أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


مصير المسلمين الأندلسيين بعد سقوط غرناطة عام 1492

بقلم : أ.د. محمد عبده حتامله
23-03-2024 11:55 PM

تم في الخامس والعشرين من تشرين الثاني لسنة إحدى وتسعين وأربعمائة وألف للميلاد، توقيع اتفاقيتين بين مسلمي الأندلس والقشتاليين، وذلك في المعسكر الملكي بمرج غرناطة، وقد شكلت هاتان الاتفاقيتان معاهدة تسليم غرناطة.
وكانت الاتفاقية الأولى علنية، وقد عالجت بنودها السبعة والأربعون كيفية تسليم مدينة غرناطة للقشتاليين، وتناولت حقوق الطرفين وواجباتهما.
أما الاتفاقية الثانية فقد كانت سرية، وظلت فترة طويلة طي الكتمان. وهي تنحصر في ستة عشر بنداً تتضمن الحقوق والواجبات والامتيازات التي منحت لأبي عبد الله الصغير، ملك غرناطة، وأفراد أسرته وحاشيته.
وهذه المعاهدة باتفاقيتها: العلنية والسرية، يظن من ينظر إلى بنودها نظرة سريعة أنها متكافئة وتحافظ على حقوق الطرفين، ولكن المتمعن الفاحص الذي يقرأ ما بين السطور، ويربط ما بين تلك البنود والظروف التي كانت سائدة على الأرض، يكتشف مدى الإحجاف الذي لحق بمسلمي الأندلس، فقد أخذ القشتاليون -من خلال هذه المعاهدة- كل ما تمنوا أخذه، وحققوا جميع أمنياتهم وخاصة السيطرة على الأرض، في حين لم يحصل مسملو الأندلس إلا على حزمة من الوعود التي سرعان ما نكثها القشتاليون، وتحللوا من الإلتزام بأي منها.
لقد ألحقت معاهدة تسليم غرناطة بالمسلمين أذى شديداً، فقد نصت المعاهدة علي أن يقدم ملك غرناطة ووجهاء المدينة للجانب القشتالي قبل موعد التسليم رهينة من أبناء علية القوم، وذلك لضمان عملية التسليم،ونصت المعاهدة أيضاً على تحديد أماكن آمنة يتم الدخول إلى المدينة عبرها، وهي: باب العشار، وباب نجدة، والحقول الخارجية. وعلى أن يتم تجنب الدخول من وسط المدينة حيث الكثافة السكانية الكبيرة، والأسوار العالية، والحصون المنيعة، ونصت المعاهدة كذلك على السماح لمسلمي الأندلس بالاحتفاظ بأسلحتهم الشخصية فقط، أما الذخائر والأسلحة الهجومية فيجب أن يسلموها إلى القشتاليين، مما يدل على أن الإسبان كانوا يبيتون الشر، ويخططون لإجهاض أي محاولة قد يفكر بها المسملون للثورة عليهم، يضاف إلى ذلك أن تجريد المقاتل من سلاحه سيحبطه، ويدفعه إلى الانزواء والبحث عن أنماط جديدة للحياة، مما يحقق للطرف القوي سيطرة كاملة على الأرض، ويقتل الأمل باستعادتها.
ولم يقتصر الأمر على ماتقدم، فقد انطوت المعاهدة على كثير من الخبث، حيث نصت بنودها صراحة على أنه يحق لمسلمي الأندلس العيش والإقامة هناك بحرية تامة دون اضطهاد أو تمييز، ولكنها نصت في الوقت نفسه على السماح لهم بالهجرة إلى أرض المغرب.
وأما الأسرى فقد تطرقت إليهم المعاهدة في أكثر من بند، ولم يحاول الجانب القشتالي إخفاء تحيزه واستهتاره بالمسلمين في هذا المجال كما فعل في المجالات الأخرى، فقد فرضت المعاهدة على المسلمين إطلاق سراح الأسرى النصارى الذين هم في حوزتهم طواعية، ودون أي فدية وذلك حين تسليم المدينة، في حين يتم الإفراج عن الأسرى المسلمين خلال فترة تتراوح بين خمسة أشهر وثمانية أشهر.
لقد عانى مسلمو الأندلس الذين عرفوا منذ هذا التاريخ باسم الموريسكيين في ظل تلك الأوضاع الصعبة الكثير الكثير، حيث فرضت عليهم الضرائب الباهظة، وحددت أماكن إقامتهم حتى يسهل القضاء عليهم بسهولة إذا ما فكروا بالثورة أو الانتفاضة، ومن هنا بدأت رحلة التعذيب والبطش والموت لكل من أراد أن يستمر على دينه الإسلامي.
ومما ساعد على اشتداد حمى الاضطهاد الدينى ضد المسلمين تعصب إيزابيلا، وذلك لصلتها برجال الدين، فقد شجع ذلك رجال الكنيسة على المضي قدماً في عمليات التنصير القسري للمسلمين.
* أستاذ شرف- الجامعة الأردنية
الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012