|
|
الرصيف ..
بقلم : د.رشيد عباس
05-04-2024 12:33 AM
مفهوم البعض منا عن الرصيف بشكل عام سلبي وثابت لا يتغير, حيث أن هؤلاء الثابتين على هذا الاعتقاد يعتقدن أن السائرين على الأرصفة هم اقل مكانة من السائرين على الطرق العامة, ربما تكون مشكلة هؤلاء تتمثل في (النقص) الزائد الذي خرج عن المألوف, وباتت عندهم حالة مرضية عن حالة الأرصفة يصعب معها التعافي والتخلص منها, في الوقت نفسه نرى أن كثيرا من قادة عسكريين رسموا خططهم من على الأرصفة المتهالكة, وكثيرا من الأدباء الكبار كتبوا رواياتهم العالمية من على حواف الأرصفة, وكثيرا من كبار التجّار انطلقوا بتجارتهم من على بسطات وصناديق الأرصفة. أعتقد جازماً أن (التأمل العميق) يأخذه الجالسون أو ربما السائرون ببطء على مثل هذه الأرصفة, وأن الماضين على الطرق العامة لا ينالون نعمة التأمل العميق والذي يحتاجه الإنسان بين الفينة والاخرى, وذلك لانهماك هؤلاء في الوصول إلى ما رسموه في عقولهم المادية والهوائية قصيرة المدى.
يعتقد البعض منا أن النائمين على الأرصفة في وضح النهار لا يحلمون, ويعتقد البعض الآخر انهم في سبات عميق, لا.. لا.. هؤلاء يحلمون مثلنا أو ربما ليس لأحلامهم نهاية كما لأحلامنا نحنُ نهاية, وليسوا نائمين كما ننام نحنُ, هؤلاء في حالة من الاستراحة يقطفون من خلالها ثمار ما سكبته لهم اشجار الأرصفة المنحنية من أجلهم. والشيء بالشيء يذكر, فبعد أن تمكن العلماء من تخطيط الدماغ البشري منذُ زمن بعيد, تبيّن لهم جلياً أن هناك طرقا عامة وأرصفة للدماغ البشري في غاية الدقة والحساسية, وأن مستخدمي (أرصفة) الدماغ أكثر ذكاءً من مستخدمي طرق الدماغ العامة في التفكير والتحليل والربط, وأن علماء الذكاء الاصطناعي استعانوا بعلماء النفس لدراسة سلوك وتصرفات السائرون على الأرصفة من الناس البسطاء, وذلك من اجل تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي موضع اهتمام العالم اليوم, وما (الطائرات المسيّرة) اليوم والتي تُبرمج لتسير في رصيف خاص بها في الفضاء, إلا تطبيق عملي لبعض سلوك الأفراد السائرون باستمرار على الأرصفة.. ولنا في السائرين على الأرصفة أكثر من حكاية وحكاية, لعلنا نفهم من أين نبدأ. لا اعتقد أن كل من جلس على الأرصفة متسول, فربما يكون جلوس هؤلاء على مثل هذه الأرصفة لقراءة ما في عيون المارة من قصص وحكايات ومآسي مستأصلة فيهم, كيف لا ولدينا قناعة مطلقة أن الأثرياء والأغنياء وربما المتكبرون منهم قلما يسيروا أو يجلسوا على الأرصفة وحوافها الجارحة. وبعد.. لكل مدينة من مدن العالم أرصفتها الخاصة بها, وتمثلُ هذا الأرصفة حالة اجتماعية بالغة التعقيد, والمقاربة الجميلة هنا أن هذا الأرصفة بشكل عام تعكس الطبقة الوسطى والدنيا من المجتمع فقط, وتغيب عنها الطبقة العليا, من هنا لا بد للدولة أية دولة كانت من دراسة واقع أرصفتها دراسة جيدة عند بناء برامجها التنموية.
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|