أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


تعيينات "النسايب والمحاسيب".. القشة التي قصمت ما تبقى من مصداقية الدولة

بقلم : محمد المستريحي
09-09-2012 09:17 AM

قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: 'إن عَدل ساعة خير مِن عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها'.. وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 'ملاك السياسة العدل'.. ويرى ابن خلدون، أن الظُلم والطُغيان وتصاعد نفوذ 'الأعوان' تؤدي الى استخدام القهر الشديد، وهو علامة ضعف للدولة، وبسببه قد تنجح محاولات الانفصال عن الدولة.. ويقول أحد الفلاسفة: عندما يكون الحاضر مؤلم والمستقبل مجهول حتماً نشتاق إلى الماضي.. ومأثور عن أحد الفقهاء القانونيين الكبار: أن مكامن الحرية هي ضمائر حية وقلوب زكية وعقول ذكية، فإن خَمدت روحها في مكامنها فلا دساتير تنفع ولا قوانين تردع ولا محاكم تمنع من أن يَحلّ محلها القهر والقسر والاستبداد.

الى تحكيم العقل والمنطق، ليس ثمة عاقل يشكك في حق أبناء المسؤولين أو أنسبائهم وأقربائهم، بتولي المناصب العليا في الدولة، لكن بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مبادىء العدالة والتكافؤ وتساوي الفرص، وأن لا يضر بمصالح المجتمع ويتعدى على حقوق الآخرين. وفي هذا الإطار فإن أي اختلاف في الرأي أو وجهات النظر حول هذا الموضوع لا يُفسد للود قضية، طالما بقي هذا الإختلاف قائماً على مبدأ احترام الرأي والرأي الاخر، وطالما بقي موضوعياً نبتغي فيه وجه الله والوطن والشعب، وينطلق من الحرص على الأردن ومسيرته الوطنية، دون التمادي في الذهاب الى ما هو أبعد من هذا.

ولا يخفى على أحد بأن قواعد قرارات مجلس الوزراء لا بد وأن تنطلق من أسس واضحة، وهي أن مصلحة الوطن في الإعتبار وفوق كل إعتبار، كمنهجٍ رصينٍ يُراد له الترسيخ والتكريس لمستقبلٍ أفضل، ووفق قناعات ينبغي للجميع التوصل إليها، وهي أن الأردن لأهله، لجميع مكونات المجتمع، مَن يعيش فيه ويخدمه، ولا يجوز لفئة، أياً كانت، أن تحتكر الدولة ومناصبها، تنفيذاً لأجندات خاصة دون الإعتبار لمصالح الوطن والمجتمع. حيث أنه مِن المتعارف عليه، أن الدول التي تحترم مواطنيها، وبالتالي تحترم نفسها، تكون عملية إختيار الموظفين في المناصب العليا وفقاً للمؤهل والكفاءة والخبرة المتراكمة والدراية والمعرفة والقدرة وحسن السمعة والسيرة.

وفق هذا المنظور، واحتراماً للعقلانية وقيم الموضوعية والنزاهة، فإنه لا يمكن قبول قرارات التعيينات التي أصدرها مجلس الوزراء مؤخراً، والقائمة على الإرتجال والفهلوة. ونجزم أنها جاءت وفق قاعدة 'الضحك على ذقون الشعب'.. حيث أنه لا يمكن لأي عاقل قبول قرارات مجلس الوزراء بتعيين أقرباء رئيس الحكومة وأنسبائه وأشقاء وأنسباء أصدقائه، وما يصفع الانتباه حد الألم الموجع، أن يوافق 'المجلس الموّقر' على 'نشل' موظفين من فئة الدرجة الرابعة في وزارة الصحة ومحسوبين على شخصيات محورية في مؤسسة الحكم، ويقرر تعيينهما معاً في مراكز الصف الأول في وزارات أخرى، ليس لهما أي دراية أو معرفة أو خبرة في أعمالها، بعيداً عن مسابقة وظيفية أو حتى منطق في التعيين. ولكن إستناداً إلى الترضيات والمساومات والتسويات والصفقات التي جاءت على حساب الوطن بأجياله الحالية والقادمة.

لا نبالغ إذا قلنا أن المأزق الذي وضعت الحكومة نفسها فيه كبير، إذ كان قرار تعيين 'النسايب والمحاسيب' بمثابة القشة التي قصمت ما تبقى من مصداقية الدولة.. وليثبت أننا أمام مشهد بقايا دولة، وادارة مترهلة مشلولة. حيث أننا لم نعهد حكومة في العالم مثل حكوماتنا، ولم نعهد صلافة في حكوماتنا المتعاقبة مثلما عهدناه في حكومة فايز الطراونة، والتي أثبتت للجميع أنها حكومة مترهلة وهشة ومنعزلة.. مترهلة لا تمتلك الرؤية والبرنامج، وهشة الموارد البشرية على مستوى أعضائها، ومنعزلة من حيث الانسجام والتواصل مع الناس وإدارة الظهر لهم. وهذا أمر غير مقبول ولا يحقق آمال وطموحات الأردنيين المرتبطين بقوة بالمشروع الوطني الذي يقوده الملك.
لذا، ومِن منطلق الفهم والإدراك الوطني الواقعي، وبلغة عميقة تخصّ الوطن والشعب، وتحدد قيمة الأرض والإنتماء لها كوطن، علينا أن نعترف بأن الحقيقة الواضحة للعيان، هي أن مَن يَحملون راية التغيير ويدّعون محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، هُم أولى الناس بالعصف والتبديل. ورغم المعلومات المتوفرة لدينا، والتي تشير الى محاولات بعض مسؤولي الديوان الملكي لتمرير قرارات التعيين، إلا أننا نؤكد أنه إذا لم تحصل انتفاضة على القرار لغايات إعادة الهيبة والنزاهة، وإذا استمر غياب تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وإذا أمعنَّا في استسهال توزيع عطايا وهبات ذات اليمين وذات اليسار. فإن هكذا منوال سيقضي حتى على بقايا الدولة.. وحينئذ لا تنفع ساعة ندم.

ختاماً... يقول المثل العربي «السكوت من ذهب». نعم، هذه حقيقة ولكن أحيانا يكون «الكلام من ياقوت»، خاصة في هذه اللحظة، وهذا الوقت هو الوقت المناسب بأن لا نسمح أن نجعل من وطننا رهينة لتحقيق طموحات شخصية.. فالدولة لنا جميعاً دون استثناء، ولم يعد مقبولاً أن يسود الباطل على الحق.
آخر سطر...

قصة من التاريخ ملخصها يقول أن امرأة إشتكت للوالي بأن جنوده دخلوا بيتها وهي نائمة وسرقوا شياهها، فقال لها الوالي: 'كان عليك أن تسهري حتى لا تُسرق شياهك'.. فقالت المرأة للوالي: 'كنت أظن أنك سهران علينا، فنمت آمنة مطمئنة'!!.. ورحم الله الشاعر الأردني عبد المنعم الرفاعي، إذ قال:
إنّ الشعوبَ على نقاوةِ طـُهرِها يبتزها الكذابُ والنَصّــابُ!.


التعليقات

1) تعليق بواسطة :
09-09-2012 09:43 AM

استاذ محمد.... كتبت فصدقت

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012