أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


النعيم الذي يفوق نعيم الدنيا والآخرة

بقلم : بكر عبد الحافظ الخليفات
17-07-2012 09:39 AM




قال الله تعالى :
' وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ' سورة القيامة : الآيتان : 22-23.
إن وجه الإنسان هو المرآة التي تنعكس عليها تلك التفاعلات النفسية الخفية التي تدور في خلده وكيانه، وكثيرا من الأحيان ما نستطيع أن نستدل ونحكم وبسهوله على الشخص من خلال قسمات وتعابير ولون وجهه إن كان سعيدا, أو حزينا، راض أو ساخط ... فالإنسان الذي يشعر بالسعادة والهناء، والسرور والرضا، ورغد العيش، نجد أن آثار تلك السعادة وما يتبعها من المشاعر الطيبة قد انعكست على وجهه فأعطته بريقا وإشراقاً، ونعومة ونضرة، وبهجة وابتساما...، وهذه حال وجوه أهل الدنيا وما يقاربه من حال وجوه أهل الجنة.
أما الإنسان الذي ركب الصعب، وثقلت همومه وأحزانه، وكثرت آهاته وويلاته، فهاج قلبه وتلوع، وماج فكره حسرة وجزع، فنرى أن آثار لوعته وحسرته قد انعكست وبدت على وجهه اصفرارا وشحوبا، كآبه وتجهم، وعبوسا وتجعد، اسودادا وكظما... وهذا الحال ما يقارب حال وجوه أهل النار يوم الآخرة.

ووجوه أهل الجنة لما تجده من كرامة وتكريم ومسرات ونعيم هي :
' وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ '
والوجوه الناظرة هي الوجوه المشرقة المضيئة الناعمة، والجميلة الحسنة بحسن وجمال ما تلقاه من نعيم وتكريم. وإذا ما كانت حال وجوه أهل الجنة بهذا الوصف الكريم فإن سائر حالهم هو حال كريم، لان الوجه هو العنوان الذي يستدل به على سائر أحوال الإنسان.
قال تعالى : ' وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاعِمَة * لِسَعيِهَا رَاضِيةُ 'سورة الغاشية : الآيتان : 8-9.
وكيف لا تكون وجوه أهل الجنة ذات حسن وبهجة وإضاءة وإشراقاً ونعومة ونضرة وهي :
' إلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ' ..
وحال النظر إلى وجه الرحمن لا يمكن وصفه ولا يمكن تخيله أو إدراكه أو الإحاطة به.

فكل وصف وكل تخيل مع هذا النعيم العظيم بعيد ومختلف، وكل متعه ولذة أمام متعة ولذة هذا النعيم تذوب وتزول ولا تذكر ... فلا لذة بعد هذه اللذة... ولا نعيم أعظم من هذا النعيم.
وما لنا في وصف هذا النعيم الذي يلف وجوه أهل الجنة من نظرهم إلى وجه الله الكريم، إلا الدخول في دائرة الوصف والمقاربة بما نجده من لذة ونعيم عند مشاهدة ورؤية جمال صنع الخالق وإبداعه في خلقه ومخلوقاته، وآياته في هذا الكون.

إن روح الإنسان في هذه الدنيا لتجد من المتعة واللذة التي تغمرها من تلك اللمحة في الصورة البديعة من بديع صنع الخالق، تراها في هذا الكون، وتجدها مع شروق كل صباح، وفي تلك السحب التي تلف خيوط الشمس عند الغروب، وفي نور البدر المتلألئ الذي يخترق ظلمات الليلة الظلماء، وفي الأثير المسطر بألوان طيف قوس قزح، وفي أمواج البحر المتطاولة والمتموجة، وفي صفوف خضرة الأشجار المرتبة والمبعثرة، أو في قلب الأم النبيل وحنانها الكبير، أو في الصبر الجميل والإيمان اليقين، أو في الكرم الأصيل والإيثار النبيل، فيغمر تلك الروح روح النشوة والمتعة، والسمو والرفعة، والسعادة واللذة التي لا تعدلها لذة، لتنسى معها ولو لفترة من الفترات أو للحظة من اللحظات لسعات الهم والألم، فتسوح في عوالم الحب والنور، وتتفتح لها أبواب الأمل في حجيرات قلبها المتعب والأسير لرتابة الروتين وطول بقاء الأنين.
والماء البارد الزلال مع نسمة الهواء العليل في اليوم الحار الشديد، يفيض على القلب بنسمات السعادة والسرور.

وتلك الزهرة الندية التي أتت عليها النظرة فتبعتها البسمة، فحنت وتاقت إليها النفس ورقت، وامتدت إليها اليد فقطفتها واشتمت رائحة عبيرها الأخاذ، إنما هي من صنع المبدع الخلاق.
وكيف لو جاءت تلك النظرة لا إلى جمال صنع الخالق ولكن إلى جمال ذات الخالق !! ؟

اخرج مسلم والترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ...
واخرج الآجري، والبيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى : ' وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ' قال : حسنه.
' إلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ' .. قال : نظرت إلى الخالق.
واخرج البزار والطبراني، وأبو يعلي، والآجري ، وابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' أتاني جبريل وفي يده مرآه بيضاء، فيها نكته سوداء. فقلت : ما هذه يا جبريل ؟
قال : هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك لتكون عيدا، ولقومك من بعدك.
قال : ما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها خير، قلت : ما هذه النكتة السوداء فيها ؟
قال : هذه الساعة تقوم يوم الجمعة، وهو سيد الأيام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد.
قلت : لم تدعونه يوم المزيد ؟
قال : إن ربك اتخذ في الجنة واديا من مسك ابيض. فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب , ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها , ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب، فيتجلى لهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول : أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي، فاسألوني، فيسألون الرضى . فيقول عز وجل : رضائي أحلكم داري , وأنالكم كرامتي , فاسألوني , فيسألوه حتى تنتهي رغبتهم.

فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة.

ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه، ويصعد معه الشهداء والصديقون. ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم دره بيضاء لا وصم فيها ولا قصم، أو ياقوته حمراء وزبرجده خضراء منها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها , متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجهـــا وخدمها، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فيه نظراً إلى وجهه تبارك وتعالى، ولذلك دعي يوم المزيد'.
وأخرج أبو نعيم عن علي, رضي الله عنه, قال : إذا سكن أهل الجنة الجنة، أتاهم ملك فيقول : إن الله أمركم أن تزوروه، فيجتمعون، فيأمر الله داود، فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل، ثم توضع مائدة الخلد؟ قالوا : يا رسول الله وما مائدة الخلد ؟ قال : زاوية من زواياها أوسع مما بين المشرق والمغرب، فيطعمون، ثم يسقون، ثم يكسون، فيقولون : لم يبق لنا إلا النظر إلى وجه ربنا عز وجل.
فيتجلى لهم، فيخرون سجداً، فيقال لهم : لستم في دار عمل، إنما أنتم في دار جزاء.

وأخرج الترمذي وابن ماجه عن سعيد بن المسيب انه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة : اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد : أفيها سوق ؟ قال : نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضه، ويجلس أدناهم – وما فيهم من دني – على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن اصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا.
قلت : يا رسول الله، وهل نرى ربنا ؟ قال : نعم، هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ قلنا : لا.
قال كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضره، حتى يقول للرجل منهم : يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم فعلت كذاو كذا ؟
فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول : يا رب أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فبينما هم على ذلك، غشيتهم سحابه من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط.
ويقول ربنا : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة، مما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشترى.
وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا، فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة، فيلقى من هو دونه، وما فيهم دنئ، فيروعه ما يرى من اللباس. فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل له ما هو أحسن منه، وذلك انه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها.

ثم ننصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا فيقلن : مرحباً وأهلاً .. لقد جئت وان بك من الجمال أفضل مما قد فارقتنا عليه..
فيقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا.
واخرج الآجري عن الحسن قال : إن الله ليتجلى لأهل الجنة، فإذا رأوه نسوا نعيم الجنة.
واخرج البيهقي عن الحسن البصري، قال : لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم .
واخرج البيهقي عن الحسن البصري، قال : إن الله خواص من عباده، لو حجبهم في الجنة عن رؤيته، لاستغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار.
وكشف الحجاب لأهل الجنة نعيم عظيم، وحجبه عن الكافرين عذاب مهين، قال تعالى : 'كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون' سورة المطففين : الآية : 15.
واخرج البيهقي عن الأعمش قال : أن اشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تعالى غدوة وعشيه.

والنظر إلى نور وجه الله الكريم لا يثبت معه شيء من مخلوقاته، ولا حتى الأنبياء والرسل، فسيدنا موسى عليه السلام مع لطف الله تعالى فيه وقع مغشيا عليه عندما طلب أن ينظر إلى وجهه الكريم، وبعد أن تجلى الله تعالى للجبل، وكما جاء بقوله تعالى : ' ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ' سورة الأعراف : الآية : 143.

أما كيف يثبت أهل الجنة أمام رؤية هذا النعيم العظيم، وهذا الكمال وهذا النور والجمال ؟ وبأي جارحه ينظرون، فهذا كله حديث لا يخطر على قلب، ولا يصل اليه فكر.



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012