بقلم : د. محمد جميعان
21-10-2012 09:23 AM
صحيح ان في الاعتقال بعض الايذاء الجسدي والنفسي..
ولكن يُخطئ من يعتقد ان في الاعتقال السياسي تحجيم للحر ومعتقداته، بل هو مفتاح الانطلاق للفكر وقيوده ومحدداته الموروثه، وهو يشكل ارباك حقيقي وقيود جديدة للنظام الذي يمارسه، تجعله في حالة ترقب وانتظار قلق لاي ردود فعل قد تنشأ بشكل مفاجئ، قد تصاعد وتسارع في الازمة المشتعلة اصلا.
اذ ان كل حالة اعتقال تشكل وعيا واثرا وتعبئة تلقائية يفوق اضعاف ما تفعله المسيرات والندوات والفعاليات الاعلامية، لما فيها من تجسيد للظلم ومعاناة للمظلوم، ورسم لحالة التفاعل الانساني ما بين الظالم والمظلوم، يلتف الناس حولها، ويجدوا فيها تفاعلا لعمق وجدانهم واحساسهم الانساني والسياسي، سيما ان ذلك يحدث امام البصر والبصيرة والسمع والمشاعر تتفاعل بشكل يومي مع الحدث وتؤججه..
ان اعتقال الاحرار في هذا الوقت بالذات، وفي خضم هذه الازمة العميقة، والصعاب الاقتصادية وتفاعلاتها، والمجاور الملتهب، والوعي غير المسبوق، والاحساس بالظلم المتاجج، انما هي خسار للاستقرار وللنظام نفسه.
ان التسامح والعفو في ظل المحددات التي ذكرت هي الاصوب والانجع الذي يحفظ الود، ويُطفئ التأجيج، ويُديم الحراك بشكل يخدم الاصلاح، ولا يخرجه من دائرة التوقع الى دائرة المفاجأت غير المتوقعة.
ان الحصيف والسياسي المدرك؛ من اخذ الوقائع كاملا بكل محدداته ومؤثراته وتفاعلاته وتداعياته المتوقعه كمشهد متداخل لم نشهده من قبل، ولا تنطبق عليه اطلاقا المعالجات الامنية التقليدية والروتينية التي كانت سائدة من قبل والتي لها الدور الاكبر فيما نشأ من ثورات لاحقه..
ان الامانة تقتضي ان ننصح بما نراه ينسجم مع الحكمة والعقل؛ ان اطلقوا سراح الاحرار، بل واكرموا مقامهم، فهم الاصدق حين علت اصواتهم وهم يدركون انهم ملاقوا بعض الالم والعذابات في الوقت الذي يرفل الاخرين بالنعم والالقاب والفساد يسعون الى مصالحهم.. وعند اول هزة ستجدونهم يحزمون حقائهم الى حيث ارصدتهم واهوائهم، ولن ينفع الا اؤلئك الرجال الرجال الصادقون الذين لا يعرفون ان يبطنوا ليجمعوا سحت بطونهم، بل يغضبون ويفرغون غضبهم في لحظة تعبير ليوصلوا الرسالة .. ولكنهم هم الاكثر صفاءا ونقاء وزهدا وهم هم الابعد عن التقية والنفاق..
نعم اما آن للاحرار ان يُطلق سراحهم ....
drmjumian@gmail.com