بقلم : د.ســفــيــان الـــتــل
01-08-2012 12:14 PM
لابد من إشارة سريعة إلى تاريخ تزوير الانتخابات البرلمانية في الأردن. وللاختصار نقول: إن جميع المجالس النيابية في الأردن باستثناء مجلس 1989 كانت مزورة، وبالتالي ففي الواقع العملي إن جميع ما صدر عنا من قوانين لم تمثل إرادة الأمة وإنما مثلت إرادة ومصالح الهيئات التي زورت تلك الانتخابات.
عندما تم التخطيط لتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني ، (والتخطيط يتم عادة قبل عشرات السنوات على الأقل) خططت نفس الجهة لإيجاد طريقة تضفي الصفة التشريعية, ولا أقول الشرعية, على تلك الاتفاقية. ولهذا الغرض كان لابد من عمل دراسة لمعرفة كيف ستكون نتائج الانتخابات لو تمت بدون تزوير، وبصورة أخرى لمعرفة أين هي مراكز الثقل الانتخابية وما هي القوى والدوائر التي تفرز القيادات الوطنية والتي ستقف ضد الاتفاقية. وفي هذا السياق أجريت انتخابات 1989 حرة ونزيه فعلا, وحصل الإخوان المسلمين على حوالي 27 مقعدا. كنت اعلم تماما في ذلك التاريخ أن هذه الانتخابات كانت فخا للقوى الوطنية بشكل عام والإخوان المسلمين بشكل خاص. وبما إنني احترم واجل حركة الإخوان المسلمين, فقد التقيت بعدد من رموزهم في ذلك التاريخ وكان من بينهم فضيلة المراقب العام الحالي الدكتور همام سعيد وشرحت لهم وجه نظري واستشرافي للمستقبل، والتي تلخصت في ما يلي:
1- إن لدى الولايات المتحدة الأمريكية علم يسمى جيري مندرينج Gerry Meandering وخلاصة هذا العالم: كيف يمكن من خلال قانون انتخاب وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إخراج الشخصيات الوطنية التي تتمتع بشعبية واسعة والتي يعتبر نجاحها مؤكدا في الانتخابات الحرة والنزيه،كيف يمكن إخراجها من اللعبة وإسقاطها او تحجيمها في الانتخابات.
2- إن على الإخوان المسلمين والقوى الوطنية الأخرى إن تمرر عبر برلمان 1989 قانونا انتخابيا يضمن النزاهة وعدم التزوير.
3- وإذا لم ينجحوا في ذلك, فسوف تقر السلطة التنفيذية قانونا للانتخابات التي تلي برلمان 1989بهدف تمرير قضايا مصيرية يرفضها الشعب وهي على درجة عالية من الخطورة وتهدد مستقبل الأمة.
4- إن السلطات التنفيذية ستشغل برلمان 1989 بسيل من التشريعات التي لا تتعلق بمصير الأمة، وبالتوازي سوف تروج إعلاميا للديمقراطية المتميزة في ذلك التاريخ حتى تقطع الطريق على المشككين في البرلمان القادم, الذي سيتم تزويره.
5- إن التزوير ليس فقط تزوير الهويات أو البطاقات الانتخابية أو وضع ورقات مزوره في صناديق الاقتراع, فهذه مرحلة من مراحل التزوير, يليها مرحلة أخرى وهي طريقة إعلان النتائج . أما التزوير الحقيقي فيبدأ بتزوير القانون والدوائر الانتخابية.
وقد تابعت هذه الرؤيا مع عدد من رموز الإخوان المسلمين والقوى الوطنية، وفيما إذا كانوا قادرين على تمرير قانون مناسب للانتخابات خلال برلمان 1989 . وكانت الإجابات تأتي دائما إننا كلما فكرنا أو حاولنا تقديم مشروع قانون نكتشف أن لدى السلطة التنفيذية قانون جاهز في الدرج.
بعد ذلك تم حل البرلمان, وبعد ثلاثة عشر يوما من الحل, أقرت حكومة عبد السلام ألمجالي قانون الصوت الواحد المؤقت. وكان واضحا من ذلك أنهم يريدون من البرلمان المزور الجديد أن يمرر امرأ خطيرا يرفضه الشعب وكافة القوى الوطنية, وكان ذلك الأمر هو اتفاقية وادي عربة.
قبل الإخوان المسلمون المشاركة في الانتخابات التي أسقطت عددا كبيرا من رموزهم بموجب القانون المؤقت الجديد, وكان يمكن لها أن تنجح لو كانت الانتخابات نزيه كانتخابات 1989
اقترحنا عليهم في ذلك التاريخ أن يقاطعوا البرلمان لان وجودهم فيه مع القوى الوطنية الأخرى يشكل أقلية رمزية (تعزز مسرحية الديمقراطية ) مقابل الأغلبية المزورة, ولا يمكن أن تمنع هذه الأقلية تمرير أمر خطير ترفضه الأمة. وان بقائهم في البرلمان يعطي البرلمان الصفة الشرعية, ويحرمهم مستقبلا من أي ادعاء إن البرلمان وقراراته غير شرعية ولا تمثل الأمة.
وهكذا سقط الإخوان المسلمين وغيرهم من القوى الوطنية البرلمانية في الفخ الذي نصبه نظام الحكم لهم، ومررت اتفاقية وادي عربة مكتسبة شرعية برلمانية بوجود معارضة رمزية.
كيف نتعلم الدرس وماذا نتوقع مستقبلا ؟
البرلمان المزور القادم سيمرر اخطر قضية في تاريخ الأردن، أنها اخطر من اتفاقية وادي عربة, وتتعلق بوجود الأردن بالكامل وتتلخص فيما يلي:
أولا: تفتيت الأردن وتقسيمه إلى 3 أقاليم جهوية, باسم اللامركزية, وبث الفتنة فيما بينها وتأليبها على بعضها البعض. ( وهو ما نبهنا له منذ سنوات )
ثانيا: تصفية القضية الفلسطينية, وخلق فتنة أردنية فلسطينية.
ثالثا: دمج (إسرائيل) في المنطقة والدخول معها في فدرالية على أشلاء فلسطين.
رابعا: إعطاء الشرعية البرلمانية لتحويل الأردن من منطقة فاصلة إلى منطقة واصلة, وجسر تعبر منه (إسرائيل) إلى العمق العربي ومنابع النفط.
كيف يمكن أن نوقف ذلك ؟
1- إن إعلان مقاطعة الانتخابات وحدها لا تكفي, لأن هذا سيعطى للهيئة الحاكمة وبرلمانها المزور فرصة ذهبيه لتمرير كل ما سبق.
2- الحل يكمن في إعلان تشترك فيه كافة القوى الوطنية, بان البرلمان المزور القادم غير شرعي, ولا يمثل الأمة, وان كل ما سيصدر عنه من قرارات أو اتفاقيات غير شرعية, ولا تلزم الأمة بشي.
3- الدعوة لتشكيل برلمان شعبي انتقالي يمثل كافة القوى الوطنية ليكون في مواجهة البرلمان المزور, ويشل حركته.
4- تشكيل حكومة ظل موسعة تشترك فيها كافة القوى الوطنية.
5- يلتزم البرلمان الشعبي وحكومة الظل بتركيز الأضواء على الدور الخطير الذي تقوم به قيادات الأجهزة الأمنية وفضح هذا الدور في تصفية الأردن ودمجه مع (إسرائيل).
رسالتي الأخيرة إلى الإخوان المسلمين الذين يعرفون إنني أحبهم واجلهم, واقدر تاريخهم النضالي, وحملهم السلاح والقتال من اجل تحرير فلسطين.
رسالتي إليهم : إذا لم يعلنوا عدم شرعية البرلمان القادم, وعدم شرعية كافة القرارات والاتفاقيات التي ستصدرعنه، فأنهم سيرتكبون خطأ تاريخيا لا يقل عن خطاء وجودهم في البرلمان الذي اقر اتفاقية وادي عربة.
والملاحظة التي لا بد من الإشارة إليها : إن هذا الموقف الذي أدعو إليه يختلف جذريا عن موقف الرئيس المصري محمد مرسي, والذي أعلن عن احترامه لكافة الاتفاقيات الدولية, فمرسي والبرلمان المصري ومن ورائهم الإخوان المسلمين لم يمكنوا أنفسهم من الحكم بعد, وعلاوة على ذلك فهم أمام اتفاقية موقعة كاتفاقية كامب دفيد, بينما نحن في الأردن أمام اتفاقيات ستوقع ويمكننا بالمقاومة منع ذلك.
وفي الختام أن ما اطرحه, هو رأي واستشراف للمستقبل يحتمل الحوار والخطأ والصواب. ولكنني أردت أن أثبته خطيا قبل فوات الأوان، والمستقبل القريب وحده كفيل بالحكم على صحة أو خطاء هذا الاستشراف.
والله من وراء القصد
عمان 14/7/2012
د ســفــيــان الـــتــل