أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


بين جيلين ... جيل الشهداء وجيل المعتصمين

بقلم : الدكتور حسين عمر توقه
09-09-2012 10:37 AM

بتاريخ 1/7/1969 تلقت عائلة الشهيد محمد حمد سليم الخطاطبة نبأ استشهاد الملازم محمد حمد سليم الخطاطبة رقم 5069 على إثر غارة جوية إسرائيلية على وحدته
وبتاريخ 5/8/2012 كنت أطالع أخبار قناة الجزيرة حول إضراب سائقي التكسيات الأردنيين في وادي صقرة احتجاجا على رفع أسعار المحروقات وكانت هناك مقابلة مع سائق التاكسي زياد محمد حمد سليم الخطاطبة لمدة لا تزيد على الثواني المعدودة قال خلالها ' إنني أعتصم لأنني لا أسمح لفايز الطراونة أن يسرقني للمرة الثانية لقد سرقني من قبل مائة دينار واليوم يحاول أن يسرقني بمبلغ 150 دينار شهريا '.
لقد غادر الشهيد محمد حمد سليم الخطاطبة قريته الغالية جديتا من إربد ليلتحق بالجيش العربي برتبة جندي مشاة وخدم في الجيش العربي جندي مشاة ثم أصبح أحد أفضل مدربي المشاة والأسلحة الخفيفة في معسكر العبدلي عام 1958 ومن ثم انتقل الى مدرسة المشاة ليعمل مدربا للمشاة والأسلحة الخفيفة وبعد حرب 1967 وخلال عامي 1968 و1969 إبان حرب الإستنزاف على الحدود الأردنية الإسرائيلية ومن خلال إصرار إسرائيل أن تنتقم على نتيجة حربها الخاسرة في معركة الكرامة كانت الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها الوحشية على كل القرى الأردنية من الشمال الى الجنوب ويشاء القدر أن تتعرض الوحدة العسكرية الأردنية في إحدى المراكز المتقدمة في ألأغوار وأن يصيب أحد الصواريخ الهمجية الشهيد الملازم محمد حمد سليم الخطاطبة في يوم حار لاهب.
ولقد ترك الشهيد من ورائه عائلة مكونة من زوجة وإبنة تبلغ الرابعة من العمر وإبن يبلغ الثالثة من العمر وإبن ثالث يبلغ السنة . ولقد التحق الإبن الأصغر زياد بسلاح الجو الملكي فني اتصالات وبعد سلاح الجو التحق بشركة سيمنز لمدة عشر سنوات حتى انتهى المشروع الوطني للإتصالات وتم إنهاء تعاقد الأردنين في شركة سيمنز ولقد تقدم الى عدد من شركات الإتصالات ومنها الإتصالات الأردنية وشركة أورنج وشركة زين بطلب للعمل بوظيفة فني أو أي وظيفة متوفرة كي يعيل أبناءه وعائلته وفي غمرة الإنتظار الطويل من إحدى الشركات قرر العمل في الوظيفة الوحيدة المتاحة إليه وهي وظيفة سائق تاكسي تحفظ له كرامته وتساعده في تحمل نفقات أسرته ومتطلبات تعليم أولاده وتقيه ذل الحاجة والسؤال .
والواقع أن هناك الكثير من الحكايا عن التاكسيات والكثير من القصص لا سيما إذا كان السائق يعمل لدى صاحب التاكسي ولقد فوجئت أن ثمن نمرة التاكسي تكلف 50 ألف دينار ( ثمن السيارة وثمن الطبعة وثمن العداد )
ولا أريد أن أتحدث هنا عن أصحاب التاكسيات أو المكاتب التي تدير مثل هذه السيارات ومن الذين أثروا في هذا القطاع فإن وزارة الداخلية لا سيما المحافظين ودائرة السير لديها معلومات وافية عن أصحاب هذه التاكسيات وأعدادها .
إن ما يهمني هنا أن سائق التاكسي يتوجب عليه أن يدفع لصاحب التاكسي مبلغ 25 دينار يوميا أي مبلغ 750 دينار شهريا وعلى صاحب التاكسي أن يقوم بتجديد الترخيص والتأمين والصيانة أما السائق فهو مسؤول عن تعبئة وقود السيارة ومن أجل أن يستطيع السائق أن يتمكن من الحصول على غلة يدفع منها 25 دينار لصاحب التاكسي لا بد له على الأقل من تعبئة التاكسي بما لا يقل عن 15 دينار من البنزين . وإن زيادة المحروقات الأولى التي فرضتها حكومة فايز الطراونة والتي بلغت دينار و600 فلس لكل تنكة أي ما يعادل زيادة تقارب ال 100 دينار شهريا لكل تاكسي والزيادة الأخيرة التي تم تجميدها تكلف 150 دينار شهريا.
من هنا كان تصريح سائق التاكسي زياد ابن الشهيد الملازم محمد الخطاطبة وهو يطلق صرخته على قناة الجزيرة ' بأنه لن يسمح لفايز الطراونة بسرقة 100 دينار شهريا '.
الأب قدم حياته فداء الأردن والإبن يناضل ويكافح من أجل لقمة عيش أبنائه والحفاظ على كرامة عائلته . فما الذي أجبر إبن الشهيد كي ينضم إلى إضراب سائقي التاكسيات وما الذي أجبره أن يعتصم وينضم إلى المضربين إن إخلاص زياد ابن قرية جديتا للأردن ليس له حدود ولا يقل إيمانه وإخلاصه لوطنه عن إيمان وإخلاص والده الذي ضحى بحياته فداء الأردن ضد العدو الصهيوني .
هذه قصة من آلاف القصص للشهداء والمتقاعدين العسكريين فهم كالقابض على الجمر يريدون أن يقضوا ما تبقى لهم من العمر وهم يتمسكون بالمثل والقيم والإخلاص والولاء فهم ما عرفوا غير الأردن وطنا ولا غير الحسين ملكا واليوم أصبحوا شبه غرباء في وطن دافعوا عنه واستشهدوا من أجله.
وبالمقابل هناك مئات الفاسدين الذين يسرحون ويمرحون ويسرقون دونما وازع من دين أو ضمير سرقوا ثروات الوطن وباعوا مقدراته لا يجرؤ أحد على محاسبتهم ولا يجرؤ أحد على انتقادهم وتمت تبرئة معظمهم من قبل برلمان فاسد .


التعليقات

1) تعليق بواسطة :
09-09-2012 10:58 AM

*- اول ردة فعل عند قراءة هذا المقال الرائع للسيد توقة , هو القهر و الغضب !! الغضب من واقع مؤلم ولدته سياسات الظلم و الاجحاف و الاستبداد !
*- اب يقدم روحه من اجل الوطن و تكون المكافئة لابنه ان تقهره الحياة , لكنه قبِل تحدي القهر فيقهره ظلم النظام الذي بنى بطولاته الوهمية "الشخصية" على دماء ابيه ,
*- كل موقف في الحياة له ثمن ! و القبول بالوضع هذا له ثمن و ثمن باهض جداً و هذه الواقعة هي احد الاثمان المبكية المؤلمة جداً , لواقع السكوت عليه جريمة .

2) تعليق بواسطة :
09-09-2012 12:26 PM

لقد كان الشهيد محمد الخطاطبة أحد الذين أشرفوا على تدريبي أنا والعديد من أخواني الضباط ومنهم شاهر السيد وتحسين شردم ولقد كان رحمه الله مؤمنا بربه وبوطنه مثالا للأخلاق والتفاني في عمله

في تلك الفترة والتي امتدت منذ عام 1967 وحتى عام 1969 كانت الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها المجنونة على كافة القرى الأردنية وعلى المرتفعات المشرفة على وادي الأردن بحجة متابعة الفدائيين الفلسطينيين ولمنع تسللهم الى الضفة الغربية في تلك الأثناء حين كان الأردن أرض الرباط أرض الكرامة والشهادة وكان أبطاله في الجيش العربي يدافعون ليل نهار عن وطنهم وعن أمتهم كان الشهيد محمد الخطاطبة رابضا خلف رشاشه المقاوم للطائرات بالقرب من العدسية حين أصابه صاروخ إحدى الطائرات الإسرائيلية إصابة مباشرة

وإنني أتألم أشد الألم وأنا أقرأ ما ألم بعائلته وبالذات إبنه زياد من بعده ولا أريد أن أعلق بشيء ولكنني أرجو من زياد ابن أخي ومدربي وصديقي أن يرسل على هذا الموقع برقم هاتفه أو أي عنوان له عساي أتمكن من مساعدته في إيجاد عمل يليق به وشكرا للأخ الدكتور حسين توقه الذي أعادنا إلى أيام الشرف والشهادة والكرامة من خلال أيام الذل والإستكانة

3) تعليق بواسطة :
09-09-2012 03:48 PM

أخي الدكتور حسين عمر توقه المحترم.
أنني من القراء المتابعين لمعظم مقالاتك ومقالات كل من يهتم بأمور الوطن واي انسان فهذه المقالات تنبة التاس والحكومة إلى أمور من أجل تفاديها والاهتمام بها فقد أشرت إلى أمرين لا يستهان بهما الاول إلى الامر الاقتصادي والمتمثل بارتفاع الاسعار وقلة الدخل وتستغرب أن ثمن التاكسي اليوم خمسين ألف دينار وأقول لك بأنني سمعت أن ثمن تاكسي المطار هو مئة وخمسين ألف دينار وهي تحمل أربعة ركاب ولا تحمل كالحافلة عشرين أو خمسين راكبا ًوهذا يعني ان تشترك عشرين أسرة تمتلك سبعة آلاف ونصف الدينار لتشتري التاكسي وكم ستحصل لهم يوميا ًوهذا مثال على ارتفاع الاسعار .
واما الامر الثاني والاهم من الاول فهو الاجتماعي فالله عز وجل أكرم الشهداء ولا ننسى ان الاردن تهتم بأبناء الشهداء وتدرسهم على حسابها ولا تنسى أسرهم من مكافات في العيد وفي تعين أبناء الشهداء ولكن أن وجدت حالات لم يهتم بها فها أنت قد نبهت الحكومه وكل من يهمه الامر أبناء وأسر الشهداء الذين أكرمهم الله وضحوا بدمائهم من أجل حماية الوطن والدولة والشعب . واخيرا ً أتسأل هل أثرت العولمه في سياسة الكومات نحو أسر الشهداء

4) تعليق بواسطة :
09-09-2012 05:16 PM

احسنت يا دكتور في هذه المقالة وفي كل مقالاتك السابقة لقد ابرزت لنا حجم المعاناة وحجم الود والشفقة التي تملكت نفسك وانت تكتب هذه المقالة فالجود في النفس اسمى غاية الجود

5) تعليق بواسطة :
10-09-2012 02:18 AM

الدكتور حسين بكتاباته الهادفة والمفعمة بالوطنية والولاء والانتماء لتراب هذا الوطن ومواطنيه وليس ولاء وانتماء لاشخاص ستواري اجسامهم الناعمة التراب يوما" ما , فكل نفس ذائقة الموت , أنا عرفت الدكتور حسين هنا في الاردن منذ بداية السبعينات من القرن الماضي كما عرفته في الولايات المتحدة ,عندما كان يحضر رسالة الدكتوراة في جامعة جنوب كاليفورنيا , وكنت وقتها رئيسا" للجمعية الاردنية الامريكية , ولا يسعني الا أن أقول كلمة حق بهذا المثقف الاردني الغيور الذي كان يفخر ويعتز باردنيته في كل لقاء له مع ابناء الجالية العربية ومع المسؤولين والطلاب الامريكيين الذين كان الدكتور يحاضرهم في قضايا العرب العادلة و دور الاردن الهام في المحافظة على استقرار وأمن المنطقة وحقوق الشعوب المظلومة فيها , مرة اخرى اشكر الدكتور لتركيزه على القضايا الهامة التي يعاني منها المواطن الاردني وخاصة ابناء الشهداء الابرار رحمهم الله .

6) تعليق بواسطة :
11-09-2012 01:26 AM

تحية تقدير الى الأخ الكبير الدكتور حسين توقه ، على هذا الحس الوطني العالي والأسلوب الراقي في طرح قضية واحدة ولكن تحمل في طياتها العديد من المعاني الوطنية .

7) تعليق بواسطة :
25-09-2012 05:21 PM

الى الأخ الدكتور حسين توقه,,,
ماذا أقول لك وفيك ؟؟؟
فشهادتي بك مجروحة وياليت الذين يكتبون لو أنّهم يتتلمذون ولو عن بُعد ممـّا تكتب ,
أخي حسين يحفظك الله لما فيه كل الخير , وأود في هذه العُجالة أنْ أُضيف بأنّ في مكتبتي المتواضعة بعضاً من إنتاجكم الغزير الطيب فالى الأمام وليحفظك الله ويرعاك

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012