بقلم : د.عبدالله محمد القضاه
24-09-2012 09:22 AM
فاجأني أحد مسئولي الموارد البشرية في إحدى مؤسسات القطاع العام بإن مجموع الإجازات المرضية لموظفي مؤسسته حتى نهاية الشهر الثامن من هذا العام بلغت إثنا عشر الف يوما!!!، وأن هذه الإجازات سليمة من الناحية القانونية!!!، بحيث أنها ممنوحة من الطبيب المعالج ومصادق عليها من اللجنة الطبية المختصة!!!.
والذي أذهلني أكثر أن احدى الموظفات حصلت على إجازة مرضية معتمدة من جهة حكومية لمدة ثلاثة أسابيع، وعندما ذهبن زميلاتها لزيارتها فوجئن أنها برحلة سياحية مع زوجها لإحدى الدول العربية؛ ولدى السؤال عن إجازة زوجها الذي يعمل في نفس المؤسسة تبين أنه أيضا في إجازة مرضية !!!.
والتساؤل: ألا تعتبر الإجازات المرضيه في مؤسسات القطاع العام مدخلا من مداخل الفساد الإداري؟!!، وهل اخلاقيات الوظيفة العامة وصلت الى هذا المستوى، وهل البعض من أطبائنا لايدرك حجم الجريمة التي ترتكبها يداه عند توقيع شهادة زور بحاجة الموظف للإجازة المرضيه وهو معافى؟؟!!، وهل الموظف الذي يتقاضى راتبه عن أيام لم يقدم بها عملا يدرك أنه آثم وآكل للمال الحرام؟!!.
سئل أحد فقهاء الأمة: هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة ، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه؟ ، فأجاب: ' في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس ، فقال : وقول الزور وشهادة الزور )، وعليه، ألا يعتبر الطبيب الذي يعطي شخصا إجازه مرضية وهو ليس بمريض قائلا للزور وشاهدا شهادة الزور؟!، ثم ألا يعد آثما ومرتكبا لأكبر الكبائر؟!، وبالمقابل؛ ألا يعتبر الموظف الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على مؤسسته، وآكل للمال بالباطل ؟!، اليس الراتب الذي يقابل هذه الإجازة مأخوذ بغير حق من المال العام؟!.
وبقي تساؤلا: هل الحكومة عاجزة عن معالجة هذا الخلل الأخلاقي؟!، وماهي الآلية التي يمكن إتباعها للحد من هذه الظاهرة؟!، أعتقد أن ذلك ممكنا؛ ويبدأ الأمر من وزارة تطوير القطاع العام بصفتها صاحبة الإختصاص؛ بحيث تطلب فتوى واضحة وشاملة من دائرة الإفتاء العام وتصدر تعميما بمضمونها لكافة موظفي الدولة؛ هذا من جهة؛ من جهة ثانية تطلب الوزارة من وزير الصحة إصدار تعميما يمنع بموجبه أطباء وزارته بمنح الإجازات المرضيه لغير مستحقيها وتحت طائلة المسؤولية!!!، كما يصدر توجيهاته بتشكيل لجنة طبية تحكيمية تعطى صلاحيات الغاء او تعديل الاجازات المرضية التي لا تقتنع بها المؤسسات العامة بموجب كتاب رسمي يوجه لهذه اللجنة؛ على أن يتحمل المرجع الطبي الذي منح الإجازة المرضية غير المبررة والموظف المتمارض المسؤولية الادارية من الجهة المعنية .
a.qudah@yahoo.com