بقلم : رابعة الشناق
15-09-2012 10:35 AM
ما زالت هجمات أعداء الإسلام تتوالى في محاربته، وتسلك السُّبل للقضاء عليه بأي وسيلة كانت، حتى وصل الأمر بهم إلى الاستهزاء والسخرية بالرحمة المهداة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ليعطوا تصوُّراً سيئاً ومغلوطاً لأتباعهم وشعوبهم النصرانية عن نبي هذا الدين العظيم، وأن هذا الدين لا يستحق الاهتمام والاتباع له ولنبيه- صلى الله عليه وسلم- ، ولم يتوروا يوما عن الطعن في نبوته، والقدح في رسالته، وإسقاط دعوته، وصد الناس عن الإسلام.
وما ذلك إلا لأن الدين الإسلامي ينتشر انتشاراً سريعاً، ويتوالى الناس في اعتناقه، في بلدانهم الكافرة بينما النصارى عقدهم في انفراط ، وتنازل عنه كبارهم قبل عامتهم، وسبب هذا الانفراط هو التحرر من دينهم لمّا رأوه مصادما للعقل والفطرة، ورأوا أهله تسلطوا به على حياتهم، فحاربوه وحاربوهم، وحولوا الحياة عندهم إلى الاتجاه المعاكس؛ إلى 'الليبرالية'، و'الديمقراطية' اللادينية، ولم يهتدوا إلى الإسلام، إذ لم يراعوا في تحوّلهم هذا أن الله خلق الإنسان مركباً من جسدٍ وروحٍ مشتركين لا يستغني أحدهما عن الآخر فغذاء الروح العبادة، وغذاء الجسد الطعام، فالعبادة للخالق وهو الله. قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) {الذاريات: )56،57)
لذلك فإن اتباع هذا التحول -ومن يريده من بني جلدتنا وجلدتهم- هم الذين يكرهون الدين، ويسبّون رسول الله سواء كان محمدا، أو عيسى، أو موسى - صلوات الله وسلامه عليهم - يريدونها عبادة للشهوات والأهواء، وسلخا للناس عن ربهم ودينهم.
إنَّ حدث فيلم - براءة المسلمين- ترجمة وقحة وخسيسة للتصورات الاستشراقية تجاه الاسلام ونبي الاسلام بهدف التشكيك في القران الكريم والرسالة المحمدية -، وقبلها الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم سيُنسى يوماً ما ، ويبقى الأثر المستثمر منه والمتمثل؛ في جامعة عتيدة ، وقناة فضائية، ومؤلف علمي، ومؤتمر سنوي، ومؤسسة عريقة ،كنتيجة طيبة للغضبة الإيجابية التي عمت العالم الإسلامي.
ولهذا فإنَّه يجب ألا تغلق الإساءة أعيننا عن اغتنام الفرصة، ويكفي أصحاب الرأي أن يتذكروا ما قاله _عليه الصلاة والسلام_ حينما هجاه بعض الكفار وقالوا عنه 'مذمم' بدلاً عن 'محمد' زيادة في الذم، فكان قوله _صلى الله عليه وسلم_ لصحابته الذين ساءتهم مقالة الكفار: ' ألا تعجبون كيف يصرف الله عني أذى قريش وسبهم، هم يشتمون مذمماا وأنا محمد'
لقد قام سام بازيل بكتابة وانتاج واخراج فيلم (براءة المسلمين) بدعم من القس الأمريكي المتطرف تيري جونز؛ بعد أن جمع بازيل خمسة ملايين دولار من مائة يهودي حسب ما اشارت صحيفة (وول ستريت جورنال)
فيلم براءة المسلمين أفصح عن التشدد والتمسك بمقولات المستشرقين القدامى التي تصر على التشكيك في صحة القرآن الكريم والرسالة المحمدية، وهي الفكرة التي تجاوزها الاستشراق الحديث في أوروبا وأمريكا حسب المستشرق الألماني ديرك، فهم رسموا رسومات وهمية في أذهانهم ، وهي ليست -بلا شك- رسومات للنبي _ عليه الصلاة والسلام ـ ولهذا قال الله تعالى لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم :(إنَّا كفيناك المستهزئين) فلن يضرَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ما اقترفته أيدي المؤلفين ،المنتجين ،المخرجين و الرسَّامين .
موقف أهل الكتاب من رسول الله:
لم يخلق اللهُ الخلق عبثا، ولم ينزل الشرائع على الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ليلقوها إلى الناس تسلية، إنما خلق اللهُ الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، ويتبعوا رسله ويعظموهم، فهم طريقهم ودليلهم للنجاة والهدى.
ولذلك لمّا خلق الله آدم استخرج ذريته من ظهره وأخذ عليهم الميثاق كما قال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على' أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى' شهدنا) (الأعراف: 17).
وأخذ الله –عز وجل- الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه، قال تعالى-: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على' ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )(آل عمران: 81)
فما كان من أهل الكتاب إلاَّ أن كتموا ذلك وأخفوه؛ حتى لا يصدق الناس بالكتاب المصدِّق لما معهم، فقال الله عنهم: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )(البقرة: 89)
ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم شرَّفه الله بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن دينه خاتم وناسخ لما قبله من الشرائع، وكتابه (القرآن) ناسخ لما قبله من الكتب..
لقد كان رحمة، لأنه جاهد أهل الكتاب وغيرهم لإنقاذهم وإقامة العدل فيهم، لا لاستعبادهم، بعثه الله لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم ليحل لهم ما كانوا حرَّموه على أنفسهم من الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث مما هو خبيث ضار في البدن ومنافٍ للدين، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتيسير والسماحة ليضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
قال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) (الأعراف: 157) وما عرف أهل الكتاب الحضارة العلمية إلا من حضارة الإسلام، إذ كانوا قبله في تخلُّف.
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم
• الإيمان بأنه رسولل الله، والإيمان به أحد ركني شهادة التوحيد (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) فلا إسلام لمن لم يؤمن به.
• التصديق بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وصحَّ عنه من شريعته في العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، وغير ذلك من شؤون الحياة، وعدم جحدها .
• محبته وتعظيمه واتباع سنته قولا وعملا، وذكره بالصلاة عليه وتقديم محبته على كلِّ شيء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين' (متفق عليه)
• حفظ حقوق أصحابه - رضوان الله عليهم- بتوليهم والترضي عنهم، والكف عن مساوئهم، واعتقاد فضلهم، ومنزلتهم وسبقهم، الذين اختارهم الله لصحبة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين آووه ونصروه وعزّروه ونشروا شريعته وبلّغوها لمن بعدهم ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار: 'لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلاَّ منافق، من أحبهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله' (متفق عليه) فأذية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، وأذيّة محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي أذيّة لله ، ومن عادى محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه عدو لله عز وجل، قال تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (البقرة: 98)
عاقبة الاستهزاء بالرسل صلوات الله عليه:
من استهزأ بشخص رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وكذا جميع أنبياء الله ورسله – عاقبه الله عقابا وخيما، وظهرت عقوبة الله فيهم على مرِّ الزمان. قال تعالى: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم )(التوبة: 61)، وقال تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )(الأحزاب: 57) ، وقال تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين * يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على' كل شيء شهيد )(المجادلة: 5، 6)، وقال تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز )(المجادلة: 20، 21).
أما موقف المسلم من المحادِّ لله ولرسوله فقد ذكره الله في سورة المجادلة قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )(المجادلة: 22).
وأهل الكتاب الكفار أقدموا على قتل أنبياء الله ورسله، اتّباعاً لشهواتهم وأهوائهم، قال تعالى: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى' أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون )(البقرة: 87).
وكل من كفر بالله ورسله فإن له معيشة ضنكاً، قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى' ) (طه: 124)، لا يخرجه منها إلا أن يؤمن بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
وفي الآخرة يُحشر أعمى، كما قال في آخر الآية: (ونحشره يوم القيامة أعمى' * قال رب لم حشرتني أعمى' وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى' * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى' )(طه: 124 – 127).
هذا جزاء الكافرين ومصيرهم في الدنيا والآخرة، والمستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم والساخر به لهم النصيب الأوفر من العذاب والخزي، والنكال في الدنيا وفي دار القرار.
واخيرا: نسأل الله السلامة والعافية من الفتن والمحن، ونسأله أن يرزقنا الإيمان بالله وبرسله، وأن يرزقنا محبة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتوقيره، وتعظيمه، والإيمان به، وتصديقه، والعمل بشريعته ظاهراً وباطناً، وأن يرزقنا الثبات على الإيمان والاستقامة على دين الله القويم،