أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 01 نيسان/أبريل 2025
الثلاثاء , 01 نيسان/أبريل 2025


في عيد الدستور غزة دائمًا حاضرة

بقلم : اسماعيل الشريف
28-03-2025 01:03 AM

«حطّموا غزة ثم اقطعوا صلتهم بالأرض.» – شارون
من أكثر المواد الصحفية تداولًا خلال حرب غزة كانت صورة لعدد صحيفة «الدستور» الصادر في 11 آذار 1971، الذي تصدره العنوان الرئيسي: «بدء تفريغ قطاع غزة من السكان.» جابت هذه الصورة أنحاء العالم، مؤكدةً أهمية الصحافة الورقية ودورها المتواصل كمرجع أساسي في توثيق الأحداث، وحضورها القوي رغم التطورات الرقمية.
كانت صحيفة «الدستور» شاهدة على محطات مفصلية من المحاولات المتكررة لتفريغ غزة من سكانها. فقد بدأت فكرة تهجير أهالي القطاع منذ مطلع الخمسينيات، حين اجتمع عدد من العسكريين والبيروقراطيين وكبار مسؤولي «الأونروا»، وأخرجوا خرائط قديمة لمناقشة وجهات التهجير المحتملة. وبعد نقاشات مطوّلة، تقرّر دفع سكان غزة نحو صحراء سيناء الشاسعة، ذات الكثافة السكانية المنخفضة. كان المخطّط يستهدف تهجير نحو ستين ألف نسمة، أي ما يعادل ربع سكان غزة في آنذاك. ورغم الشروع في التحضيرات، قوبلت الفكرة برفض قاطع من أهالي القطاع، الذين تمسكوا بأرضهم ورفضوا الرحيل.
في عام 1956، احتلّ الصهاينة قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي على مصر، وحاول دافيد بن غوريون، إلى جانب كبار قادة الجيش، تهجير سكان القطاع قسرًا نحو الضفة الغربية وسيناء. غير أن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الكيان حالت دون تنفيذ الخطة، وأُحبطت المحاولة. وبعد عام، اضطر الاحتلال إلى الانسحاب من غزة.
في عام 1967، وضع موشي ديان خطة تهدف إلى إجبار أكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة على الهجرة نحو الضفة الغربية ومصر. وبالفعل، تم ترحيل بعض السكان إلى الضفة الغربية، إلا أن المخطط لم يحقق النتائج المرجوّة، إذ غادر غزة عدد قليل نسبيًا من سكانها.
في عام 1971، وأثناء تولّي المقبور إسحاق شامير، منصب الحاكم العسكري لقطاع غزة، قرّر ترحيل السكان بالقوة. فجرف آلاف المنازل، وأجبر عددًا من الأهالي على ركوب الحافلات ونقلهم إلى مدينة العريش. لكن المخطط باء بالفشل، إذ سرعان ما عاد السكان إلى غزة، مدعومين بضغوط من الدول العربية والقوى العظمى، التي حالت دون تنفيذ الخطة بالكامل.
مع فشل جميع محاولات التهجير المباشر، وجد الصهاينة أنفسهم في مأزق؛ فلا القتل أرغم أهل غزة على الرحيل، ولا الإغراء أقنعهم بترك وطنهم. عندها غيّر الاحتلال استراتيجيته، واضعًا خطة لتدمير غزة بشكل منهجي وبطيء، من خلال الحصار والتجويع والتصعيد العسكري المتكرر. لكن، مرة أخرى، أفشل الغزيون المخطط، وصمدوا في أرضهم، رافضين الرحيل.
في عام 1992، طُرح مشروع «غزة الكبرى» في عهد إسحاق رابين، حيث وُضِعت خطط سرّية تهدف إلى تفقير القطاع، وجعل الحياة فيه شبه مستحيلة، لدفع سكانه إلى الهجرة نحو سيناء. غير أن هذا المخطط هو الآخر لم ينجح.
في عام 2004، وضع رئيس الشاباك آنذاك، آفي ديختر، خطة حملت اسمه، معتقدًا أنه وجد الحل الأمثل لتهجير سكان غزة، عبر تحفيز ما سُمّي بـ»الهجرة الطوعية»، لا سيما نحو دول أوروبا والخليج. غير أن هذه الخطة أيضًا باءت بالفشل، وظلّ أهل غزة صامدين في أرضهم، رافضين المغادرة.
في عام 2014، عاد الاحتلال إلى تنفيذ خطته الأولى، الساعية إلى إزالة الحدود بين مصر وقطاع غزة، ودفع سكان القطاع نحو الأراضي المصرية. غير أن مصر تصدّت لهذا المخطط وأحبطته، مما حال دون تحقيق أهدافه.
ثم جاءت إدارة ترامب بما عُرف بـ»صفقة القرن»، والتي تضمّنت بنودًا غير رسمية تتحدّث عن نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. وقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطًا على القاهرة لتنفيذ هذا المخطط، إلا أن مصر رفضته بشكل قاطع، مما أدى إلى إفشاله.
وجاء طوفان الأقصى، فاستغله الكيان لتنفيذ أكبر عملية إبادة جماعية بهدف تهجير أهل غزة. فمارس القتل والحصار، وقطع عنهم مقوّمات الحياة، أملًا في دفعهم إلى الرحيل. لكن، ورغم وحشية العدوان، صمدت غزة، وأحبطت المخطط، وخرجت منتصرة بإرادتها التي لا تُكسر.
وعاد ترامب مرة أخرى لإحياء مخططه، محاولًا هذه المرة تهجير سكان غزة عبر ما سُمّي بـ»التهجير الناعم». إلا أنه اصطدم بملك صلب، واجه هذا المخطط بحزم ورفضه دون تردد.
ويُفشل الكيان الصهيوني، بدعم أمريكي، في الالتزام بالهدنة المؤقتة مع حماس، لتعود حرب الإبادة من جديد، وسط حصار خانق، ومجاعة، وشحٍّ في المياه والخدمات الطبية.
على مدار العقود، حاول الكيان الصهيوني إبادة سكان غزة وتهجيرهم، تارةً بالقوة وتارةً بالإغراء، لكن غزة صمدت، وانتقلت راية الصمود من جيل إلى جيل. وكما تناقلت الأجيال هذه الراية، انتقلت أيضًا راية الدفاع عن المقدسات من ملك هاشمي إلى آخر، وترسّخت في وجداننا وصايا الآباء: أن نكون دومًا إلى جانب فلسطين.
على مدى هذه السنوات الطويلة، وقفت صحيفة «الدستور» في صف القضية الفلسطينية، كاشفةً مخططات العدو، وحاشدةً التأييد والدعم لنصرة الحق. كانت «الدستور» شاهدة على التاريخ، ناقلة لصوت غزة، وصدى لصمودها. وفي كل لحظة مفصلية، كانت حاضرة توثق، وتكشف، وتدافع عن الحقيقة دون تردد.
سيأتي يوم، بعد عشرات السنين، تتناقل فيه الأجيال القادمة صورًا من أعداد صحيفة «الدستور» التي وثّقت هذه المرحلة من الصراع مع العدو، شاهدة على صمود غزة وثبات أهلها في وجه محاولات الإبادة والتهجير. وكما كانت «الدستور» حاضرة دومًا في معارك الصمود، ستبقى غزة محفورة في وجدانها: حكاية لا تموت، ورمزًا لا يندثر.
في عيدها التاسع والخمسين، كل عام وصحيفة «الدستور» وأسرتها بخير، ماضية في رسالتها، ثابتة على مواقفها، وشاهدة على الحقيقة.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012

تواصل معنا عبر :