بقلم : عبد الحليم المجالي
25-07-2012 10:50 AM
في مادة التاريخ , في المرحلة الثانوية , وفي مدرسة الكرك الثانوية, بداية الستينيات , كان مدرسها الاستاذ شاهر فايز المجالي , حفظه الله ورعاه, من المعلمين الذين لايمكن نسيانهم , لانه كان مميزا في طريقته بالتدريس .
اذكره دائما عندما تقع عيني على كلمة ثوره , او اسمع عنها , واليوم ونحن نعيش الثورات الشعبية , اذكره واذكر طريقته في لفظ اسماء فلاسفة ومفكري الثورة الفرنسية , الذين حفظنا اسمائهم عن ظهر قلب , فقد كان يلفظ تلك الاسماء , المحسوبة اصلا على لغة العصافير , بلكنة كركية اقرب ما تكون الى البدوية , وخشونتها وبصوت عال , يملأ جنبات غرفة الدرس .كان يشدد على بعض الحروف بطريقة ملفته , وكان من عادته ان يعطي درسه ماشيا بين – رحلايات الطلاب - , وما ان تنتهي الحصة حتى نتبادل معا كطلاب – بشقاوة ودعابة- تلك الاسماء وحسب اللفظ الذي خصها به اسناذنا , المحبب الى نفوسنا . تلك الاسماء , منها , فولتير وجان جاك روسو وروبسبير . في تلك الايام كنا نحفظ الاسماء والشعر من اجل الامتحان , ومن اجل العلامة , مثلا كنا نحفظ ان فولتير من الفلاسفة الذين تأثرت بهم الثورة الفرنسية , واما كيف كان التاثير فليس مهما , لاحقا , وفي مكتبة كلية زايد الثاني العسكرية , اتيحت لي الفرصة لاقرأ عنه في موسوعة الفلسفة , قرأت عنه الكثير , اشياء فهمتها واخرى تعذر علي فهمها , اكتشفت انه غزير الانتاج , وانه من دعاة حرية الاعتقاد , قرأت له ان الاعتراف بوجود الله يكاد يكون عاما عند كل البشر , وعبادته فرض , ولكنه يؤمن بان لكل انسان الحق في عبادته بالشكل الذي يراه مناسبا , والذي من خلاله يستشعر بعظمته ووحدانيته والوهيته . كان فولتير في معظم كتاباته يعبر عن رد فعل على المتزمتين في عصره , والذين نرى شبيها لهم في عصرنا هذا . في يوم من ايام ميدان التحرير , في القاهرة , شهدنا قداسا من المسيحيين , وصلاة من المسلمين , على ارواح الشهداء , شهداء الثورة , بطقوس مختلفه , في مكان واحد ووقت واحد , اليس في ذلك ترجمة لفكر فولتير ؟ . فولتير من فلاسفة ومفكري عصر التنوير الذي نتج عن تعسف العصور الوسطى وظلامها , وتفرد الكنيسة بالحكم . نحن في الوطن العربي عشنا عصر التنوير بعد عصر من الانحطاط الفكري ,مع اختلاف الظروف , وفيه لمعت اسماء مثل الافغاني ومحمد عبده والطهطاوي والكواكبي وغيرهم , وحسب اعتقادي انهم لم يكونوا بدعا من الناس , بل كانوا حلقة في سلسلة الفكر الاممي , وتأثروا بالفكر الغربي المتنور , السائد انذاك , ذلك التأثر الذي الب عليهم من تلاهم من المفكرين ,الحساسين من الغرب وفكره , الى درجة عدم الاعتراف بنتاجهم الفكري , ورفضه , باعتباره منتجا غربيا ,وتم الاجتهاد الفكري بخصوصية طاغية , وتم رفض كل ماهو غربي نتيجة لتحيزه لاعداء الشرق , وظهرت مقولة الشرق شرق والغرب غرب , ونتيجة لذلك لم نجد مرجعية فكرية عربية او اسلامية واضحة المعالم لصانعي آخر ثورة شهدنا بواكيرها في تونس والقاهرة , ثورة اولئك الشباب الذين فاجأوا الجميع بقدرتهم علي الاخذ بزمام المبادرة , والقدرة على قيادة الاغلبية ممن اتفق معهم او خالفهم . انها ثورة شعبية من حيث اتساع قاعدة المشاركين فيها , ولكنها من حيث الفكر والاسلوب , عالمية او علمانية او من نتاج العولمة . قد لايعجب هذا التوصيف بعض التيارات ومفكريها وافرادها , ولكنه للذين يحترمون الحقيقة , والحقيقة مرة , هو الصحيح . هذه الثورة سياسية بامتياز , وتناولت الفكر السياسي وممارساته , والتزمت بادبيات الديموقراطية , تلك الادبيات التي تحدث بها فرسان التغيير من فلاسفه ومفكرين وقادة وافراد واجتمعوا عليها , واستمر ذلك منذ عصر التنوير الغربي مرورا بالثورة الفرنسية والثورة الامريكية وصولا الى الثورة الحالية . من المفردات التي تكرر تداولها , الحرية , وخاصة حرية التعبير , الدولة المدنية , بدون مرجعيات محددة , العدالة , وعدم الاقصاء , الامة مصدر السلطات , وغير ذلك مما لم يخرج على ما هو متعارف عليه عالميا . تم التركيز على فصل السلطات وحسب المراجع السياسية اول من تبناه ونادى به هو مونتيسكيو, وهو من رواد الفكر الغربي في السياسة وادبياتها . من الامور اللافتتة للنظر صدق العاطفة عند الحديث المشترك بين المسلمين والمسيحيين ,وهم يتحدثون معا وبلغة مشتركة عن المواطنة , على اساس جغرافي لا عقدي , ضمن حدود الوطن الواحد , وحقوقها وواجباتها , وعن العقد الاجتماعي وشروطه العالمية . اود ان اخلص الى انه بات من الواجب , بما لايدع مجالا للشك , ان نتأقلم مع هذه الادبيات وما ترمز اليه وما تدعو اليه من سلوك ,وان لانسقط عليها مفاهيمنا الخاصة لتبدو بعدها ممسوخة , وعلى الذين راجعوا انفسهم وفكرهم , وتراجعوا عنها بشكل بطىء , ان يتحلوا بالشجاعة الادبية وينضموا الى ماهو شائع ومتداول ,وتفرضه طبيعة العمل السياسي , الذي نتعلم اصوله في المعاهد والجامعات ذات اللغة العالمية المشتركة , وان يوفروا على امتهم الوقت والجهد والارتباك الحاصل من التردد والعناد ,والجدل البيزنطي , والمناكفات السياسية التي حرمتنا من الرؤية المشتركة لما يستجد من امور , وان نميز مابين ماهو خاص وما هو عام , وما هو من السياسة وما يأتي منها, وما هو من العقيدة والاخلاق , التي حفظها ديننا الحنيف , وحفظت هويتنا جيلا بعد جيل , وضمنت مشاركتنا الفعالة الجريئة في اثراء التراث الانساني الفكري . الخصوصيات تضاءلت , والبشر على اتساع الكون وامتداده تعولموا ,حتى في مجال النكتة بتنا نسمع – فيس بوك على كل ظالم -........