بقلم : منصور محمد هزايمه
15-07-2012 10:33 AM
الحديث في هذه العلاقة شائك يعكس تماماً تاريخاً شائكاً لطبيعة هذه العلاقة التي كانت على الدوام في حالة مد وجزر ولم تكن هذه العلاقة في يوم من الايام بعيدة عن الريبة والشك من كلا الطرفين ومن ثم تشعبت الى شقين داخلي يبدو الاصعب في فهم هذه العلاقة وآخر خارجي كان عنوانه الدائم هو التزاحم والتنافس على قضية التمثيل الفلسطيني .
مرت هذه العلاقة في العديد من المراحل التي كان يغلب عليها الأزمات وبقي التداخل ينقل الطرفين من أزمة الى أخرى ولم تنتهي مرحلة بالفصل في هذه العلاقة أو العمل على فصل التشابك بين الطرفين بل ازداد تعقيداً مع الزمن وكانت هذه العلاقة أيضا تبدو في الجانب الرسمي مبنية على تنافس وصل حد الصراع في بعض المحطات في الوقت الذي كان فيه البعد الشعبي بعيداً عن هذه التناقضات لكن الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من الوطن الفلسطيني وضع الطرفين في مأزق ما زال قائما حتى الان وفاقم الازمة خاصة في الشق الداخلي من هذه العلاقة.
العلاقة في بعدها الداخلي أي التي تتمحور حول فلسطينيين في الاردن أو فلسطيني الاردن أو الأردنيين من اصل فلسطيني أو الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاردنية حملت في طياتها بذور كل ما هو سلبي فقد كانت النظرة المتبادلة يعتريها الخوف والشك وكان كل طرف يدعي تغول الآخر في هذه العلاقة ففي البداية كان الجانب الرسمي الفلسطيني يسعى لإبراز الهوية ويبحث عن القرار المستقل ويرنو للتمثيل الشرعي والوحيد للفلسطينيين أينما وجدوا بما فيهم الكتلة الاكبر في الاردن وطبعا كان ذلك في مقابلة ما اعتبر محاولات أردنية للسيطرة على الأرض والشعب والقرار واليوم يبدو أن الخوف انتقل الى الجانب الاردني من سيطرة فلسطينية بسبب الديمغرافيا التي كان يرسم لها ان تكون قنبلة موقوتة في وجه المحتل الإسرائيلي لتصبح اليوم لغما في وجه الأردنيين بل ان إسرائيل ومنذ احتلال الضفة الغربية روجت لهذه الديمغرافيا في الاردن على اعتبار أنها في حلٍ من أي التزامات تجاه الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه.
الحديث في هذه العلاقة كان في أغلب الاحيان عاطفيا ودائما كان عن تميز هذه العلاقة ويرفع شعار الوحدة الوطنية كلما تطرق اليها أي أن الوحدة الفلسطينية الاردنية بدت وكأنه مسلم بها على الأرض الأردنية وبنفس الوقت كان الشك يغلف هذه العلاقة لكن البعض اعتبر الحديث عن هذا التميز سلبياً وطالب البت نهائياً في القضايا الشائكة كي لا تعطى فرصة للمحتل أن يتغول في حقوق الطرفين بل أن ضيوف الاردن من سكان الضفة كانوا الأوضح في الحديث في هذه العلاقة عندما كانوا يتحدثون علنا عن ضرورة ابراز الهوية الفلسطينية وعدم دمج الفلسطينيين نهائياً في الحياة او الهوية الاردنية لكن الواقع اليوم يقول ان هناك شرخا بين الطرفين على الارض الاردنية بالذات فلا الفلسطينيون تأردنوا ولا الأردنيون سلموا بأردنة الضيوف حتى من الناحية القانونية.
أي ان فلسطيني الاردن أو (الأردنيين من اصل فلسطيني) وبعد 64 عاما كانوا وما زالوا اساس الخلاف وموضوعه لم تتحدد هويتهم نهائيا عند الطرفين ففي الوقت الذي يبدو فيه الموقف الرسمي الاردني تجاههم ضبابياً وهذا جعلهم ايضا من الناحية الشعبية الاردنية غير محسومي الهوية او الجنسية كان الطرف الرسمي الاخر يحتار كيف يصنفهم ومن الناحية الشعبية الفلسطينية كانوا موضع اتهام بأنهم اردنيون تخلو عن فلسطينيتهم أما هم أنفسهم فيبدو أنهم تصرفوا حسب ما يتوقع منهم فلا بأس أن يكونوا فلسطينيين او أردنيين حسب ما يقتضيه الحال ويظهر ذلك جلياً عندما يعيشون في الخارج.
ربما تتمثل أبرز محطات هذه العلاقة كما اراها في اربعة مواقف تاريخية مهمة عكست اوجه التقارب او التباعد بين الطرفين :
24 نيسان 1950 تاريخ الوحدة بن الضفتين كان ومازال هذا التاريخ وموضوعه مثار جدل حول دستوريتها او عدمه علما بان هذه الوحدة التي استمرت 15 عاما لم يعترف بها أحد وبقيت الضفة بيد الاردن على اعتبار أنها وديعة مستردة ولم تكن هناك إرادة شعبية للطرفين فيها.
21اذار 1968 وقعت معركة الكرامة بين الجيش الاردني والجيش الإسرائيلي وكانت اول نصر اردني وعربي لم تحقق فيه إسرائيل أي من اهدافها ليستثمر الطرف الاخر هذا الانتصار ويجيره في حسابه علماً بأن مشاركة قوات فلسطينية فيها بقيت مثار خلاف بين من اكدها و من نفاها مطلقاً وهذا اثار حنقاً بين الطرفين.
ايلول 1970 وصل الخلاف حد التصادم المسلح ومع أن الاحداث لم تظهر على أنها حرب أهلية أو حرب أردنية فلسطينية نسبة الى التداخل بين قوات واجهزة الطرفين الا أن النتيجة النهائية أظهرت انتصاراً للدولة الاردنية نظاماً وحكومةً وشعبا على فصائل فلسطينية بدت مهزومة فكرياً وداخلياً قبل أن تنهزم امام الطرف الآخر.
31 آب 1988 كان أهم تاريخ لمحاولة فض الاشتباك في العلاقة بين الطرفين حيث اتخذ الملك الراحل قراراً بفك العلاقة القانونية والادارية مع الضفة الغربية وما زال هذا القرار باسمه ومضمونه مثار جدل واسع في مادته الاساسية أيضاً أي فيما يتعلق بالفلسطينيين الذين يعيشون على الارض الاردنية.
طبعا قبل وبين وبعد هذه التواريخ بقيت محاولات الالتقاء او الابتعاد قائمة كما كان في مشروع الاتحاد العربي آذار 1972 الذي سعى فيه الملك الراحل للاندماج ورفض من الطرف الاخر الى اتفاق اخر للتنسيق عام 1985 اتهم فيه الملك المنظمة بعدم الجدية وعدم صدق الكلمة ليتم الالتقاء ثانية في وفد مشترك الى مؤتمر مدريد عام 1991 وينتهي اللقاء بين الطرفين الى افتراق مريب بعدها سعى كل طرف الى حك جلده بظفره.
على مدى نصف قرن من العلاقة بين الطرفين كانت تفسر العلاقة بأطماع اردنية في السيطرة على الجانب الفلسطيني واتهم الاردن بلعب دور غير مقدر من الجانب الآخر واليوم في العهد الملكي الجديد لم تعد هناك أفكار حول أطماع أو سيطرة بل أن هذا النهج استدار الى الشأن الاردني الداخلي اكثر مما سعى وراء ادوار مرفوضة داخلياً وشعبياً.
في الواقع ان المنظمة ومنذ نشأتها عام 1964 أججت الخلافات بين الطرفين وقد استطاعت في البداية أن تكسب مشاعر الناس من خلال شعارات التحرير وتبني عمليات زائفة لتظهر على أنها تحقق انتصارات باتجاهين عسكرية ضد اسرائيل ودبلوماسية على حساب الاردن وصولا الى اعتراف يكاد يكون عالميا بوحدانية التمثيل للفلسطينيين حتى هذا الوقت كان الفلسطينيون بمن فيهم من يعيش على الأرض الأردنية يميلون لجانب منظمة او قل منظمات طالما دغدغت مشاعرهم بالتحرير والعودة الى أن تيقن الجميع أن ذلك أضغاث احلام.
فلسطينيو الاردن اليوم أدركوا أن الحياة في ظل دولة مؤسسات وفي ظل نظام يحظى بالتقدير والاحترام و في ظل أجهزة أمنية قادرة على حفظ النظام وبعد تحقيق مكتسبات ما كانت أن تحصل ولم تتحقق لأقرانهم في دول اخرى أدركوا أن هذا أهم من الجري وراء السراب لذلك صاروا اليوم يرون في مكتسبات ناشئة عن جنسيتهم الاردنية دافعاً قوياً للاعتراف بأردنيتهم بل وسعيهم للواقعية السياسية فلم تعد منظمة او سلطة تعني لهم شيئاً لذلك بدأوا اليوم يركزون على تحقيق المزيد من الحقوق في الساحة الاردنية ليثير من جديد حفيظة الطرف الآخر الذي يصر على أنه استقبل ضيوفا وأن الضيف لا محالة عائد لكن القرار لم يعد للضيف أو المضيف أما النظام فيبدو أن اللعبة تعجبه كثيراً وهو اليوم يبدو كمن يتقلب بين زوجتين إن زعلت واحدة ارضته الثانية لكن هل هذه اللعبة لا حد لها؟