بقلم : منصور محمد هزايمه
30-06-2012 10:30 AM
في ضوء ما يحصل في المنطقة العربية من تغيرات عاصفة وزوال أنظمة شوهت حياتنا لعقود طويلة وانتظار ما قد يحدث لأخرى هل يمكن أن تتغير قواعد اللعبة السياسية بين الحاكم والمحكوم في القطر وكذلك في الإقليم الذي يشكل فيه العرب الجزء الأهم؟.
في ظل أنظمة أنا الدولة والدولة أنا كان الحاكم بأمره يبني مجده الزائف على قضايا وطنية وقومية أحيانا وعلى اعتبارات دينية أحيانا أخرى وعلى اعتبارات اجتماعية عشائرية في كثير من الاحيان ولا يخفى انه عند زوال الحاكم في دولة ما فان زلزالا يضرب المنطقة كلها في غياب أنظمة الحكم الرشيد.
اليوم ومع الزلزال العربي نأمل أن تتغير كثير من شروط وقواعد اللعبة أولا في الدولة ثم في الإقليم وكذلك علاقات إقليمنا العربي بشرقه وغربه.
ان اهمية الحدث تكمن في ان الشعوب اصبحت لاعبا رئيسا في صياغة مستقبل وسياسة الاوطان وغاب او على وشك أن يغيب نموذج الحاكم بأمره وقد استطاعت الشعوب ان تفشل كل مشاريع التوريث حتى تلك التي ظن أنها مرت واعتقد أصحابها أنهم تورثوا ملكية خاصة بأرضها وناسها.
ولا شك أن الثورة المصرية وتوابعها من انتخابات صادقة أنتجت رئيسا شرعياً يجعلها متميزة بحجمها وموقعها وملايينها تبعا لأهمية الدولة المصرية عربيا واقليميا وانعكس ذلك في شعور المواطن المصري بالمجد الذي صنعه بعدما تم سحقه عقودا طويلة.
الرئيس المصري الجديد نحسب أنه لن يكون مسكونا بهاجس شغل الكرسي لعشرات السنيين ولن ينشغل بقضية التوريث ولا نحسب انه مهتم بجمع المليارات ولا تجديد الولايات بل نتفاءل أن يكون رضا شعب مصر وكرامته هاجسا وشاغلا إذاً ما الذي يمنع ان يقف مع قضايا وطنه وأمته بحزم طالما أنه لن يخسر شيئاً و أن شعبه يقف وراءه ومتعطش لاستعادة هيبة مصر وكرامة الامة وما دام هناك دستور يحكم عملية تداول السلطة وما الرئيس الإيراني إلا نموذجا حيث عبر دائما عن رايه بكل شجاعة في أمور لم يجرؤ عليها غيره ولم يتراجع وتعامل وما يزال بكبرياء وطني نحسده عليه.
اليوم يبدو المشهد السوري وتطوراته المتلاحقة يشغل بال الجميع عربا وغير عرب وما جرى في مصر بالذات لا يمكن أن يعزل عن ذلك والعرب وفي مقدمتهم الشعب السوري باتوا يأملون آن تعود مصر الى موقعها الاصيل في واجهة الامة بعد غياب دام عقوداً ويظهر أن البوادر في هذا الاتجاه بدأت تتوارد فان صحت الاخبار ان الرئيس الجديد رفض تهنئة رأس النظام السوري معتبرا اياه لا يمثل شعب سوريا وكذلك رفضه مقابلة أو الحديث مع السفير الايراني بسبب موقف بلده من القضية السورية فهذا يعني بالتأكيد أن سيناريوهات جديدة على وشك أن تتولد لإعادة ترابط وتشابك القضايا والعلاقات العربية.
إن المنطقة العربية تتشكل سياسيا من جديد ويبدو أن الأخوان والأحزاب التي تتدثر بعباءتهم يتصدرون المشهد السياسي بامتيازلا سيما في بلدان الربيع العربي وهم الان في قمة النشوة حيث طعم النصر في مصرلا يقارن بغيره ولكن ايضا لا بد أنهم يحسون ثقل المسئولية الملقاة على عاتقهم فإن انسلخوا من جلدهم أو حافظوا على ثوبهم في كل الحالات سترمى العقبات في طريقهم.
الرئيس المصري الجديد –كان الله في عونه- يواجه كومة من الملفات الداخلية والخارجية وهو بذات الوقت يحمل مشروعا نهضويا واعدا لكنه يحتاج مساعدة الجميع وما انتهت إليه نتائج الانتخابات يثير التفاؤل بان الجميع بما فيهم العسكر يسعون للخروج من الوضع الحالي إلى وضع يضع مصر في مكانتها الصحيحة.
مع الغرب وأمريكا لن تبقى العلاقة مرهونة بمساعدات مشروطة لا يستفيد منها الشعب بل يمكن أن تحكم بكرامة مصر وخيارات شعبها وكم خجل المصريون من نظامهم السابق عندما كان يتحدث بابتذال عن حسابات اقتصادية وعن إطعام الشعب مع انه أجاع الناس وأطاح بكرامتهم ولا بد للغرب بدوره أن يغير قواعد اللعبة إن أراد أن يحافظ على مصالحه ولا يمكن له أن يراهن على المتاجرة بعرابين او حكام منبوذين دون اعتبار لموقف الشعوب وعليهم أن يدركوا وعي شعوبنا واستعدادها لمد يد التعاون القائم على الندية والاحترام المتبادل ويمكن أن تتسامح مع الغرب الذي طالما باع الشعوب بالمصالح.
اليوم قد تتشكل علاقات الإقليم تبعا لما يسفر عنه الموقف في الساحة السورية فالنظام هناك على وشك أن تخار قواه ووجبة القتل اليومية لم تعد تحتمل وبالتالي فان زلزالا سيضرب خطوط العلاقات العربية-العربية والعربية-الإقليمية في كل الاتجاهات فإذا ما تطور الموقف الإيراني من متاجرة بنظام ساقط-لا محالة- وتقاربت مع جيرانها في الخليج وسعت إلى تقارب مع النظام الجديد في مصر فان منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي سيقل إلى أدنى درجة فهل تفعلها إيران؟ لكن بالمقابل ماذا تستفيد إيران مما قد يفسر على انه تنازلات أحادية الجانب؟
تحقق إيران في هذه الحالة مكسبا كبيرا في ملف علاقاتها مع الغرب بموضوعه النووي وتبني علاقات قائمة على حسن جوار يضمن لها أن تحيد جيرانها في أية مواجهة محتملة مع إسرائيل والغرب ويمكن أن تعيد إسرائيل إلى وضعها الطبيعي والقديم بأنها عدوٌ لشعوب المنطقة من خلال استرجاع مصر لدورها الذي يجعل العرب يستعيدون توازن العلاقات مع إسرائيل ومع الغرب.
السيناريو المحتمل لسقوط النظام السوري قد يحمل في طياته شبيها لما حدث في دول الربيع أي أن أخوان سوريا قد يكونون لاعبا رئيسا هناك برغم غربتهم وتشويههم لثلاثة عقود خلت وهذا يعني انه من الممكن أن تبنى العلاقات المصرية السورية على أسس جديدة وينتهي التوتر السوري التركي ويحدث تقارب تركي إيراني في الملف الكردي ومصري - إيراني في العلاقة مع الغرب وخليجي- إيراني مع الامارات وفي البحرين وبالتالي يستعيد العرب دورهم المفقود وتترتب علاقات الإقليم على اسس ومصالح حيوية.
أي أن العرب بثوراتهم ومشاكلهم ومثلما كانوا دائما أما أن يساهموا بصياغة وجه الإقليم والمنطقة من جديد أو أن خيوط اللعبة ستبقى بيد غيرهم ولن يكونوا أكثر من عرائس راقصة على المسرح وحتى تتضح الصورة في المشهد السوري وتتكشف معالم النهج الجديد في مصر تبقى الصورة خيالا غير محددة الملامح.