أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 15 كانون الثاني/يناير 2025


دندنة أحلام بيوم الشجرة

بقلم : رمزي الغزوي
15-01-2025 09:52 AM

قبل شهرين أنهت الصين حملة «الحزام الأخضر» التي استمرت 46 عاماً، لتطويق صحراء «تكلامكان» على امتداد نحو ثلاثة آلاف كيلومتر في منطقة شينجيانغ شمال غربي البلاد، زرعت خلالها ملايين الأشجار للحد من زحف الرمال والتقليل من الغبار. كان ذلك عملاً دؤوباً مثمراً شاهدت بعضاً من آثاره ومجرياته وقت زيارتي لتلك الصحراء الواقعة على طريق الحرير القديم، قبل ثماني سنوات.

نحن بدأنا احتفالاتنا الرسمية «الدؤوبة أيضاً» بيوم الشجرة، في مثل هذا اليوم من العام 1939 بزراعة جبل القلعة في عمان. فأين ما زرعناه طيلة تلك العقود الطويلة؟ أين غابات من المفترض أنها تألقت وصار لها ظلال وارفة وأثر في تلطيف حرّ الصيف؟ ولكي لا أقسو على نفسي بمرارات المقارنة أسال عما زرعناه العام الماضي فقط؟ هل بقيت شجرة واحدة من تلك الفسائل على قيد الحياة؟. الزراعة لا تعني غرس الفسيلة بالتراب والمضي بعيدا، بل تعني العناية والرعاية لما زرعت حتى تكبر الاشجار وتضرب جذورا لها في الأرض.

ولأن الأحلام تسري عن النفسي. فما زال لدي حلم يعلق في رأسي أن يسير الراكب من عمان إلى بغداد تحفه الأشجار وتظلله وتسليه، كما كان في سالف العصور، حسب قول العلماء وتصوّرهم. وهذا الحلم اجتراري، بمعنى أنه مرّ بصفحة ذهني حين كنت طالباً أسافر على تلك الطريق الملفوفة بالرمل.

وحلمي الأكثر اخضرارا الآن أن تغدو عمان مزركشة بالحدائق تطريها نقاوة الأوكسجين وتنقيها من هباب السيارات وأن تصبح طريقا قصيرة كغمضة عين لتنوع أشجار الجانبين. والكابوس أن أكثر من عقدين مرا على افتتاح شارع الأردن والمشهد كلكم تعرفونه، أكياس بلاستيك تتطاير وكؤوس قهوة تتهاوى من شبابيك السيارات وأحلام مقتولة لا تحظى بشفقة أحد؟

لدي حلم أن نزرع ملايين الأشجار ونرعاها، ونستميت لأجلها، وأن نستثمر غاباتنا بطرق صحيحة، وعلمية مدروسة، وأن نستحدث المشاريع التي تلائمها وتنميها وتنمينا. لا أن ندمرها من أجل أقامة صناديق الإسمنت البلهاء. لدي حلم أن تكون الشجرة أولوية كبرى في حياتنا، وأن لا تضيع غابات معمرة، بجرة قلم من مسؤول غافل، وأن نضرب مافيات التحطيب التي تجتاح ثروتنا. وأن ندخل كل وسائل الحماية للغابات بما فيها الطائرات المسيرة.

ولدي فكرة أن يفرض على كل مستثمر غرس شجرة حرجية، أو مثمرة، في أراضينا الجرداء، عوضاً عن كل متر مربع يغرسه من إسمنت في ترابنا. وعلى كل صاحب برج أن يشجّر غابة تحمل الاسم الذي يحمله برجه الشاهق، لتكون معادلاً موضوعياً للطبيعة. لدي حلم أن تشارك الشركات الكبرى في حلم التخضير.

لدي جنون آخر يبيح لي أن أطالب بجعل يوم الشجرة عيدا وعطلة رسمية (كما كان). عطلة لا للنوم والتمطي بل تكون عملاً ومعاول وزراعة وغراساً. فنحن لن نجذر محبتنا للأرض، دون أن نتشارك ونتواشج مع أبنائنا في لثم ترابها، وبغرس شجرة تضرب عميقاً نتفرع منه في سماء المحبة والنماء.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012