بقلم : حازم عواد المجالي
27-06-2012 09:41 AM
في الفترة الاخيرة تداولنا مع عديد من الزملاء فكرة ان الاردن في الفترة الحالية غير قادر على انتاج حلول من الداخل تنشل البلد من الحالة التي يمر بها , حالة اقل ما يمكن تسميتها المخاض الصعب , وتداولنا في الحوار ان الاردن حاليا يحتاج الى اعادة ترتيب اوراقه ومعرفة قدراته المتوفرة لديه للخروج من عنق الزجاجة , وان كانت الظروف والمشاكل الحالية تبدأ وتنتهي دائما بالظرف الاقتصادي العام وعدم قدرة الاجهزة الحكومية او التشريعية على الخروج بحلول سريعة تتمخض على ارض الواقع , هذا العجز والعقوق الاختياري امر لا ينكره ولا يختلف عليه اثنان , ولعل اعتماد القيادة الاردنية مؤخرا على الدعم الذي يأتي من الخارج على شكل هبات او معونات او تأسيس صناديق سيادية اثبت فشله لان المراهنة على حساب جيوب الاخرين تربطك بظروف وشروط الاخرين انفسهم.
بما ان القيادة نفسها هي من فتحت هذا الباب على الرغم من المحاولات الخجولة التي تقوم بها لتجميل الوضع وإظهارها على انها تسعى بجد لحل الازمة وتجاوزها , الا انها تركز في قضيتين اساسيتين هما الاصلاح العام ومحاربة الفساد , وبالتالي فإنها ترمي كل اوراقها على الاحداث والأفعال التي حدثت , فالفساد المراد حربه في الاردن هو المحاسبة لما كان وأيضا وبخجل بسيط عدم تكراره , ولكنه لا يؤسس للمستقبل ولا يعطي الحلول الفعالة , الشعب يريد الحساب كاملا , والقيادة تسعى للقضاء على ما صنعته عبر سنين خلال ايام معدودة , ولعل ملهاة قانون الانتخاب والتي اصبح التركيز فيها اكثر ما يكون على صيغة القانون وليس على روحه , فكل يغني على ليلاه , والقانون من سابع المستحيلات ان يرضي الجميع بالتأكيد , لهذا وكله وغيره وجدنا في الحوارات ان عملية الولادة لحلول منطقية واقعية سريعة المفعول في الظروف الحالية الخاصة امر شبه مستحيل ان لم يكن من المستحيل بحد ذاته حتى وان دخلنا في مرحلة اعادة ما نهب وسرق الى خزينة الدولة فهذا ليس بحل سريع ولا يغطي فترة زمنية طويلة تخدم فكرة الدولة ككل.
ان نظرية الحلول الخارجية تعني بالدرجة الاولى ان نبحث عن التحالفات الخارجية التي يقوم بها الشعب الاردني بشكل مباشر دون الحاجة الى الهيكلية والأطر المعمول بها في وزارة الخارجية , دولة رئيس الوزراء الى الكويت , دولة رئيس الوزراء الى الرياض , النتائج معدومة الوضوح , ولا يخفى على احد ان العواصم هذه اصبحت تنظم معوناتها وفقا لاحتياجاتها وأجنداتها , والتي بطبيعة الحال وكما هو الظاهر لا تتعارض مع الفكر الاردني الخالص من الوقوف مع الاشقاء في سوريا دون اغفال الدور الاردني في القضية الفلسطينية , لماذا لا يكون التحرك والحوار مع الدول الشقيقة في السعودية والكويت وقطر مباشرة من قبل الشعب نفسه وقياداته التاريخية , وليس من الصعوبة بمكان فعل ذلك , ولا يعتبر هذا بأي شكل من الاشكال تجاوز للقيادة الهاشمية في الاردن , فجلالة الملك نفسه يصرح ويؤكد على انه ينفذ رغبات الشعب , ويسعى لنيل رضاه , وان كان مجلس النواب الاخير فشل في الاقناع انه يمثل الشعب وان الشعب يريد الخلاص منه والملك وافق على ذلك من خلال وضع قانون جديد يأتي بنواب جدد يعملون وفق مصلحة الوطن والوطن وحده , اذا جلالة الملك لن يمانع بأي شكل من الاشكال ان تأتي الحلول من الشعب نفسه وقياداته التاريخية والفكرية .
السعودية الشقيقة الملتحمة للأردن وشعبه , في الفترة الاخيرة سعت بكل جد لضم الاردن الى مجلس التعاون , ثم سعت الى الرقي بالمجلس نفسه لتشكيل اتحاد خليجي , ثم بدأت بتطبيق هذا التوجه على ارض الواقع من خلال الاعلان عن مشروع الوحدة مع مملكة البحرين , كل هذا ونحن في الاردن غارقون في دائرة ضيقة ندور فيها حول انفسنا , لماذا لا نفكر جديا باللحاق بالركب السعودي , وتجاوز سياسة ردود الفعل والبدء بالعمل وفق سياسة صناعة الفعل , الدعوة الى مشروع وحدة متحقق متكامل مع المملكة العربية السعودية امر وان طال الزمان عليه فهو محتوم , والجزئيات الصغير التي سترمى على الطاولة كنقاط رفض ومعارضة نراها هي نفسها التي اودت بنا كدولة اردنية حديثة الى المنخفض المزمن الذي نمر به في العقد الاخير , السعودية دولة ذات رؤيا وقيادة قادرة على استيعاب الشأن الاردني والتعامل معه بما يعيد له التوازن , والأردن بتاريخه وما يملكه من امكانيات بشرية وعقلية قادر على رفد السعودية وتقويتها من كافة الجوانب .
ان المصلحة الاردنية متحقق من وراء هذا الاتحاد او مشروع الوحدة على الزمن القصير الممتد بأقصى حد الى خمسة عشر عام يكون بعدها قادرا على الانتاج والاكتفاء الذاتي , والمصلحة السعودية ستكون طويلة الامد متحققة بعد خمسين عاما , بتأسيس دولة وشعب قادر على النهوض بالانجازات وحماية المنجزات , السعودية بما تمتلكه من امكانيات وقدرات هائلة الا انها تعي جيدا ان سياسة الاستمرار المنفرد امر لا يحقق المستقبل الذي ينشدوه , السعودية على ارض الواقع الان بعد الربيع العربي تعي ان الجبهات فتحت عليها من اكثر من جهة , فهي من باب حاملة الراية العربية السنية في مواجهة المشروع الفارسي والمد الشيعي , ومن باب فهي بنفس الوقت وجدت نفسها حاملة لراية حماية الشعوب العربية من القيادات الدكتاتورية لديها كما هو في سوريا او لبنان , وهي ايضا شاءت لها الظروف ان تكون معنية وبشكل مباشر بما يدور في الدول التي انهت مشاريعها الربيعية في مصر واليمن وليبيا , و الفكر الاردني الاصلي متجانس ان لم يكن متطابق مع الفكر السعودي , وبالتالي فالسعودية حريصة كل الحرص ان لا يفتح عليها ملف جديد اسمه الوضع الاردني , بل هي لأحرص فعليا على منع حدوث ذلك والشواهد كثيرة والأدلة اكثر.
يقولون ان الافكار حين تطلق على شكل امنيات وأحلام تحارب وتعارض ولكن الزمن يأخذ مجراه , فقبل عشر اعوام لو قلنا ان صدام سيعدم في بغداد والقذافي سيقتل في انبوب تصريف مياه وعبد الله الصالح سيحرق في صنعاء وبن علي سيهرب الى جدة ومبارك يحاكم والإخوان يجلسون على كرسي الرئاسة في مصر , لقال الاغلبية ضرب من الخيال والجنون , ولكن الزمن وإرادة الشعوب وقدر الله شاء ما اراد وليس ما نريد , الوحدة العربية لا يمكن التنازل عنها ولا يمكن طي المشروع , فقل سنين الكل كان يجمع ان المملكة العربية السعودية لن تكون ابدا مع مشاريع الوحدة العربية , وها هي اليوم تحمل لواء العروبة والإسلام .
ان كنا بحاجتهم الان فهم انفسهم لا ينكرون انهم بحاجتنا ايضا , فالأردن وما بقي من العراق وما سيأتي من سوريا بقيادة سعودية ملهمة حريصة كل الحرص على النهوض برقي شعوبها وتقدمهم , هذا هو العمق الجغرافي الامني الحقيقي القادر على تحقيق الامن والأمان لكل دول المنطقة , القيادة ليس بالضرورة ان تمنح الشرعية بعقد اسمه الدستور فالقيادة اساسا لا تعترف بالتاريخ بل تعترف فقط بمن ينجح فيها وبمن يقود شعبه الى ما يريده شعبه وليس ما يريده هو , الحكام حين اسسوا الانظمة لتنفيذ رؤاهم ورغباتهم وتوجهاتهم فشلوا وسقطوا , فالى متى هذا الدوران المركزي حول نفس النقطة , لنتجاوز ولنبحث نحن والقيادة الاردنية عما يخدم الاردن ويعزز قوته ومنعته وأمنه , اليست الدولة هي الاساس وكلنا قيادة وشعب وحكومة ندور في فلكها ونسعى الى ازدهارها , فمتى يكون الكلام والحروف تتحدث عما تم انجازه وليس عما يريده او يريدوه الاخرون.