أضف إلى المفضلة
الإثنين , 24 آذار/مارس 2025
شريط الاخبار
بحث
الإثنين , 24 آذار/مارس 2025


مؤشرات السعادة العالمية

بقلم : د.نهلا عبدالقادر المومني
23-03-2025 01:25 AM

في الثاني عشر من تموز لعام 2012 حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة العشرين من شهر آذار يوما عالميًا للسعادة؛ اعترافا بالسعادة بوصفها قيمة عالمية يتطلع البشر اليها في كل انحاء العالم، وفي سبيل ذلك أقرت بالحاجة الى نهج أكثر شمولا وتساويا وانصافا للنمو الاقتصادي وبما يعزز التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتحقيق الرفاه للشعوب.

على الأصعدة الوطنية هناك دول نصبت وزراء للسعادة ودول اخرى مثل بوتان التي كان لها الفضل والمبادرة في تبني قرار الامم المتحدة السابق الذكر حول السعادة كقيمة اساسية،اعتمدت هدفا للسعادة الوطنية ووضعت اطرا لتنفيذه على الاصعدة كافة داخليَا.

مؤشر السعادة العالمي صنف الدول من الأكثر سعادة الى الأقل سعادة معتمدا عدة مؤشرات أبرزها قوة الاقتصاد، البنية التحتية، الدعم الاجتماعي، الناتج المحلي للفرد والحياة الصحية المتوقعة والسلام والأمن عموما.
هذا هو الحال على الصعيد القانوني وعلى صعيد السياسات الوطنية والعامة، أما على الصعيد الإنساني فيبدو أن السعادة كانت الشغل الشاغل للإنسان منذ وجوده، عندما كتب باولو كويلو روايته الشهيرة الخيميائي لم يكن يعلم انها ستجد كل هذا الصدى، لم يكن يعلم ان معضلة الانسان الذي سخر له الكون تقف امام معادلة السعادة في سعي وبحث مستمرين.
كيف يحوز الانسان الدنيا؟ أو بطريقة أخرى كيف يحقق السعادة، سؤال وضعت فيه ومن أجله نظريات ومؤلفات كثيرة، وكان لكل مذهبه في الإجابة عنه، ولكن في الفكر الاسلامي المعادلة كانت بسيطة، اختزلت في بضع كلمات وحاجات تشكل في مجملها عنصري الأمان والأمن: «من أصبح معاف في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
بالرغم من بساطة الكلمات التي جاءت وبالرغم مما قد يبدو بسيطا ايضا من حاجات بحيازتها يكون امان الانسان الذي يشكل مرتكزا محوريا في سعادته، إلا ان تحقيقها على أرض الواقع قد لا يكون بالسهولة ذاتها؛ لذلك كانت حيازة السعادة مسألة معقدة عبر التاريخ، ولذلك أيضا كان الوقوف الى جانب الآخر لمساعدته وتمكينه على أن يحوز الدنيا عاملا مهما في تحقيق السعادة على مستوى الشعوب لا الافراد فقط؛ فالسعادة قيمة انسانية لا تتحقق بمشاهدة الآخر عاجزا أمام احتياجاته الأساسية.
لهذا أيضا كان مفهوم السعادة بين الشعوب مختلف، لا يقف الأمر امام مكتسبات مادية بحتة دائما؛ فالأردن مثالا ونموذجا تحدى جبروت الاحتلال وكسر حصارا مفروضا مستخدما الوسائل كافة، فلم يكن ليجد سعادته دون أن يسخر امكانياته لمساعدة أهل قطاع غزة على ترميم ما قد فقدوه من حيازة الدنيا، سواء في الجانب الصحي واعادة الأمل فيه، وغير ذلك من اشكال المساعدات التي كان الجميع يفرح بوصولها ورؤية السعادة في وجوه من استقبلوها، في عمقها وجوهرها هي ليست مساعدات إنسانية فقط بل هي عون للآخر على أن يستعيد حيازة الدنيا ولو قليلا، وهو عمل من أعظم الأعمال بعيدا مرة أخرى عن أية حسابات مادية بحتة.
دولة كجنوب افريقيا تصدت وواجهت بالأسلحة القانونية المتاحة لديها جرائم الحرب والابادة ولم ترض ان تقف مكتوفة الأيدي، بل سعت لإحداث تغيير انطلاقا من قيمة مترسخة لديها «بأن تكون حرا ليس مجرد التخلص من القيود، بل هو أن تعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين» وفقا لمؤسسها نيلسون مانديلا.
عودا على بدء، مؤشرات السعادة العالمية يجب ان ينالها تعديل بسيط في الشكل ولكنه عميق في المضمون، مثلا مؤشر لقدرة الشعوب على احداث تغيير في واقع مضلل أو التصدي له على أقل تقدير، مؤشر لقدرة الدول على مساعدة غيرها على حيازة الدنيا واعادة الأمل لديها، مؤشر لقدرة الافراد والشعوب على أن تشعر بإنسانيتها المشتركة وغير ذلك.
لا يمكن اذًا فصل السعادة عن القيم، لا يمكن أن تتحقق السعادة على مستوى الافراد والشعوب دون أن تكون الأبعاد الانسانية حاضرة الى جانب المكتسبات المادية ومستوى الدخل والناتج القومي وغير ذلك، بغير ذلك سيبقى هناك اختلال في توازنات السعادة يلمسها العالم أجمع ويتأثر بها ايجابا وسلبا، وبغير ذلك أيضا لن يتمكن آذار، الشهر الذي يتسيد الشهور في بدايات الحياة من إحداث أي تغيير في سعادة الشعوب واستقرارها وإن اختير ليكون أحد أيامه يوما عالميا للسعادة.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012