أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025


الحقبة الترامبية .. تحديات أم فرص؟

بقلم : أحمد حمد الحسبان
15-01-2025 09:46 AM

حالة من الترقب تسود المنطقة والعالم وتتعمق على الساحة الأردنية حول أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد حفل تنصيبه. وما إذا كانت تتعلق بالملف الشرق أوسطي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص. أم بملفات أخرى على مستوى العالم.

وكمّ من التساؤلات تطرح على أكثر من صعيد حول ما يفكر به الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، وما إذا كانت أولوياته تتعلق باستكمال ما بدأه في حقبته الرئاسية الأولى، وبخاصة ما يتعلق بـ«صفقة القرن»، بكل ما تحمل من تداعيات تتنكر للحقوق الفلسطينية وتقفز فوق الدور الأردني الذي ترسخ منذ البدايات وحتى آخر اتفاق عربي أبرم مع الاحتلال.

فأيام قليلة تفصلنا عن موعد تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط توقعات بأن ينطلق الرئيس الجديد لتنفيذ أجندة متشددة، أكثر ميلا نحو الانتقام ليس فقط ممن يعتقد أنهم أسهموا في إبعاده عن البيت الأبيض قبل أربع سنوات، وإنما على مستوى العالم كله، ولكن بدرجات متفاوتة، وبما يقترب أو يبتعد عن الدائرة الضيقة التي أحاطت به عندما كان خارج البيت الأبيض ووفقا لمدى التعاطف مع «قضيته».

وبالتوازي، هناك إحساس عام بأن ترامب سيبدأ فترته الرئاسية ـ في العشرين من الشهر الحالي، ببقايا أجندته التي تبناها خلال رئاسته الأولى ولم يسعفه الوقت في استكمال تنفيذها. بما في ذلك وعود قطعها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمن ما اتفق على تسميته «صفقة القرن»، والتي شكلت حزمة من الوعود التي تتقاطع بشكل صارخ مع الحقوق الفلسطينية والمصالح الأردنية، وتتنكر لها. ومنها استهداف الوصاية الهاشمية على المدينة المقدسة، واعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل، ومنح دولة الاحتلال امتيازات وتفويضات تمكنها من التوسع سياسيا وأمنيا وجغرافيا ضمن حدود الضفة الغربية، وفي بعض الطروحات إلى ما يسمى «الوطن البديل»، في إشارة إلى اعتبار الأردن هو الدولة الفلسطينية، وحل المشكلة الفلسطينية على حسابه، وحصر المشكلة في جل عناصرها بالأردن باعتباره هو المستهدف، وأنه سيكون الخاسر فيما إذا نفذت تلك الطروحات المستنكرة أردنيا وعربيا وإلى حد كبير عالميا، وهي الطروحات المرفوضة والمستنكرة أردنيا.

هنا، يمكن تلخيص الموقف بأنه قلق شعبي ورسمي مما يعتقد أنه مشروع للرئيس ترامب في فترة رئاسته الجديدة. ويمتد هذا القلق إلى خارج حدود الدوائر السياسية والأمنية نحو عوامل اقتصادية أبرزها الخشية من ضغوط يمكن أن تمارس على الأردن، قد يكون من بينها وقف المساعدات السنوية التي تمنحها الولايات المتحدة للأردن. وبين هذه وتلك الخشية من ممارسة ضغوط على الأردن لدفعه نحو مواقف تتقاطع مع مصالحه الأساسية.

الجدل الدائر على الساحة يتراوح ما بين التشدد في إبداء التخوفات، وصولا إلى حالة من التشاؤم تجاه المستقبل. وبين التهاون في التشخيص وصولا إلى حالة من التسطيح الذي يفتقد إلى أدنى مستويات المنطق.

فبعض العناصر الجدلية تتنكر لحقيقة أن ترامب سيكون معنيا بكل قضايا العالم الكبرى، ومن بينها الملف الاقتصادي الذي يتصدر اهتماماته أصلا، والوضع الداخلي في الولايات المتحدة بكل تفاصيله، وعلاقات بلاده مع الدول الأخرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وكلها ملفات قد تتقدم على ملفات الشرق الأوسط، أو تتوازى معها في نفس المستوى. كما تتنكر لما صدر عنه من تأكيدات بأنه لن يفتح حروبا في العالم، وإنما سيعمل على إنهاء تلك الحروب.

على المستوى الرسمي، كان جلالة الملك كان قد حسم الملف في أكثر من مرة، سواء برفض أي استهداف للأردن، أو في التأكيد على قدرة الأردن على الدفاع عن نفسه والتمسك بحقوقه كاملة. وآخرها ما أكده في خطاب العرش الذي ألقاه في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة، بأن «الأردن لن يُجازف بمُستقبله».

وهي العبارة التي لخصت موقف الدولة من كافة الجوانب. فمن جهة حملت ـ ضمنا ـ اعترافا بالصعاب التي تحملها حقبة ترامب، وتأكيدا على ضرورة التكيف مع المرحلة دون الإخلال بالثوابت الوطنية وبخاصة ما يتعلق منها بالملفات الساخنة المتعلقة بالموضوع الفلسطيني.

ومع مرور الأيام أكدت تلك العبارة عمق الرؤية الملكية، وأهميتها في التعاطي مع أي مستجدات، لا تتوقف عند حدود الحقبة الترامبية، وإنما فيما يخص ملفات المنطقة ككل. وفي مقدمتها الملف السوري المرتبط بكل تداعيات الملف الفلسطيني، وصولا الى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وغيره من ملفات قد تمتد إلى ساحات أخرى على مستوى المنطقة والعالم. والتي يمكن أن تتحول ـ وفقا للرؤية الملكية ـ إلى فرص يمكن استغلالها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وكذلك في التخفيف من حدة مخرجات بعض الأحداث والتطورات، أو في توظيفها في مجالات مفيدة سياسيا واقتصاديا، وإلى حد كبير أمنيا ليس للأردن فقط، وإنما للملف الفلسطيني وملفات المنطقة.

ولعل في التحرك السياسي والأمني الأردني الشامل في الاتجاه السوري، وضمن ذات السياق في الاتجاه التركي، إضافة الى الاتجاه الخليجي، ما يؤشر على عمق الرؤية للدولة العميقة، والقدرة على مواجهة التحديات أو ـ على الأقل ـ التخفيف من حدتها. خاصة وأن المطروح راهنا يتعلق بإعادة رسم خريطة المنطقة، وفقا لتسريبات يتعمد اليمين الإسرائيلي المتطرف تسريبه من خرائط مزعومة، فندتها الدبلوماسية الأردنية رسميا ورفضتها الفعاليات الشعبية جملة وتفصيلا.

وتلتقي الرؤية الأردنية في الكثير من مخرجاتها مع ما يثار شعبيا من أن الاردن تعامل مع كل الرؤساء الأميركيين، وكافة رؤساء العالم ونجح في الحفاظ على مكانته ودوره البارز في كل ما يعلي الشأن الانساني.

وبالتوازي فإن قدوم ترامب لن يختلف كثيرا عن أي رئيس آخر، مثل بايدن الذي كان اعترف بصهيونيته، وأبدى انحيازا كاملا لإسرائيل، وغطى على جرائمها، وزودها بأسلحة مكنتها من تنفيذ مشاريعها الإجرامية ضد الفلسطينيين، وتنكر لكل الثوابت الدولية خدمة لدولة الاحتلال. وأن الفارق الوحيد الذي يمكن التوقف عنده أن ترامب يختلف عن غيره بأنه واضح في موقفه، وصدامي في سعيه لتحقيق ما يفكر به وما يخطط له سواء ما يتعلق بإسرائيل أو بالملفات الاقتصادية. بينما باقي الرؤساء الذين مروا على البيت الابيض ومنهم بايدن المنتهية ولايته يتعامل مع نفس الطروحات تقريبا بقدر من الصمت وبدون أي ضجيج وضمن اجتهادات ليست مطلقة وإنما محكومة برؤى الدولة العميقة.

عودة الى المستوى الشعبي، فالإحساس العام بأن الدولة الأردنية تدير الملف بكل حكمة، وأن المطلوب منها راهنا أن تتجاوز الحالة الاستثنائية بأقل قدر من الضرر.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012