بقلم : سامي الأخرس
16-09-2012 09:12 AM
تمر الذكرى التاسعة عشر على توقيع إعلان المبادئ أوسلو عام 1993'حيث غادر فارسي الإعلان الشهيد ياسر عرفات، واسحق رابين وغادر بوابة البيت الأبيض ببل كلينتون، ولم يعد قائم من أوسلو سوى رزمة الأوراق المكتوبة عليها، وما ذيلت به من تواقيع للتاريخ كشهادة على حقبة تاريخية أحدثت تحولًا في الصراع العربي- الإسرائيلي الذي تمخض عن أوسلو ووادي عربة، وأصبحت'إسرائيل' من كيان'معادي إلى جاره بدأت ترسم حدودها، وتقيم علاقاتها الدبلوماسية مع جاراتها الناطقات بلغة الضاد، ولا ننكر أن هناك بقايا هيكلية لأوسلو في الضفة الغربية عبارة عن سلطة فلسطينية تعاني من أزمات متلاحقة على صعيدها البنيوي والمعنوي فأصبحت سلطة مأزومة ينهش الكل بجسدها، أبنائها أكثر من أعدائها، وفُسادها أكثر من الخائفين عليها، مع حكومة يمكن أن يطلق عليها غير حزبية تنهش الأحزاب بها، وعلى وجه التحديد حركة فتح التي تريد بكل الأحوال احتوائها، أو جزء من حركة فتح وجد أن مصالحة تعارضت مع وجود حكومة لا تدين بالولاء المطلق لمصالح هذا الجزء، وهو ما يتعارض ولا يتقاطع مع الفهم الحزبي الذي أصبح دستورًا ناظمًا لعملنا الوطني عامة، وفي المقابل حكومة حزبية في غزة تتجه بفعلها رويدًا رويدًا صوب تأكيد الانقسام الفلسطيني، وترسيم حدوده على ارض الواقع، بغض النظر عن مغازلة المصالحة بين الفنية والأخرى، وهي مغازلة فراغية لا تعتمد سوى على تحريك الجمود في الإعلام والذهن الإعلامي فقط، مع جملة أزمات تعيشها هذه الحكومة أيضًا ليست خفية عن ناظر المتابعين والمراقبين، وتكاد تؤدي إلى الانفجار الشعبي على غرار الضفة الغربية.
الشعب الفلسطيني أمام هاتين الحالتين أشبه بالبطارية الفارغة التي تعيد شحن نفسها من الأحداث المتتابعة التي أصبح يعيشها مع عدم إنكار أن تراجع وتيرة المواجهة مع الاحتلال ساهم في إعادة شحن الشارع الفلسطيني ضد حكومتيه، فمواجهة الاحتلال توحد ولا تفرق، وتصبح أولوية أولى يؤجل كل الأولويات الأخرى أمامها، لذلك فإن تراجع المواجهة مع المحتل في الضفة وغزة ساهم ولحد ما في إعادة عملية الشحن ضد الفساد الذين أصبح منهج في كلُّ مؤسسات السلطة الوطنية، وكذلك في كل دهاليز النظام السياسي الفلسطيني دون تمييز بين شطريه، وأمام حالات البطالة والفقر التي ترتفع نسبتها بشكل مطرد في شقي الوطن، وأمام تقييد الحريات العامة والخاصة، واستقواء ذوي الجاه والسلطة واستفراد عضلاتهم الجهوية في الحالة الفلسطينية التي بدأت تلتهب وتنفجر في الضفة الغربية احتجاجًا على الغلاء وارتفاع الأسعار، وهي حالة فلسطينية خاصة تتشابه مع الحالة العربية شكلًا ولكنها تختلف عنها جوهرًا، فنحن أمام احتجاجات معنونة بعناوين واضحة، بالرغم من إنها تخفي خلفها الكثير، ولكن الأصابع التي حركت هذا الفعل أرادت له أن يبقى في هذا الطور كاختبار وإحراج لمؤسستي الرئاسة والحكومة، تناغم مع رغبة الجمهور الفلسطيني الذي يحتاج فقط لقوة تدفعه إلى الأمام للإعلان عن ربيعه الذي إن انطلق وكَسا الأرض خضارًا لن ييبس، ولكن يتحول إلى خريف، بل سيحاسب ويعاقب الحكومتين على الانقسام ثم الفساد والاضطهاد.
إذن فالحالة الفلسطينية التي شهدتها الضفة الغربية هي ردة فعل تمهيدية ناقصة عبّرت عن حق الشعب في حياة كريمة، دول أن تعتبر ربيع يعبّر عن طموحات وطنية سقفها ومطلبها الأول، إعادة اللحمة للوطن، تتزامن مع مواجهة الاحتلال ومقاومته، وليست بمعزل عنه، ما دون ذلك فإن ما يحدث هو عبارة عن ردات فعل، من المتوقع أن تتصاعد وتيرتها في قادم الأوقات أن لم تتخذ الحكومة الفلسطينية والرئاسة جملة من التحركات الواسعة في المعالجة الاقتصادية للأوضاع الفلسطينية وكذلك في المعالجة الإصلاحية لتراكمات الفساد الذي ينهش الجسد المؤسساتي الفلسطيني، كما على حكومة غزة أن تعي جيدًا حقيقية ما يدور وأن لا تُخدع في جملة التقارير التي تصلها عبّر عناصرها ورموزها، هناك، وعليها أن تبدأ هي أيضًا بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية في قطاع غزة، وخاصة تلك المتعلقة بمصالح وحياة المواطن اليومية.