أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


خصوصيات سياسية عربية

بقلم : أ.د.أحمد التل
27-12-2012 11:54 PM
يقول المفكر العربي السيد ياسين إن ضعف الأحزاب السياسية وقلة المنافسة الحقيقية من العوائق الرئيسية للديمقراطية في مصر، حيث المشهد السياسي يخضع منذ فترة طويلة إلى سيطرة حزب واحد كان واحداً في السابق، وتحول إلى حزب مهيمن وهو الحزب الوطني الديمقراطي، وتحول الآن (2012) إلى جماعة الإخوان المسلمين.
أما لبنان فهو على عكس حالة مصر التي تبدو فيها قوة الدولة، ذلك أن الدولة فيه بالغة الهشاشة، لأنها دولة ضعيفة نظراً لتعقُّد العملية السياسية القائمة على محاولة التوازن بين الطوائف، وأصبحت في الأعوام القليلة مسرحاً لعمليات الاغتيال الإرهابية المنظمة ضد الشخصيات القيادية اللبنانية الوطنية كان آخرها اغتيال اللواء وسام الحسن يوم الأحد 20 / 10 / 2012 في حي الأشرفية في بيروت.
والمشكلة أن الطائفية في لبنان ليست مجرد ممارسة سياسية منحرفة، بقدر ما هي ممارسة سياسية مقننة، بحيث توزع المناصب السياسية الرئيسة حسب الطوائف. وقد توافق الميثاق الوطني الذي أُبرم عام 1943 ومع اتفاق غير رسمي، على وجوب أن يكون رئيس الدولة مسيحياً مارونياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً ورئيس البرلمان شيعياً، وعلى وجوب تمثيل المسيحيين والمسلمين في البرلمان وفي الخدمة المدنية وفقاً لنسبة 6 للمسيحيين و 5 للمسلمين (استناداً إلى الإحصاء السكاني لعام 1932). وهكذا يمكن القول إن النظام اللبناني، بحكم استناده إلى الطائفية، يعوق إنشاء دولة حديثة فيها سلطة مركزية تتمتع بقدرة صنع القرار.
وإذا كانت الطائفية هي السمة الغالبة على النظام السياسي اللبناني، فإن القَبَليَّة هي المعلم الرئيس للنظام السياسي اليمني، رغم الإصلاحات الديمقراطية التي تمت فيه في السنوات الأخيرة.
والنظام السياسي الحالي قام على أساس نشأة جمهورية اليمن عام 1990، عندما جرى توحيد الجمهورية العربية اليمنية المتميزة تاريخياً وسياسياً في الشمال مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية في الجنوب، وقد حاول هذا النظام بسط سلطته على مجتمع متميز ببنية قبلية قوية، غالباً ما كانت تملك استقلالية ذاتية فعلية عن الدولة.
وهكذا لا يمكن فهم الواقع السياسي اليمني إلا من خلال النفاذ من باب التركيبة القبلية من ناحية، ومشكلات الوحدة بين اليمنيين من ناحية أخرى. ويشهد على ذلك الصراع القائم الآن بين الحوثيين والسلطة المركزية في اليمن من ناحية، ومطالبات الجنوب بالانفصال عن الشمال من ناحية أخرى، وقد تجلت هذه الصراعات في الثورة الشعبية اليمنية لعام 2011 وعام 2012.
وهكذا يمكن القول – لو تأملنا حالَتْي لبنان واليمن – إن الطائفية والقبلية تعتبران من بين المعوقات الحقيقية لتحقيق ديمقراطية سياسية حقيقية.
والطائفية اللبنانية التي تقوم على أساس العرق والمذهب الديني والهوية الوطنية القطرية، يمكن أن نجد أصداء لها في عديد من البلاد العربية أبرزها العراق حيث الصراع بين السنة والشيعة.
كما أن القبلية – وإن كانت بارزة بروزاً شديداً في اليمن – لا يغيب تأثيرها في عديد من البلدان العربية كالسعودية ودول الخليج العربي والأردن وسورية والعراق والمغرب العربي.
والسؤال المحوري هو ماذا يعني تأثير الطائفية والقبلية في مجمل العملية السياسية في بلاد عربية متعددة؟
معناه ببساطة أن الركن الأول من أركان أي نظام ديمقراطي وهو المواطنة، غائب تماماً، وهذا في تقديرنا السبب العميق في تعثر عملية الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي.
بعبارة أخرى، مادام يُنظر للفرد ليس باعتباره مواطناً – بغض النظر عن دينه وجنسه وأصله العرقي – له كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فنحن أمام معضلة كبرى لا بد من مواجهتها، إن أردنا أن نحقق تقدماً في الإصلاح السياسي العربي.
وإذا رجعنا إلى الخبرة الأوروبية في هذا المجال لاكتشفنا أن مشروع الحداثة الأوروبي الذي في ضوئه تم تحديث المجتمعات الأوروبية ونقلها من نمط المجتمعات الزراعية الإقطاعية إلى نموذج كالمجتمعات الصناعية الرأسمالية، قام أساساً على الفردية. بمعنى استخلاص الفرد من ربقة البِنَى الشمولية التي كانت سائدة في المجتمع الإقطاعي الأوروبي، حيث ذاب استقلاله باعتباره كياناً فردياً في خضم التنظيم الشمولي للمجتمع الإقطاعي، الذي كان يقوم على العبودية، بحيث كان الأفراد يعتبرون مجرد أرقام وليس لهم كيانات مستقلة، ومن ثَمَّ لم تكن لهم حقوق.
من هنا ركز مشروع الحداثة الغربي على تحرير الفرد من أغلال المجتمع الإقطاعي، كتحويله إلى مواطن له حقوق سياسية وحقوق اقتصادية في الوقت نفسه، بالإضافة إلى إعطائه حق التنقل والعمل كما يشاء، من هنا منطق شعار الرأسمالية المبكرة 'دعه يعمل، دعه يمر'، بمعنى ترك الحرية للفرد باعتباره مواطناً في أن يتنقل وفق إرادته الحرة من مكان إلى مكان حسب تقديره، وكذلك إعطاؤه الحق في اختيار نوع العمل الذي يريده.
وكان هذا تحولاً تاريخياً في تاريخ المجتمع الأوروبي، لأنه تضمن تحويل 'الرعايا' في المجتمع الإقطاعي إلى 'مواطنين'. وربما عَبَّر خير تعبير عن هذا التحول 'إعلان حقوق الإنسان والمواطن الشهير'. وإذا ألقينا النظر الآن إلى تجربة العالم العربي لأدركنا أن مثل هذا التحول لم يحدث لأسباب متعددة، وقد يكون هذا هو السبب الحقيقي لتعثر الديمقراطية العربية.
وقد كان الأفراد العرب لفترة طويلة مجرد رعايا للدولة العثمانية، وحين برزت فكرة العروبة وتحررت البلاد العربية – عبر دروب ومسالك شتى – من الإرث العثماني الثقيل، كان المفروض أن يتحول هؤلاء الرعايا في الدول العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية، إلى مواطنين كاملي الأهلية، لهم الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.
غير أن التاريخ يشهد على أن الاستعمار الغربي بصوره المتعددة قد عوق من هذه المسيرة. كان هناك استعمار استيطاني فرنسي للجزائر، واستعمار إيطالي لليبيا، واستعمار فرنسي للمغرب وتونس، واحتلال إنجليزي لمصر، ونظم للوصاية والانتداب على سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن إنجليزي للعراق. كل هذه الصور الاستعمارية أدت إلى وضع الأفراد العرب في بلادهم المختلفة بتأثير القمع والبطش، في خانة الرعايا وليس في فئة المواطنين الأحرار.
ثم جاءت من بعد حقبة الاستقلال، واستطاعت دول عربية شتى أن تنتزع استقلالها سواء بالمفاوضات مثل حالة مصر عام 1954 بعد مفاوضات شاقة مع الإنجليز قام بها الضباط الأحرار بعد ثورة يوليو 1952، أو بالقوة المسلحة عبر حرب تحرير مجيدة كما هو الحال في الجزائر، أو بمزيج من النضال السياسي والكفاح المسلح كما حدث في تونس والمغرب، أو بالنضال السياسي كما حدث في الأردن قبل عام 1946.
تم الاستقلال الوطني، غير أنه فيما يبدو أن عملية تحويل الرعايا الذين كانوا خاضعين في ظل الحكومات الاستعمارية الغريبة إلى مواطنين كاملي الحقوق، لم تتم لأسباب متعددة في الدول العربية المستقلة لأسباب متعددة من أبرزها إصرار الأنظمة السياسية على احتكار السلطة وفوائدها وعدم إشراك المواطنين في إدارة شؤون بلدانهم.
ويُرد السبب في بعض البلاد التي قامت فيها ثورات سياسية مثل ثورة يوليو 1952، وحكم البعث في سورية والعراق، إلى أن هذه النظم الثورية وإن حررت الأفراد من عديد من القيود التي كبلت حركتهم في الحقبة الاستعمارية، وباشرت كلٌ على حدة عمليات تحديث واسعة المدى رفعت من نوعية حياة الناس، إلا أن القيود السياسية التي فرضت على الأفراد جعلتهم يظلون قابعين في فئة الرعايا ولم تنقلهم إلى فئة المواطنين كاملي الأهلية. والمُواطَنة في معناها الحقيقي تعني حق الأفراد في التمتع بحقوقهم السياسية والاقتصادية كاملة بغض النظر عن الدين والأصل والجنس.
غير أن المواطنة بهذا المعنى لم تتحقق في غالبية البلاد العربية؛ وذلك لأن نظمها السياسية تراوحت بين الشمولية المطلقة والسلطوية الكاملة. ومن المعروف أن كلاً من الشمولية والسلطوية تحد من حريات الأفراد، كما أنها تقيد حركة المجتمع المدني، لأنها تقوم أساساً على الهيمنة المطلقة للدولة، ومنع ظهور مراكز مستقلة لاتخاذ القرار. فقد ثارت الشعوب العربية في معظم البلاد العربية في عام 2011 لانتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومشاركة في اتخاذ القرار، ولكي يصبحوا 'مواطنين لا رعايا'.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012