بقلم : رابعة الشناق
23-07-2012 10:47 AM
المعارضة الشريفة والمعارضة العميلة؟؟
المعارضة هي عدم الرضى عن فعل أو مبدأ ما ومن ثم العمل على تغييرة. ونستطيع تمييز ثلاثة نماذج للمعارضة.
النموذج الأول: ينطلق من حقيقة أن مفهوم الدولة غير ثابت ويتغير مع تطور المجتمعات البشرية وحاجاتها ومصالحها، لذا فهناك حركة غير مرئية و مستمرة للتغيير يقودها المفكرون والفلاسفة ويؤثر في مجراها باقي الافراد .'صيرورة التطور الإنساني'.
النموذج الثاني: تقوم بدور المتابع والمراقب لأفعال القائمين على السلطات الثلاث أو أحدها،_ في الدول الديمقراطية وتحاكمه معنوياً أو فعلياً على مدى التزامه بقانون الدولة ومدى تحقيقه لمصالح الافراد.
النموذج الثالث: وتعمل المعارضة فيه على إحداث تغيير في النظام العام، بشكل مباشر وسريع. و إعادة الأمور إلى نصابها، من خلال الفصل بين السلطة القائمة والدولة، وصياغة نظام عام جديد يكون مقبولاً من قبل الافراد.
ان طبيعة النظام السياسي تحدد شكل المعارضة ووظيفتها، أهي تعمل في مقابل سلطة آنية ، أم تعمل لتغيير النظام السياسي العام الذي يحكم العلاقات السياسية.
لكن طبيعة الحكم لا يجب أن تنعكس على ممارسات المعارضة، فعندما يوجه نقد ما إلى معارضة في ظل نظام ديكتاتوري، فهو لا يجب أن يوجه لشكلها ووظيفتها، لأن الواقع فرض عليها هذا، لكن يوجه إلى كيفية ممارستها للمعارضة. فهل هذه المعارضة ديمقراطية حقاً لنقبل منها الدعوة إلى تداول السلطة، أم المشكلة بالنسبة لها هي الوجوه والأشخاص، وإبعادها عن السلطة؟ لذا علينا عدم الخلط بين شكلها ووظيفتها التي تتحد بشكل نظام الحكم وبين ممارساتها التي تكشف وعيها لذاتها. فإن كانت ممارساتها تنم عن فكر شمولي إلغائي فعندها لا نستطيع إلا أن نراها هي والنظام الحاكم وجهان لعملة واحدة. وإن كانت لا تقوم سوى بالانتقاد والتجريح للنظام الحاكم وتحديداً بأشخاصه فعندها يمكننا أن نقول أنها لم تشكل وعيها الخاص بذاتها، بل إن سلوكها هو مجرد رد فعل على ما وقع عليها من ظلم (والأدق، على شخوصها)، أي أنها تعي ذاتها فقط على أنها نقيض نظام الحكم، وبذلك يكون وعيها الذاتي مزيفاً وذو نزعة انتقامية.
المعارضة أمر مهم لأي دولة تهدف للبناء وتسعى للرقي والإزدهار ، لأن وجودها يعني الرقابة على مصالح البلد و تكون رادعا للنفس الأمارة بالسوء ، و وجودها يُؤكد على وجود شعب حُرّ حيّ يسمو للحياة الكريمة على أرض وطنه ، لذا لا تخلو دولة من معارضة مادام بها أشراف يحبون وطنهم ، وأيضا مادام بها أناس يلبسون عباءة المعارضة( لحاجة في نفس يعقوب ) .
وحيث ان المعارضة هي الرقيب على الحكومة ، فإننا نجد عبر التاريخ أن الحكومات الفاسدة تسعى لذبح و وأد المعارضة والمعارضين ، لأنها لا تحب أن تسمع صوت يذكر مثالبها ، هؤلاء لا يُطِيقون إلا نَهِيق المُمجدين لهم أن أستحقوا أو لم يستحقوا ذلك التمجيد .
ونظرا للوضع الراهن وكثرة المتربصين ، فإن الحكومات الفاسدة تعتبر المعارضة عميلة لجهات أجنبية وأنهم مجرد مخربين ، في الوقت الذي نجد فيه الحكومات لم تكلف نفسها يوما لتختبر هذه المعارضات ،أهي صادقة ام كاذبة ، وباعتقادي ليس كل معارضه شريفة ، وكذا ليس كل معارضة عميلة , ثم أي عدو تتحدث عنه هذه الحكومات ؟ لست أدري بصدق ، فكل أعداء الأمة هم عبارة عن أصدقاء لهذه الحكومات .
وفي الوقت الحاضر نحن بحاجة للمعارضة الشريفة ، ولابد للحق أن ينتصر ويكسر حندس العجاج ، فالنور لا يتبدد بينما العجاج لابد أن يأتيه حين ويتبدد .فالمعارضة الشريفة هي النور الذي تحتاجه أوطاننا ، فقد سئمنا من تقديس الحكومات ، فالحكومة بشر لهم أخطأ ويحتاجون لمن ينبههم أن أخطأوا ، ويوقفهم أن تمادوا ، وبهذا تسير عجلة البناء للأمام قُدُماً .
أدعو كُلُّ وطنيٍّ غيورومنتمي ـ يرى أن له الحق أن يقول للخطأ خطأ كما يقول للحق حق ـ أن يقرأ سيرة الصحابي أبو ذَرٍّ الغِفَاريّ ،- ليس شرطاً أن تكون مسلماً لتقتدي به ، لأنَّ الشُرَفاء تكون أخلاقهم النبيلة قُدوة لكل إنسانٍ نبيل بغض النظر عن دينهِ أو مذهبهِ- .
سأل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً أبا ذَرٍّ الغِفَارِيّ ـ رضي الله عنه ـ :( يا أبَا ذَرّ ، كيفَ أنتَ إذا أَدْركَكَ أُمراءٌ يَستَأْثِرون بِالْفَيء ؟
فأجاب قائلاً : إذاً ـ والذي بعثَكَ بالحقِّ ـ لأضرِبنَّ بسيفي .
فقال له الرسولُ صلى الله عليه وسلم : أَفلا أَدُلُّكَ عَلى خَيْرٍ مِنْ ذلكَ ؟ اصبرْ حتَّى تَلْقَانِي . )
أجل أصبر ، ولم يكن قصد النبي عليه السلام ، ان يخرس أبا ذَرّ وإنما ارد تلقينه درسا فيه وجه الصواب ، فلقد كان عليه السلام مُعَلماً مُلهما للجميع ، كان يعرف طباع أصحابه ومواهبهم وقدراتهم فقد عَلِمَ مذ أسلم أبو ذَر ـ حين أتاه متخفيا يسأل عن الدين الجديد ـ علم صلى الله عليه وسلم قوة شكيمة هذا الرجل ، وعرف شجاعته وصدقه وقوة لسانه . فأراد أن يكون لسانه هو سيف الحق بدلا من أن يكون سيفه هو سبيل الفتن .
وأبو ذَرٍّ فهم وصية نبيه وطبقها خير تطبيق وكان لسانه دوما سيفا مشهرا في وجوه أؤلئك الأُمَراء الذين أَغْرَقوا في الطيبات ، بينما رعيتهم غارقةٌ في الفقر ، فأطلق في وجوههم اللسان والكلمة المستبسلة وكلمة الحق . 'مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لمَْ يَسْتَطِعْ فَبلِسانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ اْلإِيمَانِ'.
فالحق أبدا لا يكون فضيلة خرساء ، وما نفعها وهي جبانة صامتةٌ خرساء ، لذا لم يصمت ولم يجامل
حين كاد يهُزُّ الشام بلسانه لا بسيفه على رأس معاوية بن أبي سفيان الذي كان واليا من قِبل عثمان بن عفان على الشام ، أرسل معاوية لعثمان يقول له : ' أن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ' استدعاه عثمان للمدينة وعرض عليه : ' ابقَ هنا بجانبي تغدو عليك اللِّقاحُ وتروح 'فاجابه أبو ذر : ' لا حاجة لي في دنياكم '.
أنه المعارض الشريف والمواطن الغيور ، لم يكن يعارض ليسكن القصور أو لينال السلطة أو الثروة و يجمع الدثور . بل كان حريصا على أن لا يكون جسرا لفتنةٍ وهو الذي تعلم الحكمة من كتاب الله { الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } البقرة217 ، { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } البقرة191 ، وهو الذي يحفظ وصية نبيه ومُعلمه ' اصبرْ حتَّى تَلْقَانِي ' .
وانعم النظر في رده حين سأله البعض ان يثور ضد الخليفةً : ( والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو جبل لسمعت و أطعت ، و صبرت واحتسبت و رأيت ذلك خيراً لي . و لو سَيَرني ما بين الأفق إلى الأفق لسمعت و أطعت ، و صبرت و احتسبت و رأيت ذلك خيراً لي . و لو ردّني إلى منزلي لسمعت و أطعت ، و صبرت و احتسبت و رأيت ذلك خيراً لي ) .
فأهل الفتنه علموا أنه بلسانه وقوة شكيمته وجسارته أنقادت له الجموع ولو شاء لأشار لها ولأطاح بروؤس الفساد إلا أنه حفظ وصية نبيه .
هكذا حسم الرجل الأمر وحدد منهجه ، هو لا يسكت عن باطل لكنه لا يقود فتنةً أبدا .
كان الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ يقول في أبا ذَرّ : ( لم يبقَ اليوم أحدٌ لا يبالي في الله لومةَ لائم غير أبي ذَرّ ) .
فلقد عاش يناهض أستغلال السلطة و احتكار الثروات حتى منعوه من الفتوى فرفض أن يخرسوه ، فقال لمانعيه : ( والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عُنقي ثم ظَننتُ أني مُنفذٌ كلمة سمعتُها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن تَحتزُّوا لأنفذتُها ) .
هذا هو المعارض الشريف، نعم المعارض الشريف
غير اننا نشاهد ونعي اليوم - فكم من متلبس ثوب المعارضة و ماهو إلا عميلٌ خائن ، ما يكاد يظهر حتى تنكشف خباياه الخبثه ، فينفث سمومه في جسد الأمة . فالخونة في كل زمان ومكان {َلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً } الأحزاب14
والأدهى من المعارض الغوغائي (المصلحجي ) الذي يمضي خبط عشواء ، لا يعلم إلى أين يسير ولا ماذا يريد ، فيكون وبالا من حيث يدري ولا يدري ، مثل هولاء ساهموا في استغلال ثروات البلاد وضياع الاوطان
للمعارضة أصول ، فلا تصح المعارضة لمجرد المعارضة أو لإستعراض العضلات أو لتسفيه الأخر والإنتقاص منه ، أو أن المعارضه تمنحه وجاهة في الناس ، فإنما تلك سفاهة خطيرة. لكي تكون معارضا شريفا لا بد من وجود رؤيا ، اهداف ترتكز عليها الافكار والمبادىء، منهاج قويم تنطلق منه ، يجب ان تكون شريفا والا كنت كالذباب يراعي موضع الخلل فقط .لذا عليك الالتزام باخلاقياتها فاحترام الخصم وعدم التعرض للحياة الشخصية واجبا اضافة ان يكون نقدك نقداً بناءاً لا غوغائيا همجياً .
كن معارضا لدفع عجلة البناء والتقدم لا معارض هدم ، كن معارضا لرفع مكانة الوطن والمواطن وازدهاره والسمو بكرامته وليس معارضا للحصول على مكاسب شخصية
المُعَارض الشريف لا يهرب من وطنه. وليس سواء من بقى في وطنه يناضل من أجل الحق ومن هرب وصار ينادي من مكان سحيق . هو لا يطمح بمعارضته تلك لمجد شخصي ، أو مصالح فردية ، هو لا ينتهك حرمة خصمه ، بل يكون عادلا مع خصمة بذات قَدر العدالة التي تمناها أن تسود وطنه الغالي .
فخصمك مهما كان فهو بشر . وكما للبشر سيئات ، لهم حسنات ، وليس لأنه خصم أو لأنه في السلطة يصبح شيطانا رجيما يحق لك رجمه بما شئت و وقت شئت ، فخطيئة كبرى في حقوقنا أن نضيع بين الإفراط والتفريط ، بين مقدس مطلق لمن في السلطة وبين كارها مطلق لهم ، كشعب نحتاج أن ننظر بوسطية للأمر ، فأي حكومة لها أيجابيات و سلبيات، وواجبنا االمحافظة على الإيجابيات ووتصحيح السلبيات ومعارضتها .
وأخيرا ...
كُنْ معارضاً شريفاً بلسانك ونبل أخلاقك لا بسيفك ولا تكون عونا على أمتك بل عونا لها ، أو أترك المعارضة لمن هم أجدر وأعلم بأصولها منك ، لأنَّ :
من يُلاقِي النار بالنارِ يزِدْهَا ** لهَباً أطفاءهُ يغدُو مُحالاَ