نتذكر جيدا أزمة أكثر الأنظمة العربية عشية الحرب الأفغانية والتي كان احتلال السوفييت لأفغانستان فرجا لها، ويستحضرني مثل شعبي يقول (موت الحمير فرج للكلاب)، وكعادة الانتهازية وبراعتها في استغلال الظروف، حتى لو كانت مُعادية والفن في تحويلها إلى فُرص مواتيه، فبدل أن كنا ننتظر زحفا جهاديا تحريريا نحو القدس عموده الفقري شباب مسلم متحمس، يهوى مقارعة الصهاينة ويتوق شوقا للاستشهاد على أسوار الأقصى أو في ثورة داخلية تحريرية ضد أنظمة الوكالات الاستعمارية، وإذا بمنادي الجهاد والرجعية العربية ينادي ملوحا أن حيا على الجهاد ولكن الجبهة شرقية والحرب قذرة في قفار أفغانستان وجبالها والفلوس خليجية.
نتذكر جيدا المزاج العام السائد في مجتمعاتنا العربية، نتذكر كيف أن المحاصرين سياسيا من التيارات الإسلامية، سُمح لهم في لحظة عسلٍ مع الأنظمة وبأوامر أمريكية أن يعتلوا منابر المساجد ويدعون للجهاد ويستبسلوا في وصف الكرامات والملائكة في مقارعة الشيوعية، وأذكر أحدهم خطيبا مفوها قلما يخلع بسطاره تيمنا بالشهيد المرحوم عبدالله عزام - وشتان بينهما - حينما يعتلي المنبر وفي خطبة الجمعة يتكلم بكل ثقة كيف أن الطيور تقاتل مع مجاهدي أفغانستان وتحالف الشمال، كيف أن الأبابيل وحجارة السجيل تُبلي بلاءا حسنا، أما عن جبريل عليه السلام كيف كان يجتمع مع المجاهدين، فحدث ولا حرج، فنسي الجميع أن لنا قضية وخصوصا هنا في شرقي النهر قضية غربية لا شرقية، وإذا ما انبرى احدهم منبها ومذكرا بفلسطين وأنظمة العفن الهمجية، يُرمى بتهمة التشيع أو الشيوعية ويُقام عليه الحد أو يُصادر جلده بتهمة الردة عن مناصرة الرجعية.
ألغريب أن جبريل لم يجتمع مع الثوار في تورا بورا وطير الأبابيل لم تُحلق في سماء أفغانستان حينما أحال بوش الصغير قفارها وجبالها إلى خراب على خراب، وسارع شيوخ السياسة والجهاد إلى الوقوف تبريرا مع تحالف الشمال، تحالف مسعود أسد باشير وصديق فرنسا وواشنطن ضد طالبان،وتركوا أبطال أفغانستان مكشوفي الظهر طرائدا للعم سام ولم يُعلن الجهاد في مكة ولا في دوحة الصبيان ولم نسمع عنه في عمان، ولم يصمد إلا قلة قليلة من الأفغان والعرب الأفغان من رفاق القاعدة والملا عمر ولغاية الآن.
ما أشبه الأمس باليوم وكيف أن فلسطين ملغاة من قاموس مجاهدي الربيع العربي، ما أشبه مزاج اليوم بالأمس، فحاول فقط أن تقول أن ما يجري الآن في سوريا - وبغض النظر عن الموقف من النظام- ليس في مصلحة الأمة، كل الأمة، وليس في مصلحة القضية المركزية الإسلامية العربية، وإن الدم المُساح ثمن غالي جدا لوصول أصحاب الفضيلة شيوخ السياسة والجهاد إلى الكراسي ، وان من يتشبث بالكرسي ليس أكثر سوءا من الذي يذبح الشعب ويزج به إلى جهنم ثمنا لوصوله للفردوس –فردوس السلطة – فحاول أن تتفوه بهذا لتُرمى بالعمالة للنظام السوري وحتى لو كنت لا تطيق له خبرا، وأدهى من ذلك أنهم اعتلوا منابر المساجد من جديد – منابر الرسول المتسامح الطيب الرءوف الكريم الرحيم – ليصدروا أحكاما على فئات المجتمع ومناضليه وليصدروا صكوك غفران، وبالأمس أتهم احدهم عالما جليلا بحجم الشيخ محمد سعيد البوطي بالردة، وكأني بالخطيب المفوه يحمل في جيبه ختم الدابة، يختم به على جباه الناس، مُسلم ... أو كافر!، وكأني بهذا الديك يحاول أن يبيض على المنبر، كأني به يُعتقد أنه مع تميم الداري والدابة على موعد.
إنها فتنة وأي فتنة؟!... الحليم فيها ورطان والتافه يعتلي المنبر ويزرع الفتنة ويوزع صكوك غفران، اليوم في دمشق وفي حلب وغدا في الكرك أو اربد والقوم ضربوا موعدا في جبال عمان، فهل لوزير الأوقاف أن يصحو من سُباته ويجنبنا الإرهاب والفتن!؟.
د.م حكمت القطاونه tel: hekmatqat@yahoo.com