أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 26 آذار/مارس 2025
شريط الاخبار
بحث
الأربعاء , 26 آذار/مارس 2025


وثيقة إسرائيلية لصناعة الأزمات

بقلم : عاطف الغمري
25-03-2025 11:54 PM

شغل تفكيري لسنوات مضت، وثيقة إسرائيلية رسمية، تتضمن أهدافاً لفترة الثمانينات، ثم تأكد فيما بعد أنها تمثل استمرارية للتفكير الإسرائيلي حتى يومنا هذا.

الوثيقة كنت قد حصلت على نسخة منها في فترة عملي بالولايات المتحدة، وحرصت على الاحتفاظ بها، لكنها توارت في زحام الأوراق المكدسة في مكتبتي الخاصة، إلى أن عثرت عليها أثناء إعادة ترتيب المكتبة.
الوثيقة عنوانها «استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات» وتتضمن هدفين، الأول: أن تصبح إسرائيل قوة إمبريالية مهيمنة على المنطقة. والثاني: تفتيت المنطقة بأكملها إلى دول صغيرة، بتفكيك جميع الدول العربية، وأن هذا التفتيت هو الذي سيجعل الدول العربية مهيّأة للخضوع للهيمنة الإسرائيلية.
كانت بداية الكشف عن هذه الاستراتيجية، في مقال نشر بمجلة «كيفونيم Kivonim»، الناطقة باسم إدارة الإعلام بالمنظمة الصهيونية العالمية، وتولّى كتابتها الصحفي الإسرائيلي أوديد ييسنون، وكان يعمل قبلها بوزارة الخارجية الإسرائيلية.
ونشرت الوثيقة عام 1882 في بلمونت بولاية ماساشوسيتس، بعد أن سربتها جمعيه خريجي الجامعات من العرب الأمريكيين.
وتقول الوثيقة إن إسرائيل في الثمانينات تتحدث عن الفرصة المتاحة لها لأول مرة منذ حرب 1967، ضمن سلسلة من المواقف الرسمية الإسرائيلية، وبدعم من الولايات المتحدة، من بينها ما حدث فيما بعد تاريخياً وفقاً للمراجعات الإسرائيلية، عندما تحدث الرئيس جورج بوش الابن في كلمة أمام معهد أمريكان انتربرايز، وقال: إن العراق سيكون بعد الحرب مباشرة، والتي بدأت عام 2003، النموذج الملهم لخطة التقسيم الطائفية لدول المنطقة، وأنظمة الحكم فيها.
وحسب تقديرات إسرائيل لفترة الثمانينات، فإن حساباتها كانت تضع على قمة أسباب قلقها، اتجاه ميزان القوى بينها وبين الدول العربية، إمكان أن تشهد هذه الدول عمليات تحديث ونهضة وتقدماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، يكون من شأنه تعديل ميزان القوى لغير صالح إسرائيل.
كذلك دعت الوثيقة – ضمن مخططها العام - وضع يد إسرائيل على سيناء، وطرد الفلسطينيين من بلادهم، وتفريغ فلسطين كلها من الفلسطينيين.
ثم تذكر الاستراتيجية أن إسرائيل أصبحت تحتاج منذ مطلع الثمانينات إلى نظرة جديدة لمكانتها وأهدافها في الداخل والخارج، وفي إطار هذا التفكير، فإنّ بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل كان قد لجأ عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إلى تعليق خريطة جديدة لإسرائيل على جدران الكنيست، تضم سيناء كجزء من إسرائيل، ولم يردعه سوى تهديد الرئيس الأمريكي آيزنهاور بمعاقبة إسرائيل إذا لم تنسحب من سيناء.
وكان شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل الأسبق قد ذكر في كتابه «الفخ» أن إسرائيل تسير منذ أواخر السبعينات على ما يُسمّى استراتيجية المراحل بنقل الموقف الفلسطيني من مرحلة أزمة إلى أخرى وصولاً إلى الهدف النهائي بابتلاع كل فلسطين، وهو ما يحدث جانبٌ منه الآن في غزة بخطط إفراغها من سكانها.
وقال إن السلام لم يكن أبداً خياراً إسرائيلياً، لأن السلام يمكن أن يضعف من حالة التأهب المبنية على الشعور الجماعي بخطر الحرب، ومن ثم يتم إقناع الإسرائيليين بأن الحرب هي الضمان لعدم تفكك المجتمع متعدد الانتماءات والمشاعر، والتي تحول دون الصدام والتفكك لسكان دولة في مجتمع أقرب إلى التجمعات القبلية.
وإذا كانت النتائج العسكرية لحرب 73 قد فتحت الطريق في حسابات قادة إسرائيليين إلى الاقتناع بفكرة السلام، وهو ما كان رئيس الوزراء الأسبق يهود باراك قد اعترف به، وقال إن فشل الإسرائيليين في حرب 73 قد أحدث تحولات فكرية، جعلت الكثيرين يقتنعون بأن السلام هو الضمان الوحيد لأمنهم. لكن انقلاباً حدث على هذا المسار بمجيء حزب الليكود إلى الحكم بفوز نتنياهو عام 1996 ليصبح رئيساً للوزراء وكانت تلك بوابة للتراجع عن السلام.
حتى إن نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد رفع بين يديه خريطة لإسرائيل كما يتخيلها، تضم كامل الأراضي الفلسطينية ومساحات من أربع دول عربية أخرى، متبنياً مضمون «وثيقة لإسرائيل في الثمانينات».
على امتداد السنوات وبينما إسرائيل تركز في سياساتها على نهج محدد، لا يخرج عن البطش بالفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم وحقوقهم منذ النكبة الأولى عام 1947 وما تلاها من مؤامرات وُضعت لها خطط تنفيذية، فإن المصطلحات التي استخدمها مسؤولون إسرائيليون، ومراكزهم السياسية كانت تدور حول معاني البطش بأصحاب الأرض وإحالة حياتهم إلى جحيم، ثم لحق بذلك التوسع العدواني الاستعماري على حساب دول عربية أخرى، تمثل في العدوان واسع النطاق على لبنان، ثم توسيع دائرة العدوان الاستعماري في سوريا.
كل ذلك كان يلخصه مصطلح واحد يحمل عنوان استراتيجية صنع الأزمات لدول المنطقة بأكملها، وهو التعبير الذي يعكس بشكل عام كل ممارسات إسرائيل العدوانية ضد المنطقة العربية بأكملها، والذي لم يتطرق الإسرائيليون إلى النطق به أو استخدامه من قبل، وهو يتكون من ممارسات يمكن بها ملاحقة دول المنطقة بأزمات واحدة وراء أخرى، إلى أن نطق بها مؤخراً خبراء في مراكز بحوث إسرائيلية بنطقهم بمصطلح «صناعة الأزمات»، كاشفاً عن ممارسات كانت تتم تحت مسميات أخرى، بينما الخطط الإسرائيلية لم تتغير منذ بداياتها.

الخليج الاماراتية

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012