بقلم : محمد سلمان القضاة
26-09-2012 08:58 AM
إذا تحدت الأنظمةُ الطاغيةُ الشعوبَ المظلومةَ، فإن الشعوبَ هي المنتصرةُ لا محالة، والأدلة من التاريخ ومن واقعنا الراهن كثيرة، ومنها ما هو من الربيع العربي، فطاغية تونس أبى واستكبر ورفض الاستماع إلى أصوات الشعب التونسي الأبي، فقرر مصيره ومصير نظامه البائد بيده، بل بيد امراة شرطية من شرطته، أبت إلا أن تصفع الشهيد البائع المُتجوِّل محمد العزيزي وتبصق على وجهه، وهي لا تدري أن الله كرم الإنسان أيما تكريم، مسكينة ربما تلك الشرطية، فهي لم تكن تدري أن العزيزي سيشعل بنفسه ويشعل ثورة تطيح بسيدها في قصر قرطاج، والذي تبين في نهاية المطاف أنه لا يجيد الطيران، إذ سرعان ما ركب طائرة بقيت تحلق به في الفضاء، وذلك لأن الدنيا ضاقت بزين العابدين بن علي، أرضا وسماء، فهو الذي كان يكشف عن الحرائر حجابهن بيديه، ألآ تبت يداه، تماما كما 'تبت يدا أبي لهب وتب'.
والطاغية المصري أبى واستكبر وظلم وقمع وتَجَبَّر، ثم تمارض فمرض واقترب من الموت، فهو قمع الشعب المصري الأبي عقودا، بل وأَذَلَّه من خلال شرطته ورجال مخابراته الذين تفننوا في إذلال أبناء وبنات الشعب المصري على حد سواء. ومثله فعل طاغية ليبيا، بل زاد عليه الأخير قمعا واستعبادا للشعب الليبي، شعب عمر المختار، فإذا كانت شرطة فرعون مصر تتفنن في تعذيب الناس وإذلالهم داخل البلاد، فإن طاغية لييبا كان يتآمر ضد أبناء شعبه مع مخابرات بريطانيا وأميركا ودول أخرى، إذ يحكى أنه كان يُحوّل مسار الطائرات التي تقل أيا من معارضيه، يحول مسارها إلى مطارات ليبية، وذلك كي يتم إعدام المعارضين عند سلم الطائرة وعلى أرض المطار، رجما وصفعا بالأحذية، وهو يشاهد ويتلذذ بما يرى، حتى أذاقه الله جزاء مُرّا قاسيا، أذاقه شر أفعاله عذابا قلَّ مثيله في صفحات التاريخ، ناهيكم عن الخطايا التي برقبته جراء قتله لعشرات الآلاف من شهداء ليبيا، وشهداء سجن أبو سليم الذين يزيدون عن ألف ومائتي سجين من كبار العلماء والأطباء والخبراء دفعة واحدة بالرشاشات الثقيلة، فهو كان يتفنن في إعدام الناس في رمضان، وعند ساعة الإفطار.
ومثل طاغية تونس وطاغية مصر وطاغية ليبيا، فعل طاغية اليمن، استهزأ بأبناء شعبه ووصفهم بقطّاع الطرق، وبقي يتفنن في الألاعيب ونقض المواعيد، لكنه في نهاية المطاف رفض الاستماع لنداءات الإصلاح كما رفض كلُّ سابقيه، حتى انتصرت عليه الثورة الشعبية، كما انتصرت الثورات الشعبية الأخرى على بقية الطغاة، فأزاحوه ليقعد مذموما مدحورا.
وأما طاغية سوريا، فهو طاغية من صنف مختلف عن كل أصناف الطغاة، وذلك لأنه طاغية بالوراثة، وطاغية إبن طاغية، فالطاغية أبوه، استشرس وقتل أكثر من خمسين ألف شهيد من أبناء وبنات وأطفال حماة في ثمانينيات القرن الماضي، وأما الطاغية الإبن المدعو بشار، فقد كشر عن أنيابه المهترئة وتفنن في ذبح الأطفال وفي قتل أبناء وبنات الشعب السوري الأبي، وفي الاستمرار بقصفهم وتدمير المنازل على رؤوسهم بالطائرات والمروحيات الحربية والمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ.، ولكن الشعب السوري الأبي ما فتئ يهتف بالقول 'يلعن روحك يا حافظ'، ويلوِّح بالنيل من الطاغية بشار حتى لو كان في بروج مشيدة، فرأس الطاغية بشار بات مطلوبا في كل حدب وصوب من أنحاء سوريا الشعب.
طاغية سوريا رفض الاستماع لنداءات الشعب السوري بالإصلاح، وأبى واستكبر وتجبَّر، بل فعل كما فعل طاغية ليبيا، فذاك استأجر مرتزقة من أفريقيا لاغتصاب حفيدات عمر المختار، وهذا جاء بالمرتزقة من العراق وجنوب لبنان وقم الإيرانية لاغتصاب حرائر خالد بن الوليد، ألا تبا للطاغيتين في ليبيا وسوريا، وتبا لكل الطغاة، وتبت أياديهم جميعا كما 'تبت يدا أبي لهب وتب'.
وتبا لمن يعتقد أن الطاغية بشار سيبقى يحكم الشعب السوري الثائر الأبي، وتبا لكل العرَّافات اللواتي قد يبشرن الطغاة بما لا يستطعن تحقيقه، وتبا للنفاثات في العُقَد، فعقدة الطاغية بشار لا حل لها، لا في الضاحية الجنوبية من بيروت، ولا في جنوب لبنان، ولا في كربلاء العراق ولا في قم إيران، فلا المدعو حسن نصر الله ولا المدعو نوري المالكي ولا أسيادهما من ملالي إيران يمكنهم إنقاذ الطاغية السوري بعد كل هذا الشلالات من دماء أطفال وأبناء وبنات الشعب السوري الأبي.
ولا أسلحة روسيا الصدئة ولا براميل البارود 'تي إن تيه' الإيرانية ولا كل بضائع الصين يمكنها أن تمد يد الإنقاذ للطاغية السوري، فالطاغية السوري انتهى أمره، تماما كما انتهى أمر طغاة كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وأما مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية فهو يعمل في الوقت الضائع، فكل جولاته ذاهبة سدى، تماما كجولات سلفه كوفي أنان، فهو يقول إنه لم يمش في شوارع دمشق، ولم يشاهد شيئا في سوريا، فلماذا هو ذاهب إلى هناك إذاً؟ أَلكي يتعمد في دماء أطفال سوريا؟!
وكم وددننا أن لا يتابع قطار مقالنا هذا رحلته على سكة حديد الربيع العربي وصولا إلى محطة الربيع الأردني، ذلك لأن في الأردن ملك يأبى الشعب الأردني أن ينعته بالطاغية، وذلك وبكل صراحة وكل بساطة، لأنه ليس كذلك، وإلا لما ترددوا، وهو ملك يأبى الشعب الأردني المناداة بإسقاط نظامه، وذلك لأن الشعب الأردني يريد إصلاح النظام ولا يريد إسقاط النظام، فالشعب الأردني خرج في حراكات ومظاهرات تنادي بالإصلاح وبمكافحة الفساد، وسرعان ما لبى الملك الأردني نداءات الشعب الأردني، فبدأ بالإصلاح الدستوري، ثم ها هو بدأ بمكافحة الفساد على الأرض، فها هو التراب الأردني يشهد ملتقى عالميا لمكافحة الفساد.
التراب الطهور في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، كله تعمَّد بدماء الشهداء الزكية على أيد الطغاة وأنظمتهم البائدة، ولكن التراب الطهور في المملكة الأردنية الهاشمية باتت ترعاه نسائم الخير والبركة، وذلك بالسواعد النبيلة للملك الإنسان، وتبذر فيه بذور المحبة والعدالة والحرية والاحترام، والعجيب في العاهل الأردني أنه ما أن يسمع بأن الشعب الأردني ينادي بمطالب عادلة، حتى يبادر بنفسه لتلبية تلك النداءات، فكم طالب الشعب الكريم بإسقاط الحكومات العادية غير المنتخبة، وكان الملك في كل مرة لا يخذل الشعب الكريم قيد أنملة.
إذا، هنيئا للعاهل الأردني شخصيته المحبوبة على المستوى الداخلي والخارجي والمحلي والإقليمي والعالمي، وسدد المولى خطاه نحو مزيد من الإصلاح والحرية والديمقراطية، فحكومة الظل التي نتشرف بالقيام بأعبائها تراقب عن كثب كل خطى القائد المحبوب، وهي معروفة بالجرأة والصراحة بلا أدنى حدود، وهي تقول مجددا هنيئا للشعب الأردني بهذا الملك الأردني، وهنيئا للعاهل الأردني هذا الشعب الأردني، وهنيئا للطرفين بهذه المحبة وهذا الاحترام المتبادلين، وليكن ربيعنا الأردني صيفا يانعا بثمار الحصاد على طريق المجد والسؤدد. آملين الانتصار للثورة الشعبية السورية ولكل الثورات الشعبية ضد كل الطغاة، ومن يعتقدغير ذلك فهو واهم، وربما آثم قلبه.
إعلامي أردني مقيم في دولة قطر
al-qodah@hotmail.com