بقلم : علاء الفزاع
23-07-2012 12:12 PM
تراوح العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الجهادية بين السياسي والفكري، بين العداء والتداخل، ما هي طبيعة تلك العلاقة المعقدة بين الجماعة التي صعدت إلى الحكم في بلدانٍ عربية وتتهيأ لتسلمه في أخرى وذلك التنظيم السري الذي ما إن يتراجع في بلد حتى ينمو في بلد آخر؟ هل هناك خيوط سرية وغير مكتشفة بين من يحملون البنادق ومن يملأون الميادين ويحصدون الأصوات في الصناديق؟
«الشرق» حاولت استقصاء هذه المساحة الغامضة وغير المطروقة، ومضت في رحلة معرفية واجهت فيها رغبات التكتم والتحفظ، ودخلت في موضوعات كانت على حد السيف خشية طرح أسئلة ذات طبيعة تنسف كل الثقة وتوقف تسلسل الإجابات. وعلى مدار حلقاتٍ أربع ترصد «الشرق» تفاصيل هذه العلاقة المعقدة بين الإخوان والجهاديين وتقدم لقرائها رؤى نخبة من الخبراء في هذا الملف وشهادات ممثلين أصيلين عن التيارات السلفية وجماعة الإخوان، متخذةً من الحركات الإسلامية فيها مثالاً للبحث والنقاش.
وفي الحلقة الثانية تركز «الشرق» على مآخذ السلفيين على الإخوان سياسياً وفكرياً ومآخذ الإخوان على السلفيين، علماً أن الحلقة الأولى تناولت سيد قطب وعبد الله عزام كنموذجين للتداخل بين المدرستين.
«إن جماعة الإخوان بكل أفرعها رضيت بالاحتكام إلى الديمقراطية وسيادة الشعب والانتخابات كطريق للتغيير والوصول إلى الحكم، حتى قال حسن البنا؛ إن مؤاخذاتهم على الدستور يمكن تغييرها بالطرق التي وصفها الدستور نفسه، أي بالأسلوب الديمقراطي، وينطبق ما قلنا على إخوان الكويت والأردن واليمن والسودان والجزائر وتونس كما ينطبق على إخوان مصر»، بهذه الجملة وغيرها ختم القيادي المعروف في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري كتابه الشهير «الحصاد المر» والذي كرسه لانتقاد جماعة الإخوان.
ويرى السلفيون الجهاديون الإخوان في ضعفٍ وتشتت وميوعة في المواقف السياسية والشرعية، في المقابل يرى الإخوان أن السلفية الجهادية متشددة تركز على نواحٍ دون أخرى وتنقصها نظرةٌ شمولية، فيما يذهب بعض الإخوان إلى اعتبارها صناعة أجهزة الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
نظرة الجهاديين للإخوان
سعد الحنيطي
يقول القيادي المعروف في السلفية الجهادية الأردنية، سعد الحنيطي، عن جماعة الإخوان المسلمين «على مستوى الممارسة السياسية جماعة الإخوان لا يوجد لها مواقف محددة، ولا تنتظم مواقفها في سلك واحد، ففي العراق كانوا مع الدبابة الأمريكية كعراقيين، بينما كان إخوان سوريا الذين دعمهم صدام حسين يبكون على سقوط بغداد، في الوقت الذي كانت فيه الجماعة الأم تفتح باب التجنيد للدفاع عن العاصمة العراقية، هذا بينما كانت بعض قياداتهم في الأردن تتلاعب على المواقف بحيث لا يمكن إمساكها بموقف معين، أي مثلما يقول المثل العامي مثل صابون الميّت، فنحن لا نستطيع تحديد اتجاه تلك القيادات».
ويضيف الحنيطي «أما نحن في السلفية الجهادية فالأمر عندنا مختلف تماماً، مواقفنا واضحة، ولا تدخل السياسة في الأشياء التي هي من صلب العقيدة، خاصةً في مسألة الولاء والبراء، عندما نتحدث عن المحتل أو الصائل، فمواقفنا جداً واضحة، ويستطيع حتى من أصيب بالعمى أن يميز هذه المواقف، لا يسمح لنا المبدأ ولا العقيدة التي نتبناها، أن يتبنى الأخ الذي في الصومال خلاف ما يتبناه الأخ الذي في أفغانستان أو الأردن أو اليمن، لا يوجد لدينا مواقف من نوع أن نكون مع إيران في فلسطين وضدها في العراق، ليس لدينا هذا الشيء، إيران هي إيران، ليس عندنا أن نكون مع الولايات المتحدة في المسألة الفلانية وضدها في المسألة العلانية، هذه المسائل نختلف جذرياً فيها مع الإخوان، وأستطيع أن أقول إنهم أورثوا الأمة التمييع في المواقف السياسية تجاه كثير من القضايا».
وينتقد الحنيطي تعامل الإخوان مع مسألة الدولة المدنية التي هي من وجهة نظر السلفيين الجهاديين مرادف «مخفف» لمصطلح الدولة العلمانية، ويكمل قائلاً «كل الناس تعُرِّف الدولة المدنية على أنها الدولة اللادينية، وهو مصطلح وتعبير ناعم بدلاً من مصطلح العلمانية الذي فشل، الإخوان يقولون إن الدولة المدنية هي نقيض الدولة العسكرية، من يقول ذلك غير الإخوان؟ كل التيارات تفهم الدولة المدنية على أنها نقيض الدينية، الإخوان بهذا التفسير يحاولون خداع من؟ الإخوان يقولون أنهم مع الدولة المدنية، وعندما نراجعهم ونقول لهم إن ذلك لا يجوز وإنهم بذلك يدعون إلى الكفر، فيكون جوابهم أنهم يدعون إلى دولة «لا عسكرية»، وكأن هناك من يدعو إلى دولة عسكرية».
ويستطرد الحنيطي «عندما نتحدث عن الديمقراطية يقولون إنهم يقصدون الشورى، لكن المصطلح واضح ويحمل مضامين محددة معينة، ويعني أن التشريع للشعب وللناس، وعندنا في الشريعة الإسلامية التشريع لله سبحانه وتعالى ولا يحق لأي إنسان أن يشرع مع الله، يكون ردهم أنهم يعنون بالديموقراطية الشورى، وهكذا السلوك السياسي عند الإخوان المسلمين، من الصعب أن يتم إمساكهم في مواقف محددة توضح ماذا يريدون فعلا، وهناك أيضاً تبادل الأدوار بين ما يسمى صقر أو حمامة، نقول لهم اتقوا الله فأنتم تمثلون وجهة نظر إسلامية وطرحاً إسلامياً، أساسه أن يكون تابعاً لقال الله وقال الرسول، نعم في السياسة هناك مجال للأخذ والرد والمرونة ولكن ليس على حساب العقيدة وعلى حساب الولاء والبراء وليس على حساب دماء الناس التي تسكب، الآن خذ نتيجة مواقفهم المائعة طارق الهاشمي وما شابه، سلموا العراق على طبق من ذهب لأتباع الآيات الشيعية، لماذا دخلت من الأصل هذه اللعبة التي أنت لست قادراً عليها».
رؤية الإخوان للجهاديين
في المقابل، يرى القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، علي أبو السكر، أن بعض الجماعات تركز على جانب السياسي فقط وبعضها يركز على الجانب الفقهي فقط فيما يهتم الإخوان بالجانبين إذ لا يشغلهم اهتمامهم بالسياسة عن التركيز على الجانبين الروحي والتربوي.
وعن السلفيين الجهاديين يقول أبو السكر «بعض الجماعات تركز على الجانب الجهادي وتترك غيره مما يختص بالمجتمع، ومن بينهم السلفية، وهي بالمناسبة عدة اتجاهات، فهناك السلفية العلمية وهناك سلفية أخرى تسمي نفسها الجهادية، وهناك فرق كبير بينهما، حيث لا ترى السلفية العلمية أبداً الخروج على الحاكم ولا ترى بالعنف أبداً، بينما السلفية الجهادية ترى أنه لا يجوز السكوت على الظلم والطاغوت وما إلى ذلك وأنه ليس هناك من حل إلا من خلال التغيير وليس الإصلاح، وبعضها قد يشذ – وهي فئات قليلة- باتجاه النظرة إلى المجتمع حيث تصل إلى حد التكفير، وهذا ليس فكر الإخوان».
أما القيادي الشاب في إخوان الأردن، يمان غرايبة، فيمضي أكثر من ذلك، حيث يعتبر التنظيمات السلفية الجهادية مخترقة من قبل الدولة فهي تستفيد منها وتوظفها، حسب قوله.
ويضيف «الدولة تربِّي بعضهم داخل السجون وتهيئهم وتوجه المتشددين منهم كما تريد، وتخرجهم تحت أنظارها إلى العراق وإلى أفغانستان وتجمع المعلومات عن طريقهم، الدولة لعبت دوراً رئيساً في تربية هذه الجماعات وتنشئتها».
وفي ذات الإطار، يكشف قيادي إسلامي، التقته «الشرق» أثناء إعداد الملف، أن سجناء التيارات السلفية كانوا يمتعضون ويشيرون لمن يقوم بزيارتهم داخل السجون من الإخوان بأنهم سيذبحونهم عندما يتمكنون.
عزاء الزرقاوي
علي أبو السكر
يبدو عزاء القيادي في القاعدة بالعراق الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي محطة لافتة في العلاقة بين الإخوان والسلفيين الجهاديين، حيث فُسِّر حضور قياديين في إخوان الأردن هذا العزاء أنه تأييد للقاعدة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً انتهى بسقوط عضوية القيادي الإخواني علي أبو السكر في مجلس النواب وسجنه.
لكن أبو السكر يتحدث لـ «الشرق» عن هذه الواقعة قائلاً «زيارتنا جاءت بغرض تأدية واجب العزاء لأهلنا وعشيرتنا في مدينة الزرقاء التي كنت أنا نائباً عنها، حيث قدمت العزاء لعشائر بني حسن ومن بينها عشيرة الخلايلة، وقلت خلال العزاء إن الميت أفضى إلى ما قدم وأن العزاء لأهل المتوفى»، لافتاً إلى مشاركة شخصيات عامة ونواب في العزاء.
ويعتقد أبو السكر أن الغرض من إثارة هذه القضية هو إقصاء الإخوان من مجلس النواب بسبب الملفات التي فتحوها تحت القبة.
ويستطرد «العلاقة التي تربطنا مع مكونات المجتمع مبنيَّة على قيمنا ومبادئنا، عندما كنا نمارس عملنا في مجلس النواب كنا نزور السجون، وعلى رأس من نزورهم هم سجناء التنظيمات المنتمين إلى السلفية الجهادية وما إلى ذلك للوقوف على واقع السجون وطريقة التعامل معهم، وفي الحقيقة كنا نُقابَل أحياناً بردود غليظة من المساجين أنفسهم رغم أن زياراتنا لهم كانت لأجلهم ولأجل الوقوف على ظروف الاعتقال والتوقيف التي كانوا يعيشونها، نفس الشيء عندما زرنا بيت عزاء الزرقاوي، كان ذلك بناءً على مبادئنا وقيمنا».
حسن أبو هنية
بدوره، يعلق الخبير في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، على هذه الواقعة بالقول «هنا يتداخل الديني بالسياسي، أنا متأكد أن أبو السكر غير مقتنع بالزرقاوي، ولكن هناك شيء سياسي، من الناحية الفكرية هو مختلف مع الزرقاوي، من الناحية السياسية هو يعادي أمريكا، وأبو مصعب قتلته أمريكا، بالتالي هو يجد نفسه في خانة التوافق معه في هذه النقطة، وربما لهذا السبب نجد الإخوان يتعاملون مع إيران نظرا للعداء المشترك مع أمريكا».
الشرق