أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


حتى وجودنا في وَطننا يُريدون جَعلهُ معادٍ للسامية

بقلم : مروان اميل طوباسي
18-03-2024 07:12 AM

مع أتساع رقعة الغضب الشعبي العالمي وتطور المواقف الرسمية لعدد كبير من الدول بشأن الجرائم المستمرة لدولة الاحتلال ومقاضاتها دوليا من أصدقاء أممين ، بدأت تبرز ظواهر تدني التأييد لإسرائيل وسياساتها وتصاعد الدعوة لأشكال من مقاطعتها، وهو أمر يجب استغلاله والبناء عليه، خاصة بموجب ما يجري الآن بالولايات المتحدة وفي أوروبا حيث من المتوقع أن تناقش دول الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين القادم اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.

وفي مواجهة هذا النهوض التضامني الذي لم يشهد العالم منذ ٧٦ عاما مثيلا له ، تلجأ الحركة الصهيونية من جديد لاثارة متلازمة الاتهامات بمعاداة السامية لكل من يعترض مسار سياساتها وجرائمها. الا ان معاداة السامية ظاهرة أوروبية اساسا، لها مصادرها منذ العصور الوسطى بما فيها من جذور دينية، عرقية واجتماعية اقتصادية تتركز على مسائل استحواذ اليهود على المفاصل المالية والعداء الكلاسيكي المسيحي لليهود.

بعد الحرب العالمية الثانية اختفت مظاهر معاداة السامية في أوروبا حتى أثارت الحركة الصهيونية من جديد هذه المتلازمة، وهي تصر الآن على استخدامها حتى أكثر مما كانت عليه سابقا، وتقمص دور الضحية التي يتوجب على العالم التعاطف معها.

بالنسبة للأوروبيبن، فإن ذلك باعتقادهم يحرر أوروبا من عقدة الذنب، وتبرئ بذلك نفسها من الماضي، ويزيح هذه الظاهرة على حضارة اخرى، على العرب الساميين، ومنهم بالطبع شعبنا الفلسطيني المستهدف من وراء ذلك ، بهدف ضمان الأولوية الاستعمارية 'لحقوق' اليهود في وطن على حسابنا نحن الفلسطينيين، الذين نعيش في أرضنا ووطننا التاريخي منذ العصور القديمة .

وإسرائيل الآن تستخدم أدوات الدول الأوروبية المتاحة أمامها لقمع معارضي سياساتها في أوروبا وحتى بالولايات المتحدة، بحجة أنهم معادين للسامية مما يتسبب في ملاحقتهم قضائيا وفصلهم من اعمالهم وجامعاتهم، ومحاولة منع وقمع مظاهر التضامن مع شعبنا هذه الأيام.

ان الحركة الصهيونية التي تشكل العدو الأول للسامية، لم تتوقف عن اتهام شعوب العالم بعداء اليهود تحت ما أطلقت عليه مصطلح 'العداء للسامية'، وقد حرصت منذ قيام 'إسرائيل' على ارض فلسطين على إلصاق هذه التهمة بالشعوب العربية وخاصة بحق شعبنا الفلسطيني، داعية اليهود العرب للهجرة إلى فلسطين بدعوى أن العرب ارتكبوا جرائم ومجازر ضد الأقلية اليهودية في الدول العربية، علما انها في واقع الأمر نفذتها الحركة الصهيونية ضد اليهود هناك .

ان اليهود الأوروبيين الذين اخترعوا مصطلح معاداة السامية لا ينتمون إلى الساميين أصلاً ، بل هم أوروبيون يعيشون في أوروبا منذ عام ٧٠م بعد أن طرد الرومان اليهود من فلسطين، وشتتوهم في كل بلاد العالم فيما بات يعرف بالشتات اليهودي العام .

ان التعريفات العملية التي قدمها بالسنوات الأخيرة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لاحقا لإعلان هذا التحالف عام ١٩٩٨ تشير بوضوح الى أن أي استهداف لإسرائيل أو 'الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري '، يمكن أن يكون بحد ذاته عنصريا ومعاديا للسامية.

لم نشهد قط في التاريخ السياسي الحديث مثل هذه المحاولة لتغيير وتشويه معنى الكلمات لخدمة نوايا قوة محتلة، حيث ان اعتماد تعريف عمل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) ومعاداة السامية يمنح الإسرائيليين حصانة قانونية مطلقة لمواصلة انتهاكاتهم للقانون الدولي والإنساني ، حيث تجاهل هذا التعريف تماما جميع قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة ، وكذلك مبادئ حرية التعبير عن الرأي ، وهو ما عَمل العنصريان ترامب وكوشنير سابقا على الدفع باتجاه صياغته واقراره خلال وجودهم بالإدارة الأمريكية التي قد يعودان لها في نوفمبر القادم .

إن انتقاد السياسة الإسرائيلية المتمثلة بالإرهاب والتطهير العرقي والقتل والابادة الجماعية والتهجير الجماعي والفصل العنصري، التي توصف وفق القوانين الدولية بجرائم مختلفة العناوين، لا تشكل هجوما على اليهودية - وهي معتقد ديني نحترمه مثل أي دين آخر ولا يمكن اعتباره عملًا عنصريا- لأننا بالمثل نُدين داعش وقوى الإسلام السياسي المتطرفة التي لا تمت للأسلام الحنيف بصلة، وكذلك القوى السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية الأخرى في أوروبا، التي أصبحت تتحدث اليوم عن 'مسيحية أوروبية' عنصرية تجاه أصول اثنية ودينية اخرى في آليات تعاملها مع القضايا العالمية الناشئة وتحديداً مع قضايا المهاجرين على أثر الحروب حول العالم، والمساهمة في تعزيز مفهوم 'الاسلاموفوبيا' بين الشعوب الأوروبية.

والمفارقة اليوم ان اليمين الاوروبي المتطرف، ومن يسمون أنفسهم بالنازين الجدد وخاصة في ألمانيا والنمسا واوكرانيا وهولندا والتشيك وهنغاريا واليونان والمجر وبريطانيا وغيرها من الدول، والذين يحظون بمساعدة ودعم الحركة المسيحية الصهيونية بالولايات المتحدة يتخذون موقفا مؤيدا للحركة الصهيونية، وتأكيد الدعم المطلق لدولة الأحتلال الإسرائيلي لصد الاتهامات عنها بالعنصرية والابرتهايد والفوقية الدينية، وكذلك الابادة الجماعية تحت ذريعة الدفاع عن النفس وحقوق اليهود المستضعفين. وهو ما قد يفسر التعاون القديم بين الصهاينة والنازيين الذي تَرسخ في عام ١٩٣٣ من خلال توقيع اتفاقية 'هاعافارا' بين الحركة الصهيونية العالمية والرايخ الثالث النازي، لتسهيل هجرة اليهود الألمان والأوروبيين الأستيطانية إلى أرض فلسطين مقابل الأستحواذ على أموال الالمان اليهود الأغنياء، لأن الفقراء منهم قد كانوا ضحية جرائم الهولوكست النازية ، والتي يتعرض شعبنا في غزة اليوم لمثيلاتها، بل ولأبشع منها وفق شهادات بعض اليهود والأوروبيين الناجين من جرائم الهولوكست .

رغم ادانتنا نحن لهذه الجرائم عبر التاريخ ، فإن الادعاء الصهيوني باحتكار السامية ومصطلح الهولوكست ادعاء تدحضه وقائع الأحداث السياسية التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية، من انتصار الجيش الأحمر وبطولات حركات المقاومة الشعبية في أوروبا ، وسقوط ضحايا بعشرات الملايين من البشر الذين استهدفهم الوحش النازي من غير اليهود خلال المجازر والهولوكست بحق شعوب اوروبا الأخرى الغير سامية وفق مفهوم التاريخ السياسي والاجتماعي للشعوب .

ان التوجه المستمر والمتزايد للحركة الصهيونية حول العالم، يهدف اولاً تزييف وقائع التاريخ وطمس الوقائع وتجاهل الحديث عن المؤامرات الصهيونية النازية التي رافقت التعاطي مع المسألة اليهودية في أوروبا، والأصرار على عدم حلها بتلك المجتمعاتو بهدف تسويق الفكرة المزعومة عن ' الشعب اليهودي ' بصبغتها القومية الدينية لخلق 'الوطن القومي' لهم ، وثانيا من أجل استمرار تسويق فكرة معاداة السامية المتمثلة باضطهاد اليهود دون اتباع الديانات الأخرى كاساس لمعاداة السامية، وإبقاء اليهود ضحية مستدامة أمام العالم لحصد التعاطف السياسي مع دولة الاحتلال، الذي ترغب به الحركة الصهيونية على حساب استمرار اضطهاد شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية التاريخية السياسية، وصولا إلى ما يجري اليوم من جريمة ابادة جماعية ، واقتصار ذلك على يهود العالم، وفق اعتبارهم الخاطئ والمتعمد 'كشعب' الذي لا تنطبق عليه معايير الشعوب وفق المواثيق الدولية وتعريفاتها .

لقد استولى اليهود الصهاينة على أحداث في التاريخ اليهودي ، بما في ذلك احداث الهولوكست النازي، واستغلوها لأغراض دعائية لتأكيد حقهم المزعوم في فلسطين التي اعتبروها ارضا بلا شعب. وهي أرض زرعوا فيها مطالبهم الاستعمارية قبل أحداث جريمة الهولوكست ضد الأوروبين على يد النازييين .

وهذا ما يتم مع العديد من القادة السياسين اليساريين والتقدميين والقوى المتضامنة مع شعبنا الفلسطيني حول العالم ، بتوجيه تهمة معاداة السامية لهم عند اعلانهم تضامنهم مع قضايا شعبنا الفلسطيني ورفضهم لسياسات إسرائيل بهدف إثارة الضجة حولهم، وهو ما يشكل جوهر استغلال متلازمة معاداة السامية، وما يشكل محور ابتزازاتهم من الغرب والأوروبيين على وجه التحديد، إلى درجة يريدون فيها اعتبار مجرد وجود شعبنا فوق أرضه عملاً معادياً للسامية، ما يوجب على الغرب الإقرار به.

هذا جانب آخر من صراعنا مع الحركة الصهيونية، والذي يتوجب مواجهته وفضحه والعمل على إظهار حقائقه، من خلال التنسيق مع القوى الديمقراطية والتقدمية باوروبا والولايات المتحدة التي اصبحت كما مستهدفة إلى جانبنا وفق هذه المتلازمة العنصرية التي ستتسع في حال اخفاقنا في مواجهتها على كل المستويات، ضمن دور وواجب حركتنا الوطنية وإظهار سرديتنا التاريخية مقابل مشروعهم الاحلالي الاستعماري .

القدس المقدسية

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012