بقلم : سامي الأخرس
09-08-2012 11:02 AM
من تخيل أو توقع أن يأتي يومًا ويرى به شعب عربي يمزق الراية الفلسطينية أو الكوفية الفلسطينية التي ذهب لأجل كرامتها آلاف الشهداء والأسرى والجرحى، وهدمت البيوت على رؤوس سكانها، والمدن على من فيها لأجل أن تبقى هذه الكوفية تعانق الكرامة والمجد؟
لم يتخيل ذلك المشهد أكثر بني صهيون تفاؤل بدءًا من هرتزل حتى نتنياهو، ولم يتوقع أن يقوم بهذا الفعل خاصة الشعب المصري الذي روى بدماء أبنائه وشهدائه أرض فلسطين، واكتوى بنيران الصهاينة الذين احتلوا أرضه وقتلوا أبنائه وأطفاله ولا زالوا، هذا الشعب الذي كان بالأمس القريب يعتبّر فلسطين جزء منه وهو جزء منها، هذا الشعب الذي كان يبكي لبكاء فلسطين، ويتألم لألمها، وحملها همًا في كلّ ثوراته وأخرها ثورة 25 يوليو.
هذه الكوفية التي يتمنى كلّ العرب والمسلمين أن يزفوا وهي تغطيهم، لأنّها رمز الكرامة المهدورة، ورمز الفداء العربي الغائب منذ قرن، والتي لم تغب عن ذهن الطفل العربي منذ ولادته حتى شيخوخته، فها هي اليوم تمزق وتهان بفعل الأدوات الصهيونية الإعلامية التي عزفت وعملائها على وتر فقر الوعي لدى شعوبنا العربية، وزجت بفلسطين خصمًا وعدوًا وأبرأت إسرائيل، وجعلتها بعيدة عن غضب الشعوب.
إنّه انقسامكم الذي جعلنا سخرية وتلاعب بقضيتنا وهوى بها لأسفل السافلين، في ذهن الفلسطينيين والعرب عامة، وتحقق ما لم يحلم به هرتزل وما لم تحلم به ' إسرائيل' مطلقًا، ومُزقت الكوفية، وتمّ ملاحقة الفلسطيني، ومعاقبته وإهانته بعدما كان رمز هذه الأمة وكرامتها.
لن نلوم الشعب المصري أو بضع أفراد من الشعب المصري لفعلهم، ولكن لومنا لأنفسنا وانقسامنا الذي هتك عرضنا ومزق شرفنا، وجعل من دماء الشهداء ماءً، وحول أنين أسرانا لعزف على سيمفونية التشفي، والتطاول.
لا نجد ما نكتب به حول المشهد المؤلم الذي هيئ له انقسامنا وأكمل مسلسلة الإعلام المصري الذي صال وجال مكررًا معركة الجزائر الوهمية قبل عدة أشهر ليحولها ضد غزة وأهل غزة، دون أيّ ذنب سوى إكمال دور ' إسرائيل' واستكمال مخططها، ودون أن يثبت أن للفلسطينيين يد بالجريمة التي نالت من دماء شبابنا أبناء الجيش المصري برفح بالأمس، بل لمجرد تسويق خبائث أيتام إسرائيل وأرامل نظام سابق أراد لغزة أن تبقى محاصرة ومعذبة ومضطهدة، وفاءً لاتفاقياته مع العدو، ودون البحث عن الحقيقة التي لا تحتاج لبحث أو إيضاح، ولو سلمنا أن من شارك بهذه الجريمة فلسطينيين وهو ليس صحيح، فهل هؤلاء يمثلون شعب فلسطين، وهل هؤلاء حجة على فلسطين، وهل هؤلاء من فصائل المقاومة الفلسطينية؟ أسئلة كثيرة توضع على طاولة الشعب المصري وإعلامه، لكي تتضح الصورة لعامة الناس المغرر بهم، من يساقوا خلف وسائل إعلامية متصهينة، لم تنبث بحرف عندما كانت ' إسرائيل' تقتل من الجنود المصريين ما تشاء في سيناء، فيدعوا لضبط النفس والتروي من أجل اتفاقيات كامب ديفيد، أما اليوم فأصبحوا أبواق للتحريض ضد الفلسطينيين وغزة دون وجه حق بل لتضليل الرأي العام المصري، في حين أنّهم صمتوا منذ أكثر من عام وسيناء تغرق بالأسلحة من كل فج وميل، وتغاضوا عن تحذيرات شيوخ القبائل للأمن المصري أن هناك قوى إرهابية تسيطر على سيناء، وصمتوا أمام مقتل 73 شاب باستاد بورسعيد، وكثير من الأحداث بل كلّ أبواقهم صبت ضد الفلسطيني، فتارة يدعوا أنّه فجر كنيسة مصرية، وأخرى يدعو أنه اقتحم السجون أثناء ثورة 25 يناير، وأخرى أنّه يتلاعب بالأمن المصري وصوروا للشعب البديهي المصري أن غزة أصبحت دولة عظمى تمتلك أسلحة ووسائل قتالية، وأجهزة استخبارات، يمكنها من فعل كلّ ذلك، في حين أن غزة لا تستطيع الدفاع عن أهلها ضد هجمات الاحتلال واعتداءاته المستمرة، غزة التي لا تمتلك إلَّا بندقية في مواجهة أساطيل العدو ومؤامراته، غزة المحاصرة منذ خمسة أعوام، والتي لا يمكن لها أن تفعل شيء سوى البحث عن الحياة.
نعم إنّه ليس ذنب هذه الثلة المتصهينة العميلة بل هو ذنبنا نحن الذين وفرنا الأجواء لهؤلاء الخفافيش الذين كانوا يركعوا ويصلوا للفلسطيني حافظ كرامتهم، وسمحنا لهؤلاء الثلة الموتورة بأن تعبث بالكوفية الفلسطينية دون وجه حق بانقسامنا المخزي واللا وطني الذي حولنا لعبيد في سوق التفاهات وإعلام العملاء المتصهيين.
ورغم هذا السلوك من أخوتنا المصريين إلَّا أننا نؤكد إننا لن نتخلى عن عروبتنا وأخوتنا مع مصر الحبيبة والشقيقة، وأننا سندافع عنها كدفاعنا عن فلسطين، وأن همها وألمها همنا وألمنا، وأن هؤلاء المتصهينون لن ينالوا من تآلفنا مع أهلنا في مصر، بل يجب علينا أن نصب جل غضبنا على من سمح بذلك وجعلنا مطية للمتصهينيين هم رواد وفصائل الانقسام الوطني، فعلينا أن نثأر منهم ونغضب عليهم ونقيم الحدود الوطنية بحقهم.
إنّها فلسطين التي لن ولم تركع وتتأثر بإعلام متصهين ومؤامرات صهيونية وستبقى ضاغطة على زند الكرامة العربي، فاتحه ذراعيها لكلّ عربي ومسلم على وجه البسيطة، وقبلة لكلّ أحرار وشرفاء العالم.