أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


رؤية تحليلية للأزمة السورية ( الجزء الأول )

بقلم : الدكتور محمد السنجلاوي
17-12-2012 11:10 AM


يقف العالم اليوم بعامة، والوطن العربي بخاصة، على تخوم أزمة لا زالت أقلام المحللين السياسيين تخوض غمارها، محاولة سبر أغوار تلك الأزمة، التي تكاد تنزلق إلى ميادين النزاعات الدولية.
تكمن خطورة الأزمة السورية، في كونها أصبحت تعد من الأزمات التي كادت تشعل حرباً عالمية ثالثة، مثل: ' أزمة الصواريخ الكوبية ' عام 1962م، ' والأزمة الكورية ' عام 1950م، ولولا دخول عدد كبير من الأقطاب الدولية على خط تلك الأزمة، لما تدحرجت كرة الثلج السورية كل هذه المسافات، التي حولتها إلى كرة ضخمة، بينت وبشكل واضح ضآلة وقزمية اللاعبين السياسيين العرب، الذين ما زالوا يلحون على امتطاء العمالقة، لاحتضان تداعيات تلك الأزمة.
ليس غريباً أن تشهد النخب السياسية العربية، حالة انقسام حادة بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، فالأزمة السورية ملتبسة وضبابية إلى حد كبير، فالولايات المتحدة الأمريكية ومن لف لفها من دول أوروبا، دخلت الأزمة تحت ذريعة المحافظة على حقوق الإنسان، وتكريس الديمقراطية في بلد الحزب الواحد، والحاكم الواحد، واللون الواحد، وأما روسيا والصين فقد دخلتا تلك الأزمة، تحت ذريعة المحافظة على استقرار المنطقة واحترام رأي الشعب السوري، والشرعية الدولية فموقفهما لا ينحرف عن ميثاق الأمم المتحدة، بل يندغم مع القواعد التي تحكم العلاقات الدولية.
دخول تلك الدول في عمق الأزمة السورية، يثوّر في أذهان المراقبين والراصدين السياسيين عدداً من الأسئلة، وزوبعةً من الشكوك في انسانية مواقفها وتحركاتها، التي غالباً ما تتخذ طابع ' الضد ' في تعاملاتها مع شعوب أخرى، ودول أخرى في أرجاء المعمورة في ظل ظروف مشابهة، بالرغم من أن الذرائع في كل مرة تكاد تكون واحدة. فما مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في سقوط نظام الأسد؟ وما مصلحة روسيا والصين في الإبقاء على نظام الأسد؟
يظهر من خلال السؤالين السابقين، أن المصلحة تقف خلف تحركات جميع الأطراف، مدفوعة بواقعية سياسية، بعيدة كل البعد عن الأكاذيب السياسية ' الرومانسية ' المعولمة التي يحاول أن يروجها البعض هنا وهناك، فالعلاقات بين الدول لا تحكمها إلا المصالح فقط، وليس أدل على ذلك من المقولة الخالدة في عالم السياسة ' ليس هناك عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة '.
الإجابة عن السؤال الأول لن تكلفنا الكثير من العناء والجهد، إذ أنه لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية، ضربت بكل قوتها في المنطقة لترسيخ شرق أوسط جديد؛ لتحقيق مزيد من الأطماع الأمريكية في المنطقة، ولذا نجحت ببراعة في استخدام سياســة (العصا والجزرة) التي سعت من خلالها، لتجذير هيمنة كاملة غير منقوصة، لولا وجود ما أطلق عليه (دول الممانعة) التي تعد سورية من أبرز وجوهها، فنظام الأسد بتحالفه مع إيران وحزب الله، فوّت عليها تلك الفرصة التي كانت تعد ذهبية، بخاصة بعد نجاحها بالإطاحة بنظام صدام حسين.
إذن فالولايات المتحدة الأمريكية، ستظل مصممة على استحداث ذلك المشروع الشرق أوسطي الجديد؛ لأن اسرائيل لن تتنازل عن ذلك المشروع مهما كلف الثمن، فإعادة تشكيل المنطقة والإستحواذ على جميع مصادر الطاقة فيها، والإستحواذ على مقدراتها، نابع من رؤية (صهيو – أمريكية) تستوجب تطهير كآفة المنغصات من طريقها، كما تستوجب ضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية، ودينية، ومذهبية... ليتسنى بعد ذلك لإسراِئيل قيادة المنطقة.
وبالفعل هذا ما كان قد طرحه رئيس 'دولة إسرائيل' حالياً شمعون بيريز في كتابه 'الشرق الأوسط الجديد' الصادر عام 1993م، وإن المدقق بهذ الطرح وبهذه الرؤيـة الشـمعونية، سيجد أنـها رؤيـة متمـاهية مع الرؤية التي طرحهــا المستشرق اليهودي الأمـريكي 'برنارد لويس' منذ السبعينات، والتي ما زالت تدور السياسة الأمريكية في إطارها.
فالشرق الأوسط الجديد قادم لا محالة في العقيدتين (الأمريكية والإسرائيلية)، والتصميم على ذلك في ظل ما يسمى (الربيع العربي) اتخذ جانباً أكثر حدة وأكثر تشبثاً من ذي قبل؛ لأن التناحر هو السمة المميزة لأصحاب ذلك الربيع، وإن المراهنة على قطف ثماره في المدى القريب، هي مراهنة فاشلة؛ وذلك نظرا لغياب الثقافة المؤسسة، لقيام ديمقراطيات قادرة على تحمل مسؤولياتها التاريخية، والسياسية، والإقتصادية ... وإلى حين امتلاك تلك الثقافة، وتجاوز كل عقبات ذلك الإمتلاك قد تكون المنطقة بالفعل غزتها رياح التغيير التي لا تُبقي ولا تَذر.
(على موعدٍ مع الجزء الثاني)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
17-12-2012 05:00 PM

اذا هل كانت الانظمة التي سقطت والتي كانت تتهم بالخيانه والعماله لامريكا والتطبيع سرا و/أو علنا مع اسرائيل، انظمه مقاومة ومضادة للفكر الصهيوامريكي حتى تمت ازالتها ؟؟

2) تعليق بواسطة :
17-12-2012 05:54 PM

برنارد لويس وجوقته تهويم حالم يفترض عمل ما يريد في فراغ مطلق، اثبتت الايام مجافاته للواقع فالشعوب موجوده اولا، وامريكا عينها على تجميع المقسم تحت تحالفات اسلاميه تمتد مستقبلا من انقره الى صنعاء ومن القاهرة الى نواكشوط، تكون فيه اسرائيل دوله صغيره أمنه من ضمن التحالف. ان توجهات الاستراتيجية الامريكيه المعلنة لربع قرن قادم هو حشدمتراكم من قوتها في شرق وجنوب شرق اسيا لاحتواء التنين الصيني وامكانية تحالفه مع الدب الروسي، المشهد الذي يراه الغرب تهديدا عاصفا لمصالحه في العالم. بمعنى ان العرب ليس لهم من حليف مفيد غير الغرب فرغم وحشيته الا انه يمتلك سجايا الديموقراطية والعدالة والعلم المفيد وحفاظة على كرامه مواطنية، على نقيض الروس والصين، ليقوم الاسلام السياسي بالتحالف مع اسرائيل على ضمان المصالح الامريكيه بسواعد ابناءه.حل القضيه الفلسطينيه قريب وسيمهد لهذا التوجه الذي اخذ بالتشكل على استحياء، والهلال الشيعي خرجت احدى اهم حلقات الوصل فيه بالترنح، ونفاس المالكي ضاق بها صدرة وفشل مشروهه، وحزب الله اذكى من ان يكون هدفا سهلا للدمار وبدء يستعد للحوار بدلا من المناكفه.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012