أضف إلى المفضلة
الأحد , 13 نيسان/أبريل 2025
الأحد , 13 نيسان/أبريل 2025


«حين تصبح المعاناة الإنسانية وجهًا آخر للعبودية الحديثة: قراءة نقدية في تحوّلات المفهوم والسردية»

بقلم : اورنيلا سكر
06-04-2025 06:45 PM

لم تعد العبودية في عالمنا الحديث تُختزل في امتلاك الجسد أو السيطرة القانونية على الفرد كما كانت تُفهم في السياقات الكلاسيكية. بل تحوّلت إلى نمط من الهيمنة الرمزية والاستغلال السياسي والاقتصادي، تُمارَس من خلال منظومات إعلامية، وخطابات سياسية، وسياقات حربية قسرية.
فالمعاناة الإنسانية اليوم، في كثير من الحالات، تمثّل وجهاً جديدًا للعبودية غير المختارة عبودية غير مرئية، ناعمة، وغير مباشرة، لكنها أكثر فتكًا من الاسترقاق التقليدي. الإنسان المعاصر، خاصة في مناطق النزاع، لم يعد يُستعبد بالسلاسل، بل يُختزل إلى مجرد رمز سياسي أو سلعة إعلامية تُستخدم لتأجيج الصراع أو جلب المساعدات أو استدرار التعاطف.
إننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة المفاهيم التي نستخدمها لفهم هذا الواقع: من «عبد» إلى «فاعل مقهور»، من «استعباد» إلى «مراقبة وهيمنة»، ومن «جسد» إلى «رمز سياسي». فالعلاقة بين المدني والفاعل السياسي لم تعد تقوم فقط على الضحية والجلاد، بل على التفاعلات المعقدة بين التمثيل الرمزي والاستثمار السياسي في الألم الإنساني.
وما يفاقم المأساة، أن هذه المعاناة لم تعد تُناقش فقط انطلاقًا من بعدها الإنساني، بل تُقاس وفق مفاهيم «التسعير» و»رأسملة الضحية»، حيث يتم توظيف الألم الإنساني كأداة خطابية وسياسية تخدم أهدافًا جيوسياسية. هكذا، تتحول الضحية من كائن يستحق التعاطف والدعم، إلى مورد رمزي يُستثمر، وتُدار صورته ضمن سرديات إعلامية موجهة.
محور التساؤل النقدي:
هل توظيف المعاناة الإنسانية كـ»دروع بشرية» هو نتيجة خيار ذاتي من المدنيين؟ أم هو واقع قهري فُرض عليهم نتيجة غياب العدالة، وتلاعب القوى المتصارعة؟
وهل وسائل الإعلام تقوم بدورها في فضح هذا الواقع، أم أنها تكرّس من خلال خطاباتها صورة الضحية وتُعيد إنتاج استلابها؟ بل أكثر من ذلك، هل تتحول المعاناة إلى «سلعة سياسية» تُستخدم لاستدرار المساعدات، وتبرير السياسات الخارجية، وصياغة سرديات متحيّزة تخدم طرفًا دون آخر؟
نحو تفكيك السردية الرسمية:
ما يُخشى منه أن يتحوّل الخطاب السياسي والإعلامي إلى آلية مُمأسسة لإعادة إنتاج العبودية في الوعي الجمعي العربي، من خلال تأكيد مستمر على دور «الضحية المطلقة» و»العقيدة المهزومة»، دون مساءلة حقيقية لبنية العنف والأنظمة التي أنتجت هذا الواقع.
والحقيقة المُرّة هي أن الجميع - دولًا، جماعات، مؤسسات إعلامية يتقاسمون المسؤولية الأخلاقية والسياسية في ما يجري من إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، واستثمار سياسي للمعاناة. فالضحية ليست فقط جسدًا يُقتل أو يُستخدم، بل وعي يُسلب، وكرامة تُستبدل بسردية دعائية.
ختاما، إن معالجة هذه الإشكاليات لا يمكن أن تتم عبر تعاطف عابر، أو استنكار سطحي. المطلوب هو جراحة نقدية عميقة في بنية الخطاب، والإعلام، والسياسة، والعقل الجمعي، تُعيد تعريف الإنسان لا بوصفه ضحية أبدية، بل فاعلًا واعيًا لتاريخه، وشريكًا في مقاومة الاستغلال، أيًّا كان شكله.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : عرض لوحة المفاتيح
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012

تواصل معنا عبر :