أضف إلى المفضلة
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
الجمعة , 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تنكر غريب للأوطان..!

بقلم : علاء الدين أبو زينة
31-12-2023 08:18 AM

بعد أن كرر قصة استعمار المسلمين لـ'إسرائيل' التي يعتبرها ملكاً لليهود، وكأنهم وحدهم تواجدوا فيها منذ آدم وحواء، قال بنيامين نتنياهو إنه ليس هناك وطن آخر لليهود يذهبون إليه. وفي هذا مغالطة يعلنها وكأنها حقيقة إلهية. إن له هو شخصيًا وطن تاريخي هو بولندا التي ولد فيها أبوه، بن صهيون نتنياهو، أبًا عن جد. ولوزير دفاعه، يواف غالانت، وطن آبائه وأجداده نفسه، بولندا. ولشريكه في حكومة الحرب، بيني غانس، وطنان: أمه مجرية وأبوه روماني، وبذلك يحمل جنسيتين. وجذور وزيره المتطرف إيتمار بن غفير في كردستان العراق. عراقي-كردي. والمتطرف الآخر، بتسلئيل سموتريتش من أوكرانيا حيث هناك قرية اسمها «سموتريتش'. ويائير لبيد من هنغاريا. وفي الحقيقة، ينتمي المستعمِرون اليهود في فلسطين إلى 85 دولة ولهم 58 وطنًا تاريخيًا ليعودوا إليها. ولكن، أي وطن آخر يذهب إليه الفلسطينيون؟

ثمة سؤال يثيره تصريح نتنياهو: لماذا ينطوي هؤلاء الناس الوحشيون على عدم انتماء مطلق لأوطانهم التاريخية؛ مساقط رؤوس آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم؟ لا أحد آخر يحب أن يقطع جذوره التاريخية طوعًا! وكما سجل مظفر النواب: «حتى الطير لها أوطان، وتعود إليها'. وقال شوقي: «وطني لو شغلتُ بالخلد عنه/ نازعتني إليه في الخلد نفسي'. وقال أبو تمّام: «كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى/ وحنينُه أبدًا لأولِ منزلِ'. هذه هي الغريزة الإنسانية وطبيعة الأشياء. ثم، في ما لا ينطوي على أي نية عنصرية (لا أحد يزايد على الصهاينة في العنصرية): ما السر في أن أوروبا كلها تقريبًا عاملت اليهود تاريخيًا بعداء، واعتبرتهم غرباء وليس جزءًا أصيلًا من مواطنيها؟ فيمَن كان العيب؟ (بالمناسبة: لا يُعرف عن أي اضطهاد لليهود في العالم العربي/ الإسلامي، بشهادة يهود بارزين).

ينسب البعض 'معاداة السامية' إلى تعاليم المسيحية التي صوّرت اليهود كمسؤولين عن صلب يسوع المسيح. وساهم تصور اليهود كـ'قتلة المسيح' في تطوير تنميطهم. لكن آخرين يتحدثون عن الاقتصاد، حيث كان اليهود غالبًا ما يشتغلون، تاريخيًا، في الإقراض بفائدة وفي أنشطة مالية من هذا النوع، فنشأ الاستياء منهم والعداء لهم في المجتمعات الأخرى. وقد رسخ شكسبير هذه الصورة في عمله الخالد «تاجر البندقية'. وثمة الحديث عن الانفصال الاجتماعي، حيث كان اليهود في كثير من الأحيان معزولين ومهمشين في المجتمعات الأوروبية، مسجونين في ثقافة «الغيتو'، بفعل أيديهم أو بعمل الآخرين. لكن أوروبا تصورت اليهود بوصفهم «الآخر' و'الغريب'. ومن المفارقات أن أوروبا نفسها التي عذبتهم تعوضهم بتعذيب الفلسطينيين.
ولكن، مهما تكن الكيفيات التي جعلتهم يضعون على الطاولة ميثيولوجيا «أرض الميعاد' كصرخة تحشيد والتذرع بالهولوكوست لاحتراف الهولوكوست، فإن هذا لا يعني الفلسطينيين إلا بقدر العبارة نفسها: ليس لنا مكان آخر نذهب إليه. وبالتأكيد، يجد الفلسطينيون منطقًا يتجاهله الآخرون في حقيقة أن فلسطين هي وطنهم الوحيد، في حين أن للمستعمِرين الصهاينة أوطانهم التي يحملون لغاتها وثقافاتها وجيناتها، والتي من الطبيعي أن يعودوا إليها مثل الطير التي تعود إلى أوطانها.
في العام 2010، قالت هيلين توماس، عميدة صحفيي البيت الأبيض، لأحد الصحفيين: «أخبر الإسرائيليين بأن يخرجوا (من فلسطين) وأن يعودوا إلى أوطانهم في بولندا أو ألمانيا أو أميركا أو أي مكان آخر'. لكنًّ نتنياهو، أو بايدن أو أي أحد آخر لا يستطيع أن يقول للفلسطينيين العبارة الطبيعية «عودوا إلى وطنكم'، (وهو وطن واحد بوضوح، له اسم واحد وهوية وتاريخ وثقافة مرتبطة بأصحابه الفلسطينيين عضويًا).
سوف يفكر الفلسطينيون بالبديهي عندما يرون حل أوروبا العنصرية لـ'المشكلة اليهودية' بإزالة الفلسطينيين من الأرض والتاريخ، ومن دون أن تنطوي الفكرة على أي شعور باللاإنسانية أو اللاأخلاقية: إذا كنتم، في الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وكل دول أوروبا التي اضطهدت اليهود، تشعرون بأنكم ظلمتم اليهود تاريخيًا وتريدون منحهم «وطنًا قوميًا'، لماذا لم يعطهم أي منكم قطعة أرض من أوطانكم التاريخية، على أساس حق من يملك في التصرف بما يملك؟ وفي الحقيقة لديكم الكثير من الأرض «التي بلا شعب' حقًا، المتعطشة للمهاجرين لكي يعمُروها، في كندا أو أستراليا أو حتى الولايات المتحدة نفسها.
وينطبق هذا أكثر على دول التطبيع العربية التي تحب المستعمرين الصهاينة أكثر من عيونها وتريد تعويض الكيان عن «خيبر': لماذا لا تتبرع لهم بقِطع من أراضيها ليعيشوا معها فيها «جنبًا إلى جنب في سلام' وتترك الفلسطينيين في حالهم بدلاً من التبرع السخي نيابة عنهم بثلاثة أرباع فلسطين ووصف ذلك بأنه «الحل العادل والدائم'؟ في الحقيقة، لم يفوِّض أصحاب فلسطين التاريخية أحدًا من هؤلاء– ولا جماعة «أوسلو قطعاً' - بهذا التنازل الذي يطابق بالضبط «وعد بلفور' في مسألة «من لا يملك لمن لا يستحق'؟!
حسب مقتضى العدالة البديهية، والتعريف الذي طفا مجددًا على السطح في النقاش العالمي لفكرة «فلسطين من البحر إلى النهر'، لا يطرح مناصرو المفهوم– ومنهم يهود- إلقاء اليهود في البحر. إنهم يطرحون، بناء على الوحشية التي لا تصدَّق للنظام الصهيوني قاتل الأطفال والعنصري المؤمن بشرعية التطهير العرقي والإبادة الجماعية القائم في فلسطين كل هذه العقود، ضرورة تفكيك هذا النظام الشرير والمارق، بكل ما تعني دلالات هذه الصفات. ولن يكونَ من العيب، إذا وُضعت الأمور في سياقها التاريخي، وليس الميثولوجي، الدعوة إلى عودة كلٍّ إلى وطنه كما تقتضي العاطفة الطبيعية، وطبيعة الأمور.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012