بقلم : محمد صلاح الغويري
01-08-2012 10:39 AM
يقول لي احد الأصدقاء الذي احترمه وأقدره وهو أردني من أصول فلسطينية ، انه اغترب في أمريكا أربعة عشر عاماً ، وتعامل مع مختلف الثقافات الغربية ، يقول ( بأنه وفي أحد أيام الشتاء وفي مكان أقامته دعاه احد جيرانه لشرب الشاي وحين دخل على المنزل تفاجئ بوجود سارية تحمل العلم الأمريكي ، علماً بأن من دعاه هو روسي الجنسية يقول : فبقيت صامتاً ، وبعد أن شربنا الشاي أشرت له فأبتسم فقلت له ـ من يقرأ تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لن يستوعب انك روسي وتضع هذه السارية العملاقة في بيتك ـ فابتسم ذاك الروسي مرة أخرى وقال ( بغض النظر عن العلاقات السياسية بين الدولتين والتوتر التاريخي بينهما ، ألا أنني أضع العلم الأمريكي في بيتي تقديراً واحتراماً مني للدولة التي تستضيفني وتوفر لي الأمن والسكن والعمل على ترابها ) ! ، ويضيف صديقي المغترب ( انه ومنذ تلك اللحظة عرف ما الفرق بين ثقافتهم وثقافتنا فنحن العرب عاطفيين ، ومشهد درامي يبكينا ، بينما في الغرب هم عمليين ولا يسمحون لعواطفهم التحكم بمواقفهم تجاه أي كان ، وهذا سر تفوقهم على العرب والمسلمين ) .
عندما قامت الثورة المصرية ورغم تأخر الحركة الإسلامية المصرية عنها ألا أنها لحقت بالثورة وطرحت أفكارها المبنية على البكاء من أجل مصر والتباكي بعد ذلك على القضية الفلسطينية والقضايا العربية بشكل عام ، ولا ملف يتقدم على مصالح مصر العليا ، وهذا ما نراه حتى بعد فوز مرسي الذي كان ينادي قبل وصوله للسلطة بإلغاء المعاهدة المصرية مع الكيان المحتل وقطع العلاقات ، لا بل إن الغاز المصري ما زال يتدفق على الكيان المحتل وهذا معناه أن المصالح العليا للدولة المصرية أكبر من طموح الحركة الإسلامية المصرية ، وهذا ما دعا الرئيس المصري إلى طمأنة الجانب الإسرائيلي والأمريكي بأن النظام الإسلامي الجديد في جمهورية مصر العربية سيحترم جميع الاتفاقيات الدولية في إشارة واضحة لاتفاقية كامب ديفيد ، والمتابع للشارع المصري يرى بأن الحركة الإسلامية المصرية لم تجعل من القضية الفلسطينية بوابة للدخول إلى السلطة ولم تتلاعب بمشاعر المصريين في مهرجاناتها الانتخابية سواء البرلمانية أو الرئاسية والبكاء على النكسة والنكبة من أجل صندوق الاقتراع . .
في المقابل وفي أخر انتخابات بلدية شارك بها الإخوان المسلمين في الأردن ، اذكر أن الحركة الإسلامية أقامت مهرجان انتخابي في إحدى المحافظات ، وقد مررت من هناك فاستوقفني المهرجان ، فرأيت العجب العجاب ، وكيف أن الحركة الإسلامية وبشكل فعلي تتلاعب بمشاعر الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم عبر مهرجاناتهم الانتخابية التي تقوم على الأناشيد التي تتغنى بالنكسة والنكبة ووقف التطبيع مع الكيان المحتل ، وكان أول سؤال تبادر إلى ذهني حينها هل نحن أمام انتخابات بلدية ؟ أي أن المرشح للانتخابات البلدية يجب أن تكون حملته الانتخابية من الألف إلى الياء تقوم على برنامج خدماتي بحت . فما علاقة الانتخابات البلدية بتلك الأناشيد الثورية التي ربما أبكت كل من سمع وشاهد بطش الصهاينة بإخواننا في فلسطين المحتلة عبر شاشة العرض الكبيرة ! لا بل إن الحاضرين أكدوا على أنهم سيصوتون للحركة الإسلامية ليس لبرنامجهم الخدماتي بالدرجة الأولى بل لمجرد تلك الأناشيد التي تسببت في احمرار أعين الحاضرين ! وهذا ما يأخذنا إلى المقارنة بين الحركات الإسلامية في البلدان العربية والحركة الإسلامية في الأردن من مبدأ الهوية الوطنية للحزب ، وبرأي الشخصي أن سياسة الإخوان المسلمين هذه تعمل على توسيع الفجوة ما بينها وبين باقي التيارات والقوى السياسية الوطنية وباقي شرائح المجتمع الأردني الذي يرى بأن الحركة الإسلامية الأردنية لا تقوم على أسس المواطنة الحقة ، وإنما تقوم على أسس ربما لا تخدم الهوية الوطنية الأردنية ومصالح الوطن بالدرجة الأولى والسؤال المطروح : هل تتخذ الحركة الإسلامية هذه المواقف مدخلاً للوصول إلى السلطة عبر تعاطف الأردنيين وبالذات من هم من أصول فلسطينية ؟ وهل ملف القضية الفلسطينية وارتماء بعض قياداتها في أحضان حركة حماس أهم من هويتهم الوطنية الأردنية ؟ وهل الحركة الإسلامية تمثل بشكل فعلي نبض الشارع الأردني بجميع أطيافه أم تقتصر شعبيتها على الأردنيين من أصول فلسطينية ؟ وهذا طبعاً ليس تقليل من وطنية الحركة الإسلامية أو من باب التنظير عليها بل من مبدأ الرأي والتصور الذي يُبنى على ضوء الأقوال والأفعال والبيانات الصادرة عن الحركة وقياداتها .
وبما أن حزب جبهة العمل الإسلامي هو الحزب الأول والأقدم والمنظم والأكثر شعبية في المملكة ، فإن مواقفه من القضايا الداخلية والخارجية قد تشكل العقبة الأولى في إنتاج قوانين تضع السلطة بيد الشعب وعلى رأس تلك القوانين ( قانون انتخاب عصري ) وحكومة برلمانية وقانون أحزاب يرتقي بالحياة الحزبية في المملكة الأردنية الهاشمية ويحقق التوازن بين مصالح الدولة العليا والتطلعات السياسية والإصلاحية لإزالة أي تشوهات أو خلل تشريعي قد يحد من الطموحات السياسية لجميع القوى .
مع التأكيد هنا إلى أن القضية الفلسطينية هي السر المباح الذي يجمع بين كل الأردنيين بغض النظر عن منابتهم وأصولهم ، كيف لا والدماء الأردنية تناثرت على ذرات التراب الفلسطيني واختلط الدم الأردني بالدم والتراب الفلسطيني ، فالقضية الفلسطينية هي قضية كل أردني وفلسطيني سواء أكان من شرقي النهر أو غربه ، فلن يفرق بيننا نهر ولا بحر ولا حدود ولا صناديق انتخابات ، والهدف المشترك لكل أردني وعربي ومسلم هو استرداد القدس وفلسطين وعقيدتنا الإسلامية تقول بأن القدس أهم وأكبر وأجل وأرفع من أن تكون الجرح الذي يتباكى عليه حزب أو جماعة من أجل الوصول إلى السلطة ، وعليه فإن القضية الفلسطينية وأرضنا المحتلة ليست مدار نقاش أو بحث أو مزايدة جهة على جهة أخرى .
أوجه كلماتي هذه لكل الأردنيين فلا فرق عندي بين الشمال والجنوب والوسط ، كلنا أردنيين أبناء عشائر ومخيمات ، لكي نحقق هذه الأهداف علينا في المقابل أن نكون كلنا أردنيين على التراب الأردني ، في ولائنا المطلق للوطن وانتمائنا لترابه ، فكل من يحمل الجنسية الأردنية يجب عليه أن يكون أردنيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً ، لا يقدم أي مصلحة على مصلحة وطنه ، وبأن نحافظ على الوطن الذي احتضن إخوانه وأشقائه ولم يفرق بينهم وبين أبنائه ،الجنسية الأردنية ليست مجرد أوراق لتسهيل التنقل هنا وهناك وليست ممر لمن يحملها ، بل هي هوية وطنية أردنية على من يحملها أن ينتمي إلى الوطن الذي أعطاه حق المواطنة ، ولنكن يد واحدة وروح واحدة تحت راية وطن واحد ، ولتكن مبادئنا وأهدافنا وطموحاتنا ومواقفنا السياسية منبثقة من مواطنتنا وهويتنا الأردنية .
الهوية الوطنية الأردنية ملف بالغ الحساسية وكان من المفروض أن يتم حسمه من قبل الدولة وعلى رأسها النظام السياسي منذ سنوات طويلة ، بل أنه أهم بكثير من قانون الانتخاب ، لأنه المدخل الصحي لأي تشريع ناظم لحياة الأردنيين .