بقلم : عبد الحليم المجالي
03-09-2012 12:29 PM
لمن تتاح له الفرصة من العرب الاتصال المباشر مع الامريكان في عمل او دراسة او دورات تدريبية يجد المجال الواسع لتبادل الاراء والاسئلة والنقاش في اجواء متذبذبة بين الود احيانا والشكوك والكره في اغلب الاوقات . التذبذب مرده الى طبيعة النظرة العربية الى امريكا كدولة وادارة منحازة الى العدو الصهيوني , والنظرة العربية الى امريكا كمجتمع منفتح وربما ودود طيب , والنظرة العربية الى امريكا كمصدر ثري للثقافة والكم الهائل من الافلام والدراسات والمرجعيات في شتى مناحي الحياة , تجعل منها قدوة للتقدم والنجاح . لاينكر اي عربي رغبته بالسفر الى امريكا والتجنس بجنسيتها وتدريس اولاده هتاك لضمان تعيينهم بالجامعات العربية ومع ذلك عندما نكتب عنها نصب عليها جام غضبنا وكانها الشيطان الاكبر . في مثل تلك الاجواء اتيحت لي الفرصة للعمل مع شركة امريكية في بلد عربي صديق حميم لامريكا, كانت طبيعة العمل تتطلب منا قضاء اوقات طويلة معا بالعيش في معسكر او بانتظار عودة دورية متدربه خرجت ليلا لاداء مهمة ما ,كان التحفظ والزمالة والمجاملة احيانا والخوف من التسفير عوامل تجعل من نقاشاتنا واسئلتنا مقيدة بحيث لاتثير مشكلة او شططا من نوع ما . التدين والمبالغة فيه وتاثير ذلك على التدريب والتقيد بالوقت واستغلاله كانت تثير اسئلة وملاحظات من قبلهم فمثلا قضاء بعض المتدربين وقتا طويلا قبل الصلاة للاستعداد لها وبعدها يثير سؤالا هل الصلاة خمس مرات ضروري ؟.كان لظهور جربوع وانصراف الجميع لصيده مهما كان الموقف حتى ولو كانت القطعات على خط البدء يثير السؤال والتندر على حد سواء . قلت يوما لاحد الزملاء الامريكان ليتني اعرف كيف يفكر الامريكي ,كان رد فعله على غير ما اعتدت عليه من الاسئلة الاخرى , اهتمام زائد بالسؤال اشعرني باهميته استغرق الجواب وقتا بعده مباشرة, كان الرجل يختار كلماته بدقةمتناهية واشعرني بان سؤالي يدل على حنكة وخبرة وفيه خبث من نوع ما لخصوصية النظرة العربية الى بلده امريكا. من هذا المنطلق واهمية التفكير في الحياة اطرح سؤ الي كيف يفكر الاردنيون؟
ليس بالامكان وليس مطلوبا تناول الموضوع بشكل كامل في مقال ولكن من المهم الاشارة الى هذا الموضوع وتناوله للتنبيه الى نقاط مهمه وخواطر تمر بنا كمواطنين اردنيين تعكس قلقنا من الحالة التي وصل اليها الاردن , اذاكانت القاعدة تقول لاخير في عمل لايسبقه تفكير فهل اعمال دولتنا تحمل من الخير ما يؤكد انها جاءت بعد تفكير وروية ام بعد فزعة وارتجال ؟. يكابر عدد من المواطنين ويصر على ان الاردن بخير ولكن ما تعكسه مجالسنا واحاديثنا وما يكتب على وسائل الاعلام المختلفه يكذب ذلك .كاتب ليبرالي او يساري مثلا كتب مؤخرا حول قرارات للحكومة الاردتية تدل على انها لاتفكرفي قراراتها : رفع الاسعار,تعينات بالواسطة والمحسوبية , العبث باموال الضمان اموال الطبقة العاملة والموظفين ,قوانين تحد من الحرية الصحفية. كاتب آخر وصف الحكومة بانها حكومة تأزيم ودلل على ذلك بان المجتمع الاردني يعيش ازمات متلاحقه ولا يدري الى اين المصير ؟ كثير من المواطنين يدعو جهارا نهارا الى عدم التفكير لان ما يجري حسب ما يرون خارج اللامعفول , في اقل من سنتين خمس حكومات وخمسة وزراء اعلام من خارج الوسط الاعلامي الوظيفي المتخصص , اين المؤسسية واين العمل التراكمي؟ وهذا يقودنا الى سؤال اين المصلحة الوطنية العامة في اسس تفكيرنا ؟ المتتبع لاجواء العمل في الدولة الاردنية والمجتمع الاردني يجد اننا نعيش عرض الرجل الواحد او مسرحية بطلها شخص واحد one man .
الموضوع الساخن على الساحة الاردنية الان هو الانتخابات النيابيه وقانونها الذي مر بالمراحل الدستورية وتم اقراره ولو ان هنالك من يامل بتعديله او الغاءه ,الطريقة التي يتعامل بها المواطنون الاردنيون مع هذا الموضوع قد تكون المقياس الحقيقي لقياس مدى الوعي الاردني في التفكير. المراقبون من خارج المجتمع الاردني المأخوذ بالتفاعل الانفعالي وعدم وجود فرصة للوقوف والتامل يرون ان هذا الموضوع لا يستحق كل هذا الجهد والوقت والاختلافات والخلافات والمناكفات , ويرون لو ان المجتمع الاردني متكافل متكافيء ومثقف ديموقراطيا لما اتسع النقاش واتخذ منحى التشكيك وفقدان الثقة المتبادله وكان من الممكن ان يمثل الشعب الاردني اي شخص منتخب منهم على اساس انهم كلهم عدول وموضع ثقة , وحسب اي قانون . جماعة الاخوان المسلمون وحزبها وهم الطرف الاكثر معارضة للقوانين عامة وقانون الانتخابات خاصة هم من يسخنون الموقف ويرفعون الاصوات ويزيدون من حدة النقاش الى درجة ايصاله الى حد الجدل العقيم بالتعاون طبعا مع ردود الافعال من الاطراف الاخرى التي ترى ان مصالحها لا تتفق مع مصالح الجماعة وحزبها . ليت ان المجتمع الاردني وغالبيته من المسلمين ينظر الى الحديث الشريف الذي يقول ' المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم وهم يد على من سواهم ' .... المسلمون طبعا بدون طوائف وجماعات ومسلمون اخوان ومسلمون من غير الاخوان . حتى لااظهر بمظهر احمل فيه الاخوان كل المسؤولية عن هذا الجدل ارى واعتقد جازما اننا نعيش حقبة تاريخية فاشله يتحمل فيها الاسلاميون واليساريون والقوميون والاغلبية الصامته والعشائريون المسؤولية والمطلوب من الجميع مراجعة مواقفهم والخروج من خنادق تعصبهم ليلتقي الجميع على كلمة سواء .
للوقوف على ظروف وملابسات الانتخابات النيابية الاردنية لابد من الرجوع الى بداية المرحلة الديموقراطية الحالية التي بدأت مع انتخابات 89 وبعد توقف دام سنوات طويله , العودة الى تلك البداية وما ترتب عليها من معطيات واقعية اثرت في كيمياء التفكير الاردني جديرة بالدرس والتحليل . في تلك الانتخابات لم يكن الحدث الابرز نجاح التيار الاسلامي بل سقوط رموز عشائرية اردنية لملمت صفوفها بعد تلك الانتخابات وسعت الى وضع قانون الصوت الواحد , من صفات ذلك القانون انه ضيق الدوائر واوجد الحقوق المكتسبة لتجمعات عشائرية بمقاعد خاصة بها اصبح من الصعب المس بها, بقيت تلك الحقوق المكتسيه ودعمها عشائريا العامل الاكثر تأثيرا فيما تلى تلك الانتخابات وتكسرت على صخرة تلك الحقوق المكتسبه كل المحاولات لالغاء الصوت الواحد وجرت جميع الانتخابات بعد ذلك حسب قوانين مؤقته تعتمد الصوت الواحد بعد ان تعذر ايجاد قوانين دستورية مغايره. في المقابل فقد اكتسب التيارالاسلامي حقا مكتسبا في تلك الانتخابات89, لكنه لم يحافظ عليها , ومع ان ذلك التيار روج الى ان نتائج تلك الانتخابات كانت الافضل على مدى عقود الا ان الواقع وعدد كبير من المراقبين الذين لا يرددون الكلام على علاته يرون العكس تماما , مثلا في محافظة الكرك كثير من الذين نجحوا لم يحافظوا على تالقهم السياسي وان نجحوا في مجالات اخرى , كما وان ذلك البرلمان لم يشهد في عهده نجاحا ت مميزه , وتبقى تلك وجهات نظر تحتمل الخطأ والصواب .
من دلالات التفكير الناجح لمجتمع ما المعتمد على النهج العلمي والموضوعية بروز راي عام يعتد به في الدراسات ووضع الخطط المستقبليه , والاستقرار الاجتماعي والسياسي ,ولو سالنا انفسنا كاردنيين هل هذا موجود عندنا؟ هل هنالك راي عام يعتد به ؟ هل نحن مستقرون سياسيا واجتماعيا ؟ ومع اعتبار النسبية في الامور لا نرى ذلك واضحا تماما, ولا بد والحالة هذه من البحث عن الاسباب لمعالجتها . من الاستعراض السريع للوضع الاردني تجاه الانتخابات النيابية وقانونها ومن متابعة شوؤن عامة اخرى نجد بعض الملاحظات المتعلقه بالتفكير واتخاذ القرارات .الاردنيون نتيجة لوضعهم الغير مستقر سياسيا ولعدم الاستقلال في اتخاذ القرارات المصيرية والتركيبة السكانية الناتجة عن العدوان الصهيوني والانتماء للدولة القطرية وللامة العربية والاسلامية بنفس الوقت ,والتاثر بما يجري في الجوار والخارج عن ارادتهم, يجدون صعوبة في تسمية الاشياءباسمائها ويخلطون بين الحقائق والافتراضات .هنالك خلط بين الديموقراطية والعشائرية , بين السياسة والدعوة , بين المصلحة العامة والخاصة وتغليب الاخيرة في معظم الاحوال . التفكير الجمعي ضعيف لذلك العمل الجمعي ضعيف , كيف نعمل معا اذا لم نفكر معا ؟ ندرس ابنائنا العلوم السياسية والادارة الحديثة واسلوب اتخاذ القرارات ولكننا عمليا نسعى الى الفزعة والارتجال . نعرف ان المحاصصة والجهوية تكونان على حساب الكفاءة والانتاج ومع ذلك نتجاهل تلك الحقيقة في التعينات. ان الاجابة على السؤال كيف يفكر الاردنيون بحاجة الى تفكير مستقل وبتجرد وبمنهج علمي وحبذا لو نبعده عن كثير من الخصوصيات الاردنية والله من وراء القصد.