بقلم : إياد حماد
08-07-2012 09:39 AM
قدمت قناة الجزيرة برنامجاً وثائقياً أكدت من خلاله بأن السبب الرئيس لوفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان هو التسمم بمادة البولونيوم المشعة وقد بينت القناة أنها استعانة للوصول إلى هذه النتيجة بخبراء من سويسرا حيث قاموا بتحاليل مخبرية على ملابس عرفات وبقايا من شعر الرئيس الراحل وقد كانت نتيجة هذه الفحوصات التأكيد بأن عرفات مات مسموماً
لكن اللافت للنظر أن الجزيرة عملت على إظهار هذا الأمر على إنه إحدى الاكتشافات الحصرية بقناة الجزيرة وأخذت تركز على هذا الخبر في تغطيتها الإعلامية عبر نشرات الأخبار المتعاقبة وكأنه سبق صحفي للجزيرة متجاهلة بأن المهنية الصحفية كانت توجب على القناة أن تكشف بأن خبر وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات بمادة البولونيوم المشعة كان متداولاً في الأوساط الصحفية منذ عام 2007 حيث نشرت القدس برس في نفس العام تحقيقاً صحفياً أكدت فيه على موت عرفات من خلال مادة البولونيوم
وعلى هذا فإذا كان خبر وفاة ياسر عرفات بمادة البولونيوم المشعة متداول منذ 2007 فلماذا لم تقم سهى الطويل زوجة ياسر عرفات وقتها بالمطالبة بالتحقيق حول ما نشرته القدس برس ؟ ولماذا لم تقم قناة الجزيرة وقتها بالتغطية الإعلامية للخبر ؟
من المؤسف بأن الكثير من الناس يتلقى المعلومة دون أن يتأكد منها فالجزيرة لم تقدم سبقاً صحفياً بل أعادت انتاج مادة صحفية من خلال برنامج يعرض على شاشات الفضائيات وبالطبع فإن على المتلقي أن يستخدم عقله فيما يعرض حتى لا يضلل ولذلك سأعرض بعض الملاحظات على البرنامج الوثائقي
أولاً : وجود مادة البولونيوم المشعة في ملابس عرفات وبعض المتعلقات الشخصية الخاصة به :
كشف البرنامج الوثائقي وجود مادة البولونيوم المشعة في ملابس عرفات وبعض أمتعته لكن هناك حقيقة علمية وهي أن عمر النصف لمادة البولونيوم المشعة يقارب 138 يوم أي بعد مرور 138 ينخفض عدد الذرات المشعة إلى النصف أي كل 138 يوم تفقد المادة المشعة نصف الكمية المشعة إلى أن تفقد المادة الذرات المشعة وبالطبع هناك مواد مشعة تحتاج إلى ملايين السنين لتفقد نصف الذرات المشعة لديها كون أن عمر النصف لها كذلك لكن مادة البولونيوم عمر النصف لها قصير
لذا هل يعقل أن تبقى إلى الآن بقايا إشعاعية لعينة من البولونيوم _ يجب أن تكون بطبيعة الحال غاية في الصغر _ وذلك بعد مرور ما يزيد عن سبع سنوات علماً بأن عمر النصف لمادة البولونيوم هو 138 يوم ؟
أي بعبارة أوضح فإن مادة البولونيوم تتحلل كل 138 يوم إلى النصف فإن كان لدينا غرام واحد منها فإنه بعد 138 يوم يتحلل ليبقى نصف غرام فقط وهذا يشكك في صحة وجود مادة البولونيوم في ملابس عرفات أو شعره لا سيما بعد مرور أكثر من سبع سنوات
كما أن هناك إشكالية وهي إن كانت ملابس عرفات تحوي مادة مشعة فلماذا لم تتسمم سهى الطويل فالملابس بحوزتها فترة تجعل فرضية تسممها بالمادة ذات احتمالية كبيرة فلماذا لم يحصل ذلك ؟ بالتأكيد أنا لا أنكر وفاة الرئيس الفلسطيني السابق بالسم ولا أنكر بأن لإسرائيل الدور في ذلك لكن لكي يتم أثبات ذلك فإننا بحاجة إلى أدلة جنائية دامغة وليس إلى مثل هذه الأدلة الواهية
ثانياً : المطالبة بإخراج ياسر عرفات من قبره :
لا شك بأن المشاهد العربي سمع سهى الطويل وهي تطالب بإخراج جثة ياسر عرفات لفحصها ولنا أن نسأل لماذا هذا ما دام أن البرنامج الوثائقي أكد بأن الخبراء تمكنوا من إثبات وجود البولونيوم المشع في ملابس ياسر عرفات وشعره ؟
فمن المعلوم في علم الطب الجنائي أو ما يسمى بالطب الشرعي بأن أفضل العينات لفحص السموم والمعادن هي خصل الشعر وفي هذه الحالة لدينا شعر لياسر عرفات يمكن من خلالها فحص السموم بعد التأكد من أن هذا الشعر لياسر عرفات من خلال فحص DNA وقناة الجزيرة تقول أن الخبراء اثبتوا وجود مادة البولونيوم المشعة في شعر عرفات لذا ما الحاجة إلى إخراج الجثة فالشعر دليل قاطع وهو كاف
وبالطبع فإن الجزيرة لم تغفل الجانب الديني فقدمت القناة فتوى للدكتور القرضاوي تبيح إخراج الميت من قبره لكن من المؤكد بأن إخراج الميت من قبره جائز عند الضرورة وحيث المصلحة وفي هذه الحالة ما دام أن هناك شعر وتم أثبات المراد حسب ما ذكرت الجزيرة فبأي وجه شرعي يجوز إخراج ياسر عرفات من قبره ؟
ثالثاً : المطالبة بالتحقيق الدولي في قتل ياسر عرفات :
يكاد يكون هناك إجماع على أن إسرائيل هي المسؤولة عن اغتيال ياسر عرفات لكن فيما يتعلق بالتحقيق الدولي فهناك عقبات كثيرة أمام السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بذلك وهي عقبات سياسية ومالية وقد تحول دون حصول التحقيق الدولي ولذلك لا بد من مساعدة الدول العربية في ذلك
ففي السابق تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على عملية الرصاص المصبوب التي شنتها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة فتم رفض الشكوى بدعوى أن فلسطين ليست دولة عضو في الأمم المتحدة كما أنها غير موقعة على ميثاق روما وعلى كل حال لماذا لم تتحرك الدول العربية الموقعة على ميثاق روما لمحاسبة إسرائيل على جرائم واضحة ضد الإنسانية في قطاع غزة فنحن إن كان قصدنا محاسبة إسرائيل فلماذا نترك الوسائل القوية ونتمسك بوسائل ضعيفة ؟
وإذا كانت قناة الجزيرة ومن وراءها المحرك لها وهو بالتأكيد الحكومة القطرية تريد محاكمة إسرائيل فلتقم دولة قطر برفع دعوى ضد إسرائيل فيما يتعلق بجرائم الاحتلال في قطاع غزة حيث أن دولة قطر دولة عضو في الأمم المتحدة وموقعة على ميثاق روما فهذا أفضل من توظيف سهى الطويل للمتاجرة بدماء ياسر عرفات كما أن أثر هذه الشكوى سيكون بطبيعة الحال أعظم أثراً من التحقيق في موت عرفات نظراً لصعوبة اثبات ذلك بالأدلة الدامغة وبالتأكيد لا يكفي لذلك اعتراف جاسوس ما بأنه وضع السم لعرفات فهذا ليس بدليل دامغ ولا يكفي لإدانة إسرائيل
إن التحقيق في موت ياسر عرفات ليس سهلاً وقد يستغرق لسنوات دون أن نصل إلى أدلة دامغة ضد الفاعل الحقيقي وهو وإن كان إسرائيل لكن علينا أن نعلم بأن مدة احتضان الجسم لمادة البولونيوم قد تصل من 30 يوم إلى 50 يوم وهذا يعني بأن ياسر عرفات ظهرت عليه أعراض المرض بعد أسابيع من تسميمه مع العلم بأن ياسر عرفات كان يستقبل الوفود في المقاطعة وهذا يجعل كل من اتصل بعرفات قبل ظهور أعراض المرض بشهر على الأقل مشتبه به وهذا يتطلب معرفة كل من اتصل به في تلك الفترة ثم التحقيق معهم وبلا شك أن هذا الأمر غاية في الصعوبة فمن دس السم قد يكون فلسطينياً وقد يكون من أحد الوفود التي كانت تزور المقاطعة وقد يكون صحفياً وهذه الاحتمالات تجعل من التحقيق مهمة في غاية التعقيد ...