولى ينشأ عادة في اسرة تتسم بالتسامح والترابط ،والحزم في تربية الاولاد وتعليمهم القيم الاخلاقية ،بما يوفر لهم احساسا في الامن والاستقرار داخل الاسرة ،مما يجعل هذه الشخصية تتسم بمجموعة من السمات التي تتمثل بالاتزان والتوافق النفسي والجماعي والتفكير الواقعي العملي ،ويسعى صاحبها نحو التقدم للافضل لانه يمتاز بقدراته على ضبط سلوكه الذاتي . وفي المقابل هنالك شخصية اخرى تسمى بالشخصية 'السيكوباتية'،وتعريفها حسب علماء النفس بانها غير سوية ،ومضادة للمجتمع وخارجة عن قيمه وتقاليده وقوانينه .وتمتاز هذه الشخصية بانها منحرفة التفكير والسلوك والخلق والطباع ،يسعى صاحبها الى تحقيق اهدافه،واشباع حاجاته بغض النظر عن الطرق الغير مشروعة التي يرتكبها بحق الاخرين .والمتابع للمتغيرات الاجتماعية والسياسية في المجتمع الاردني خلال السنوات الماضية ،يلاحظ تزايدا في نسبة الجرائم بانواعها المختلفة ،ومخالفات القوانين ،والشجارات العشائرية في اماكن سكناها وغيرها ،والطلابية داخل اروقة الجامعات ،وانتشار الفساد ،وتراجع مكونات التعليم ،وضعف الانتماء والولاء ،وتفكك الاسرة ،وزيادة حالات الطلاق ،وتراجع القيم الدينية والاخلاقية ،وتراجع العادات والتقاليد العشائرية الاصيلة. وادت هذه التغييرات الكبيرة في المجتمع الاردني الى ازدياد اعداد الشخصيات 'السيكوباتية' غير السوية بشكل واضح ،من فئات عمرية ،ومن مستويات تعليمية واقتصادية متنوعة ،وقد يكون بعض اشخاصها من مرتفعي الذكاء ،وبينهم مسؤولين في مناصب حكومية وخاصة مرموقة ،حيث شكل الجانب الاساسي في انحراف هذه الشخصيات 'السيكوباتية' ،وتنامي الجوانب الاجرامية لديها عده اسباب وعوامل ترتبط بالتنشئة الاجتماعية والتربية الاسرية ، لان هذه الشخصيات نشات اساسا في بيئات واسر يسودها التفكك والاضطراب ،مع فقدانها الاحسان بالامن والاستقرار داخل اسرهم ،مع تعرض الكثيرين من هذه الشخصيات لعمليات ايذاء بدني عنيفة ،داخل اسرهم وخارجها ،اضافة الى عدم شعور هؤلاء الافراد بالحنان والحب الاسري ،وعدم تعلمهم اساليب الظبط والتحكم السلوكي ،ومعاني الالتزام الاخلاقي والقيم النبيلة، مع شعورهم واحساسهم بانهم غير مرغوب فيهم ، مما يجعلهم ينحدرون الى هذا المستوى المتدني في سلوكهم الذي يجنح الى الميول العدوانية ،وضعف الضمير ،وفقدان القدرة على التكيف في مجتمعهم . والمخيف هنا ان اصحاب هذه الشخصيات يمتازون ايضا، بانه ليس لديهم ادنى شعور بالذنب او بتانيب الضمير ،مما يجعلهم يرتكبون اعمالهم بحق الوطن والمجتمع وافراده باشكالها المختلفة دون اي خوف من العقاب .ويمكن تحديد انواع الشخصيات 'السيكوباتية' غير السوية في الاردن ،ومنها : المجرمون ،ومدمنو وتجار المخدرات ،السارقون ،والنصابون ،المصابون بالرغبة في التدمير والحاق الاذى في الممتلكات الخاصة والعامة ،المتقلبون انفعاليا ،العدوانيون ،المصابون بجنون الاضطهاد والعظمة ،المنحرفون جنسيا والمنحلون خلقيا، ،وممارسو الدعارة.وتتمثل الملامح النفسية الرئيسية لهذه الشخصيات غير السوية بان افرادها يتسمون بالتهور والاندفاع واللامبالاة،كما يمتازون بانهم ينقصهم بعد النظر مع فشلهم في اقامة علاقة تصالح مع المجتمع . ومن سمات شخصيات هؤلاء الاشخاص ايضا ،عدم احساسهم بالمسؤولية ،ورفض النقد الذاتي ،وضعف الضمير الاخلاقي ،وانعدام القيم الدينية والاجتماعية .ويربط علماء النفس تصرفات هذه الشخصيات غير السوية ،بان اصحابها يعانون من احباطات وذكريات انفعالية مؤلمة ،مع عدم تفريغ هذه الشحنات الانفعالية الناتجة عن هذه الاحباطات التي ترتبط بالماضي حيث تبقى هذه الشخصيات مكبوتة بشكل قوي لعدة سنوات طويلة ،ومع تراكم هذه الاحباطات داخل هؤلاء الافراد عبر الزمن ،تنفجر الشحنات الانفعالبة بشكل فجائي ،دون ان يدرك الشخص 'السيكوباتي' العلاقة بين التصرف الذي يقدم عليه ،وتراكم الاحباطات السابقة التي يعاني منها .ولعل ما يجدر التوقف عنده هنا ،انه نظرا لتزايد الضغوطات والاعباء الحياتية على افراد المجتمع الاردني ،بسبب الاوضاع الاقتصادية المتفاقمة داخليا وعالميا ،وتاكل الاجور وارتفاع التضخم ونسبة البطالة، وعدم جدية الحكومات المتعاقبة في حل مشاكل المواطنين ،وتفعيل القوانين واجراء اصلاحات سياسية واجتماعية ملموسة على ارض الواقع ،فان الخطر الكامن بان اعداد هذه الشخصيات 'السيكوباتية' غير السوية ستتزايد بشكل متلازم لما سبق التونية اليه مما يجعل السيطرة عليها معدوما ،لان سمات اصحاب هذه الشخصيات واسباب اضطرابها ،توصف بانها نوع من انواع الاضطرابات النفسية الكثيرة والمتعدده التي تستدعي العلاج النفسي المسبق،مما يجعل عملية علاج هذه الحالات شبه معدومة ،بسبب عدم استعداد افراد هذه الشخصيات للتقدم الى طلب العلاج وبسبب نظرة واحكام المجتمع المسبقة للامراض النفسية ،اضافة الى عدم ايلاء هذه الامراض وعلاجها وتشخيصها المبكر اي اهتمام من قبل حكواماتنا واجهزتها الطبية .