بقلم : فلاح أديهم بني صخر
06-08-2012 12:35 PM
عملية الكمالية التي نفذتها الأجهزة الأمنية قبل عدّة أيام لم تعد سرّا , وليس سرّا التداعيات التي ترتبت عليها , والآثار الكارثية التي نتجت عنها , والتي أدت إلى استشهاد وإصابة عدد من أبناء الوطن من المواطنين ورجال الأمن , وبدأت تلوح في الأفق فتنة عشائرية بين بعض العشائر التي فقدت أبنائها بهذه الحادثة المأسوية .
الوقت أضيق من أن أضيعه في الحديث النظري عن أسباب العنف المجتمعي , وانهيار المنظومة العشائرية المنضبطة بالأعراف , والجهات التي أتبعت سياسة ممنهجة ليصل مجتمعنا الأردني المتحابّ المتآلف إلى هذه الحال التي تكاد تعيده إلى حال ما قبل الدولة , وقبل العشائرية , فنحن الآن أمامنا كارثة إن لم يسع الجميع لتطويقها فستؤدي إلى نتائج وخيمة تصبّ في مصلحة قوى الشرّ والطغيان والفساد , والخاسر فيها الوطن كلّ الوطن .
لذلك فإنني أتوجّه بهذا النداء لجميع الأحرار الشرفاء من أبناء الوطن وخاصّة أهل العقد والحلّ , وقادة الفكر والرأي للمسارعة بوأد هذه الفتنة وتطويقها عملا بقول الحقّ سبحانه وتعالى : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) وقوله عزّ وجلّ ((فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) , وقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) : ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة و الصدقة ؟ إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة )) .
والطريقة المثلى لتطويق هذه الفتنة تحتاج للقيام بالخطوات التالية :
1. أن يتداعى أهل العقد والحلّ من شرفاء الوطن وأحراره لاجتماع لتشكيل لجنة لحلّ هذه القضية من الشخصيات المسموعة الكلمة , والتي تحظى بالقبول الشعبي .
2. أن تقوم هذه اللجنة بزيارة جميع الأطراف من ذوي المصابين , وتهدئ نفوسهم , وتمتصّ غضبهم , وتقيّدهم بوضع ( وجه ) = كفيل من ذوي النفوذ والكلمة المسموعة لمنعهم من القيام بأيّ اعتداء كما جرى بذلك العرف والعادة , كما يكون ضامنا لحقوقهم المترتبة على ما وقع من جناية , ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الخطوة هي غير إجراء (العطوى) المعروفة التي تستلزم معرفة الجاني , واعتراف ذويه بالجناية , ومن الممكن استبدال هذا الإجراء بإجراء ( عطوى تفتيش ) إن قبل ذوي المجني عليهم فإن أبوا يصبح خيار ( إقامة الوجه ) هو الحلّ .
3. ونظرا لأنّه في مثل هذه الحالة يكاد يستحيل معرفة الجاني بشخصه , ونظرا لأنّه لا يجوز شرعا ولا عرفا ولا قانونا أن يذهب الدم هدرا فيجب أن تدفع الدية الشرعية للقتلى من قبل الدولة عملا بحديث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ((أَلاَ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وإني عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِى هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ أَوْ يَقْتُلُوا » , وفي قتلى بني عامر الناتج عن خطأ تقدير من قبل موظف فقال له (صلى الله عليه و سلم' : ' لقد قتلت قتيلين لأدينهما ' ومعلوم أنّ النبي صلوات الله وسلامه عليه قد فعل ذلك بصفته رئيس الدولة وولي الأمر , ولا بأس من يقوم وجهاء الأردن من ذوي اليسار لإحياء سنة حميدة كانت عند العرب القدامى ألا وهي ( الحمالة ) فيحملون الديات أو يساهموا فيها لإصلاح قومهم .
4. يجب استغلال هذه الحادثة لإعادة تصويب الأوضاع التي أدت إلى تفشي ظاهرة العنف المجتمعي ومعالجة الأسباب الجذرية التي أدّت لذلك والتي منه أبرزها : التسيب الأمني , والضعف الفاضح في أداء المؤسسات القضائية , والمؤسسات التربوية والعلمية , وعرقلة العمل الحزبي مما أدّى إلى عودة غير حميدة للحال عمّا كان قبل الدولة تمثّل في بعث القبلية من قبل جهلة لا يعرفون أصولها وأعرافها فبعثت قبلية متوحشة مجردة من أعرافها ومنظومتها القانونية الرائعة وأخلاقها العالية، إذ ظن هؤلاء أن القبلية تعني الظلم والقسوة وسفك الدم وعدم الخضوع للحق وجهلوا أنها كيان اجتماعي إنساني تخضع لأنظمة وأعراف ومفاهيم لا يملك العاقل الذي يطلع عليها ويدرك أسرارها وحكمها إلا أن ينحني لها إجلالا ..... نعم يجب الوقوف بحزم أمام ظاهرة إعادة إنتاج الهويات القاتلة من قبلية وفئوية وجهوية والتي يراد منها تفكيك الوطن ليتحوّل أهله إلى مجرد سكان لا مواطنين يقبلون بما يفرض عليهم من قبل قوى الشرّ والطغيان العالمية .
أمّا ما هي الطريقة المثلى للحل الجذري لمثل هذه الحوادث فهذا أمر أتركه للمعنيين بهذه الشؤون ليتمّ بحثها لاحقا , وبعد إغلاق هذه الفتنة التي تشتعل الآن .
وإنني أعرف أنّ مثل هذا الطرح لن يعجب الذين يعيشون في أبراج عاجية إذ يعتبرونه تكريسا للعشائرية , وتهميشا للقانون , ويرون بأنّ تطبيق القانون وتفعيله كاف لحلّ مثل هذه المشكلة , فنضيع بين عقلية ( السرايا ) وعقلية (القرايا) أو عقلية ( القلعة ) وعقلية ( التلعة ) , وتكون النتيجة مزيدا من المآسي والكوارث لأنّه على مرّ التاريخ تكون القرايا هي صاحبة الكلمة الأخيرة , ومهما يكن من أمر فالوقت كما قلت أضيق من أن نضيعه في سجال غير مفيد ونحن أمام تداعيات قضية بهذه الخطورة .
أكرر نداء الاستغاثة لكلّ حرّ شريف من أصحاب الجاه والنفوذ أن يقوموا بما يوجبه عليهم الدين , والضمير , والخلق , والإنسانية تجاه إخوانهم الذين أزلّهم الشيطان فوقعوا في هذه المحنة التي لا يجهل تداعياتها إلاّ جاهل ولا يتجاهل خطورتها إلاّ حاقد متآمر ........ فالله الله في المرابطين من أبناء المجاهدين من أبناء العشائر الأردنية التي كانت وما زالت درع الوطن , وسيفه ........ الله الله في شباب كانوا ضحية إفساد ممنهج من قبل الذين هم شرّّ من الذين قال الحقّ في وصفهم : (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )) ؛ لأنّ أولئك أفسدوا من حيث لا يشعرون , وهؤلاء أفسدوا عامدين متعمدين ليقطعوا ما أمر الله به أن يوصل , ويمزقوا روابط مجتمع كان مضرب المثل في الحبّ والتآلف والتعاون , فلا نقول إلاّ حسبنا الله ونعم الوكيل .
.