بقلم : سامي الأخرس
07-08-2012 10:44 AM
الإرهاب لا دين ولا ملة له، إلاَّ دين وملة الاستعمار العالمي منذ بدء التاريخ، حيث يستخدمه مورقة وإدارة يحقق بها أغراضه وأهدافه، خاصة في حالات الفوضى والفلتان، ولا يعير الإرهاب والاستعمار معًا أهمية لضحايا الإرهاب، بل هم يخضعون لعملية انتقائية عمدية، وجل ضحايا الإرهاب من عامة الشعب أو المتعبدون في أماكن دينية، أو أهداف اقتصادية حيوية تخدم عامة الناس، أو أفراد قوات الجيش وخاصة أن كان لهذه المؤسسة عاطفة في الوجدان الشعبي كالحالة المصرية التي يحتل بها الجيش المصري حالة وجدانية لدى الشعب المصري.
إذن فقوى الإرهاب ومنذ بدء التاريخ لم تخدم أجندة وطنية، ولا يمكن لها أن تخدم أجندة وطنية، لأنّها خلقت وكونت ضد الوطن والمصالح الوطنية، ومهمتها الأساسية ضرب مصالح الوطن سواء مباشرة أو غير مباشرة، وهي أدوات مساعدة لخدمة الدعاية الاستعمارية والاحتلالية، كما حدث بعملية تصفية'ارغوني' في غزة، والعديد من العمليات أخرها ما حدث أمس ضد أفراد الجيش المصري في رفح.
واللافت أن الإرهاب وقواه وليد التعصب والتطرف، وهما حالتان متلازمتان لا يفترقان عن بعضهما البعض، ولذلك دومًا يصطنع الإرهاب بالحالات الشوفونية أو الدينية بما أنّها بيئة خصبة الاستقطاب الشباب المندفع والمتهور، والمتعصب الذي يخضع لعملية استقطاب استغلالًا لعاطفته الدينية او للبيئة المتخلفة التي يعيش فيها، والمنغلقة، أو لسوء أحواله النفسية والمعنوية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم إجراء عملية غسيل أدمغة مبرمجة يتحول بها الإنسان لمجرد آلة ميكانيكية تتحرك حسب ما يملي لها وعليها، وهي الحالة التقريبية التي يمكن ان تؤكدها الأدوات التي نفذت الجريمة ضد الجنود المصريين.
فما حدث بالأمس هو جريمة، وتصنف تحت بند الجرائم الكبرى المنظمة التي لا يمكن لمجموعات صغيرة ومشرذمة أن تنفذها خاصة وأنّها في مواجهة جيش منظم مدرب مثل الجيش المصري، بل هي مجموعات مدربة ومسلحة ومخطط لها جيدًَا، ومدعومة لوجستيًا لكي تستطيع تنفيذ مثل هذا العمل الذي يستغرق وقت طويل لأجل تنفيذه بهذا الشكل، وهو ما يؤكد سرعة في التحرك والأداء من قبل الإرهاب، قابله بطء في الحركة من قبل الإمدادات للجيش المصري الذي أدى في النهاية لمثل هذه الخسائر البشرية الكبيرة.
هذه الجريمة لم تأت عشوائية أو لمجرد عملية ثأرية من الجيش المصري، أو لما ذهب البعض بالقول أنّها ضمن عملية لضرب الأهداف الإسرائيلية، فأي عملية تستهدف ضرب العدو الصهيوني لا يمكن لها أن تلوث بالدم العربي عامة، والمصري خاصة، بل هي جريمة إرهابية بكل ما تحمله الكلمة من معاني، لا يمكن استصاغه أن إنسان مقاتل ومجاهد، يلوث يده بدم عربي ومسلم بشهر فضيل لأجل أن يضرب عدوه، فضرب العدو لا يتم بدم أبناء الجيش المصري.كما لا يمكن أن يقوم فلسطيني على وجه هذه البسيطة بالاعتداء على عربي أو مسلم تحت مسمى المقاومة، والجهاد وخاصة أفراد الجيش المصري، الذي لا زالت دماؤه تطهر وتشرف ارض فلسطين، ولازال شعبنا الفلسطيني حتى الآن لم يدنس طهارة بندقيته بدم عربي او مسلم، فرغم كلّ ما تعرضت له الثورة الفلسطينية في الأردن ولبنان والدول العربية لم تسجل حادثة واحدة بالاعتداء على الجيوش العربية أو الشعوب العربية، بل أقصى ما فعلته اغتيال لبعض الشخصيات السياسية التي ساهمت في ذبح الفلسطينيين، وهي حالات معدودة لم تتعد واحدة أو اثنان وانتهت الثورة عن الاستمرار في ذلك حفاظًا على مصالح الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية.
كما أن جريمة الأمس تضر أيّ طرف سوى الطرف الفلسطيني فقط، وخاصة أبناء غزة الذين يعيشوا في حصار صهيوني منذ عام 2006، وتغلق كلّ المعابر أمامهم، ولا يوجد أيّ منفذ لهم سوى الأنفاق التي تربطهم مع مصر، وتعتبر شريان الحياة الاقتصادية لهم، ومعبر رفح نافذتهم الوحيدة على العالم الخارجي، وكذلك معبر كرم أبو سالم الذي يتم من خلاله تزويد غزة ببعض البضائع، وبالنفط القطري الذي يغذى محطة توليد الكهرباء في غزة، كما أنّها أيّ مصر المنفذ الأوحد للجهة التي تسيطر على غزة(حماس)، فهل من المعقول ان تقوم جهة فلسطين بنتنفيذ مثل هذه الجريمة النكراء؟!
أما على المستوى المصري، فرغم جسامة الجريمة وألمها، إلاَّ أنّها جريمة لا يمكن أن تشكل تهديد للأمن القومي المصري كما ذهب البعض في تحليلاتهم، فهل الأمن القومي المصري الذي جابه وواجه مؤامرات دول كبرى في وجهها، يمكن أن تهزه مثل هذه العصابات المدفوعة والمجندة؟ وهل مصر رغم حالتها الأمنية غير المستقرة بعد ثورة 25يناير بهذا الضعف لكي يهز بعض الإرهابيين أمنها القومي؟
مصر رغم حالتها الأمنية الصعبة هي دولة مؤسسات لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تهزها جريمة هنا وأخرى هناك، رغم مؤثراتها وآلامها، إلَّا أنّها لا يمكن أن تهز الأمن القومي المصري الذي يمتلك مؤسسة عسكرية قوية جدًا، ومن المؤسسات المميزة في المنطقة بل وعلى المستوى العالمي، فالمؤسسة التي عبرت القناة ودحرت العدو لا يمكن أن تهتز أركانها أمام بعض العصابات المجنده لمهمات تحزيبية. كما أن مصر تمتلك جهاز استخباراتي يعتبر من أفضل أجهزة الاستخبارات العالمية، وخاصة معارك كبيرة على المستوى العالمي، ورغم القصور الواضح في عدم قدرته على منع مثل هذه الجريمة، إلَّا أن طبيعة الوضع الأمني العام في مصر، وكذلك طبيعة وضع سيناء خاصة يؤثر على عمل جهاز الاستخبارات المصرية، وربما هو احد أسباب فشله في عدم كشف ومنع هذه الجريمة قبل وقوعها.
فدولة تمتلك مثل هذه المؤسسات العسكرية والأمنية لا يمكن أن تهز أمنها القومي بعض العصابات أو بعض الضربات هنا وهناك، وان كانت موجعة إلَّا أنّها سرعان ما يتم التعافي منها، وعلاجها.
بعد هذا الشرح المقتضب من الجريمة وأثرها على الصعيدين الفلسطيني والمصري، يبق السؤال الأهم، من المستفيد منها، ومن منفذها؟!
منفذها ليس محل اهتمام أو أهمية بما انه وبغض النظر عن هويته الشخصية وجنسيته فهو أداة من الأدوات الإرهابية التي ترتبط بالاحتلال والاستعمار، وهو طابور خامس يتواجد في كل المجتمعات، وخاصة التي تعيش في حالة صراع وتوتر، ومحل استهداف كمنطقتنا العربية التي تعتبر محل استهداف دائمة ومستمرة، وكذلك غزة وفلسطين اللتان هما الشغل الشاغل لاستهداف أجهزة الاستخبارات الصهيونية بكل تشكيلاتها وعناوينها ومسمياتها، وكذلك هي الشغل الشاغل للمستوى السياسي والعسكري الصهيوني بكل مستوياته؟، وتلاحقه في كل مكان، وتحيك ضده المؤامرات، فهي استطاعت أن تضرب تواجده في الأردن وتتآمر عليه، كما أنّها استطاعت أن تضرب تواجده في لبنان وتتآمر عليه، وكذلك استطاعت أن تتآمر عليه في العراق وتضرب تواجده، وها هي قبل أيام تأمرت عليه في سوريا وضربت تواجده ولازالت تفعل، وكلّ ما سبق وتناولناه مهد له بعمليات شحن شعبي وسياسي ضد الفلسطيني، وخلق حالة عداء شعبي من الدول المقيم بها، ومن ثم ذبحه وتهجيره، وهي نفس الحالة التي يتم تنفيذها بدقة وحنكة الآن مع مصر، استغلالًا لبعض المتساقطين الفلسطينيين، وأبواق الفتنة المتصهينة في الطرف الأخر، فان كانت الكتائب المسيحية نفذت مذابحها في لبنان، وكتائب الطائفية نفذت مذابحها في العراق، وكتائب الحقد في سوريا، فان كتائب التصهين في مصر بدأت تسق سيوفها لذبح الفلسطيني في مصر وغزة.
أيّ أن المنفذ وشخصيته لم تعد مهمة، بل الأهم المنفذ والمستفيد من هذه الجريمة، الذي حاول بكل جهده أن يشغلنا منذ أسبوع بأنّه يتلقى تحذيرات ساخنة، وأمر مواطنيه بمغادرة سيناء فورًا، وطرد موظفي معبر كرم أبو سالم يوم الجريمة، وكذلك صعد المواجهة في غزة باغتيالاته وتوتير الوضع مع الفصائل الفلسطينية، أضف للأهم أن رصاص الإرهاب جاء بردًا وسلامًا على جنوده، ومضف المدرعة التي استولى عليها الإرهابيون، فهل يصدق عاقل أن عناصر المقاومة يهاجموا العدو بمدرعة لتنفيذ عملية مسلحة، وهم من أهم عناصر نجاح عملياتهم التستر من أمن العدو وأجهزته؟!
إذن فمن صاحب المصلحة الأوحد من خلق حالة توتر دائم في سيناء المحروقة من الجيش المصري، ومن مشاريع التنمية بفعل معاهدات كامب ديفيد عام 1979 أيّ منذ ثلاثة عقود ونيف، وعليه دفع مصر للتغاضي عن عدوانها الأمني والعسكري الدائم ضد السيادة المصرية، وأخرها ما مارسته بالأمس من قصف داخل الأرض والسيادة المصرية بحجة ملاحقة الإرهابيين، فانا على ثقة أن هؤلاء المجرمون لم يقتربوا من الحدود الفلسطينية، وان هذا العدو(الإسرائيلي) كان ينتظرهم ويعرف بهم، وترك لهم المساحة لفعل جريمتهم، وما ضربه لبعضهم سوى غطاء خداعي فقط.
فالمطلوب منا إدراك خلفيات وأهداف هذه الجريمة النكراء، وأننا على يقين أن المستوى السياسي والأمني والعسكري المصري يدرك ذلك، كما يدركه الجانب الفلسطيني جيدًا، وهو ما يتطلب تعاون في كلّ المجالات لملاحقة هذه الأدوات وكشف من خلفها، ومحاسبته بحجم جريمته وفعله، سواء كان مجموعات أو دول أو جماعات.
كما على الشعبين المصري والفلسطيني إدراك أهداف هذا الفعل، وتفويت الفرصة على أصحاب الأقلام الصفراء والمأجورة الذين يحاولون استغلال هذه الجريمة لخلق حالة فتنة بين الشعبين المصري والفلسطيني الذي يربطهما روابط وعلاقات متآصلة وممتدة لا يمكن لأحد أن يؤثر بها، ويمسها، ومهما فعلوا لن يخلقوا حالة عداء بين الشعبين الفلسطيني والمصري، فكما فشلوا في ذلك مع الاردنيين واللبنانيون والعراقيون والسوريون يضرهم الفشل أيضًا مع الشعب المصري.