أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الدين والسياسة ...

بقلم : نبيل عمرو
02-02-2013 11:26 AM
نبيل عمرو-عمان

-الدين بالمطلق ''أي دين'' في وعيّ من يعتنقه هو علاقة خاصة بين الإنسان وربه ، ورؤية روحانية يحاكي الشخص من خلالها طقوسه لتأكيد عقيدته ، وكل يرى في عقيدته أنها الصح الوحيد وما دونها كُفر ، وإن أحصينا الأديان فهي بالآلاف ، والدين يُمثل في وجدان صاحبه الشرف ، الخُلق الحميد ، الإستقامة ، النزاهة وغير خاضع لأية قوة غير قوة الرب الذي يعبده هذا الشخص أو ذاك ، فيما السياسة وبالمطلق هي دهاليز عُهر ومباءَة بلا قيم ، أخلاق أو عقيدة كونها تُحاكي الواقع بالألاعيب ، الكذب ، التآمر ، النصب ، الإحتيال ، الغدر ، الإغتيال ، القتل والحروب وكلها في عُرف السياسة والساسة ، سبل مباحة لتحقيق المصالح والغايات ، ولاعلاقة للسياسة بما يُمثله الغيب من قداسة ، وما يمنحه للإنسان من سلام ، طمأنينة وتصالح مع الذات ومع الآخر ، ما لم يكن الشخص مصابا بمرض العُصابية ، التشدد والتزمت.

-وفي الواقع المعاش فإن السياسة هي مصالح ولا شيئ غير ذلك، يتم تأمينها وتعظيمها بسياسات إختُزلت بالنظرية الميكافلية ''الغاية تُبرر الوسيلة '' ، التي لا وجود فيها لأي من القيم القدسية التي تعتمدها الأديان ويُمارسها الأتباع في المعابد، وفي لحظة زج الدين في أوكار ومواخير السياسة ودهاليزها ، فهذا يعني تلويث الدين والروحانيات بأمراض السياسة التي لا حدود لها ، ناهيك عن أن وصاية الدين على السياسة ، ستُفقد الأخيرة حُرية الحركة وتحط من قدرتها على تأمين مصالح الدولة والشعب المحكوم بالدين ، وما سيواجهه من قمع وجور يستلب حريته الشخصية ، وضياع حقه في نسج علاقته الخاصة مع ربه بالطريقة الأنسب إليه .

-وعلى مدار العصور والأزمان التي شهدت شعوبها الحكم الديني ، إلا وكانت الفتن والحروب الدموية بين أطياف الشعب الواحد ومع شعوب أخرى ، خاصة وأن أهل الدين الواحد كل منهم يرى الدين بمنظاره الخاص في كثير من المسائل ، وعبر تفسيرات متباينة لأحكام ذلك الدين ، بدلالة أن كل دين فيه فرق ، مذاهب ، طوائف وملل ، واضحة إختلافاتها وتبايناتها .

-وعلى ذلك نرى أن الدول التي تخلصت من وصاية الدين على السياسة ، كما هو حال أوروبا ، الأمريكتان ، جنوب شرق آسيا ، إستراليا وغالبية إفريقيا هي الأنجح سياسيا ، إقتصاديا ، علميا ، تقنيا وإجتماعيا والأكثر أمنا وإستقرارا ، وشعوبها تتمتع بالحرية ، الديموقراطية ، العدل ، المساواة وحقوق الإنسان ، ليتوقف الأمر حصرا عند مبعوثي العناية الإلهية في العالم الإسلامي ، الذين ما يزالون يغرقون في الأوهام ، إذ يرى بعضهم أن بمقدوره العودة بجزء من أهل القرية الكونية إلى الحكم الديني ، وتحت وصاية المرشد العام أو الولي الفقيه وما بينهما من زعامات ، المذاهب ، الطوئف ، الملل والنحل وما أكثرها .

-إن كان كل ذلك في الإطار العام ، فإن ما يجري في مصر ''أم الدنيا'' ومزاج شعبها ''دي حاجتي ودي حاجة ربنا'' الذي يُعتبر وتوأمه الشامي ''مزاج الحياة'' والمدنية ، من أشد الشعوب العربية تجذرا في الأرض وتمسكا بها ، كحصيلة للنشأة الزراعية على ضفاف النيل في مصر ، وعدد من الأنهار ووفرة المياه في الديار الشامية قبل ضياع فلسطين ، وهو ما يدعونا للتوقف عند سعي المتدثرين بعباءَة الإسلام وفرض وصايتهم على شعوب المنطقة ، غير آبهين بما هي عليه هذه الشعوب من وعي وثقافة مدنية ، ترفض دكتاتورية الدين كما رفضت وترفض دكتاتورية الأحزاب الشمولية والحكام الطُغاة ، ولا يقل حال بقية الشعوب العربية عن حال مصر والديار الشامية وإن بتفاوت ، تراوح بين ظاهرة النفط ، المتغيرات الثقافية وبين تأثير الإستعمار وما أحدثه من تدوير ثقافي في جنوب الوطن العربي وشماله .

-الحالة المصرية وبما هي عليه مصر من تميز ، إن من حيث عدد السكان ، التاريخ ، الجغرافيا، الحضارة ومخزونات الأرض تشكل أنموذجا حيا على ما ستكون عليه ردة فعل بقية الشعوب العربية ، بعد أن أُختطفت مصر من قبل جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها السلفية ، القاعدة ، النُصرة وغيرها من مسميات ، التي تعمل جاهدة على تفصيل الدستور والقوانين المصرية على مقاسها ، وبما يضمن لها فرض وصايتها على الشعب المصري أبديا ، بإعتبارها وكيلة الله على الأرض ،وبهذه الوكالة التي إجترحتها دكتاتورية الدين المُعششة في عقل المرشد العام وأتباعه ، تم تقويض مبادئ ثورة الشعب المصري العظيم ، فوجد نفسه يهرب من رذاذ دكتاتورية مُبارك وطغيانه ، فوقع تحت مزراب المرشد العام وصبيه محمد مرسي الأشد دكتاتورية وطغيانا وبإسم الإسلام ، فيما الإسلام الحنيف والسمح براء من هذه الطُغمة المُتأسلمة ، التي تمتطي صهوة الدين فيما على سبيل المثل لا الحصر ، تُمارس ذات العُهر الذي مارسه مُبارك غير المُبارك ، فها هي مصر المرشد العام تبيع ، تشتري ، تقايض وتتاجر بقضية فلسطين وعلى عينك يا شعب مصر وما قدمته وقدمه الفلسطينيون ، العرب والمسلمون ''غير المتأسلمين'' من شهداء وتضحيات.

-الدين لله والوطن للجميع ، بغير هذا فإن أتباع المرشد العام حيثما كانوا ، في مصر ، العراق ، سورية ، فلسطين والأردن وأي مكان آخر ، سيذهبون بنا إلى الفوضى غير الخلاقة ، في زمن لم يعد يحتمل فيه الناس وصاية دينية من أحد ، ففي مصر كما في أرجاء الوطن العربي والعالم بأسره أُناس متدينون ويتبعون أديان ، مذاهب ، ملل وطوائف مختلفة وآخرون لا دين لهم ، لكن الجميع شركاء في الأوطان لهم حقوقا متساوية وواجبات متماثلة ، ولا يحق لأحد أن ينتقص من حقوقهم أو يعاقبهم هلى رؤاهم الدينية ، '' لكم دين وليَ دين ولو كَرِهَ الكافرون'' ، وبهذا أن يقبل الكافرون بدين محمد ''صلعم'' أو يرفضوه فهذا شأنهم ، ما دام الخلق جميعا في نهاية المطاف في ذمة الله عز وجل ، وليس في ذمة محمد ''صلعم'' وأتباعه من بعده ، وكما يُقال في الموروث الشعبي ، كل شاة مُعلقة من عرقوبها.

نبيل عمرو-صحفي أردني

nabil_amro@hotmail.com

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
02-02-2013 04:46 PM

من هم الجميع الذين لهم الوطن ؟؟؟؟
لا تفتى رحمك الله . الدين ليس كما قلت مجرد طقوس و رؤية روحانيه !!!
الدين عباره عن اوامر و نواهى , يعنى حلال و حرام . منها للفرد و منها للجماعة ككل . منها عبادات و منها معاملات , منها اقتصاديه و منها سياسية . كيف تفسر الآيات التى وردت بالقرآن الكريم عن الاقتصاد مثلا و عن التعامل مع الغير من قبل جماعة المسلمين ( السياسة ) و كيف تفسر آيات الاحكانم المتعلقة بالحكم , هل هى زائده و ليس لها واقع فى حياتنا ؟؟؟ ىلاف الاحاديث النبويه التى حللت و حرمت معظم امور حياتنا اليست سياسه او هى مجرد طقوس فرديه . ارجو التامل فى المقاله بالاستناد\ الى الشرع و الدين و خاصة القرآن الكريم الذى لا خلاف حوله بالنص القطعى و التفسير المعتبر من ائمة التفسير .
ارجو الانتباه و عدم الخوض فى الفتوى بدون علم لانها من اكبر الكبائر بنص الحديث الشريف . من افتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .. اعاذنا الله جميعا و نجانا منها . !!! و السلام

2) تعليق بواسطة :
02-02-2013 08:54 PM

رغم أختلاط السياسي بالديني في مصر الا أن الفكرة العامه ألتي يطرحها الكاتب تستحق الأحترام , ألتجربه الحزبيه الدينيه تجربه خطيرة , فهي تحمل أقصاءاُ لمن هو خارج الدين ثم أقصاءاُ للمخالف في المذهب ومن ثم أقصاءاُ للمخالف في الرؤيه والمنهج في نفس المذهب ,,ولعلنًا هنا نتساءل ,من يقدم ألرؤيه السياسيه الأصح وفي نفس المذهب هل الرؤيه السلفيه أم رؤيه الأخوان المسلمين ؟؟؟ وهكذا ندخل في مسلسل طويل من أقصاء المخالف . في منطقتنا العربيه ذات التعقيد الطائفي والمذهبي هناك مخاطر كبيرة للحكم الديني ومن المنطق الأيمان بفكرة "ألدين لله والوطن للجميع " وأن يتم التعامل مع الجانب السياسي كأي مجال فني حرفي آخر كالطب والهندسه وغيرها حيث لا يميز طبيب عن آخر سوى كفائته وعلمه وهكذا السياسه فالأصل هو السعي لتطوير حياة الناس من الجوانب الأقتصاديه والأجتماعيه أما الجانب الديني فعلاقه روحانيه بين العبد وربه .

3) تعليق بواسطة :
02-02-2013 08:59 PM

حضرة كاتب المقال المحترم ...
الامثلة التى ذكرت فى المقال ليست حجة على الاسلام و لا تعيب الاسلام بشيئ.و ليس هذا هو المقياس الصحيح لتحكم على الدين الذى انزله الله لنا و كلفنا باتباعه .
الدين هو الاصل و المرجع و المقياس . علينا ان نفهم و نستوعب هذا الدين العظيم و من ثم نقارن و نقيم ما وافق الدين و ما خالفه . اما الادعاء بعدم وجود سياسه فى شرع الله و انه طقوس فرديه كلام غير صحيح نهائيا و فيه تجنى و تحريف و عدم وعى ( مع احترامى لشخصكم الكريم ) , ارجو منك الرد على سؤال بسيط وهو , ما موقفك من الدين اولا ؟ بمعنى هل انت من المسلمين الملتزمين او المناصرين للاسلام , و ماذا يعنى لك الدين ؟ حتى يكون الرد و النقاش ذو معنى و نتيجه , ولا يكون كل منا فى واد . و السلام على من اتبع الهدى

4) تعليق بواسطة :
02-02-2013 09:32 PM

The acceptable International standards to govern all kinds of people irrespective their religious views is democratic system which is based on the values of Human rights which accepted all people . Human rights it guarantees
justice to all people as mentioned irrespective of their religion , political views..etc. Any other standards such as religion whether it is Islam or christian , Hindus will not be a good acceptable standards since each one lacks somehow the acceptance of others unless they become followers to it , therefore religion is not a good tool to use to govern nations. religion is the main cause of wars around the world and millions killed because of religion .The Americans knows very well to let religion govern the middle east two things will be the outcome , one is self destruction therefore this will ultimately benefit Israel and second people after being ruled by religion for say half century which is a normal life cycle for change to take place people will realize that religion has caused them agony and misery when their standards of livening deprecation they will revolt against religion . Religion any one should only be spiritual thing for the person who practice but never to govern. History lessons proved that . The writer is an intelligent person and must be well heard. He is saying some thing few dare to touch on this area.

5) تعليق بواسطة :
03-02-2013 01:54 AM

ارجوك ان تبدل الصورة فهي نشاز مع بيئة تحارب التدخين!!!

6) تعليق بواسطة :
03-02-2013 03:57 AM

هزلت حتى بان طحالها وسامها كل سخيف وكما يقول المثل ( ما ظل على الخم غير ممعوط الذنب ) هذا آخر الزمن يا ناس , أصبح من لا يعرف ثلث الثلاث يفتي في الدين !! انا لا اتجنى على نبيل عمرو , فأنا اعرفه منذ ان كان يعمل مراسلاً في جريدة الصباح في اوائل السبعينيات . واتمنى على السيد نبيل ان يقرأ الإسلام جيدا , هذا إذا كان يجيد القرأءة , وحتى لو أجادها , فهل يجيد الفهم , ويجيد العربية لنطلق عليه لقب مفتي ( شبرد ) .

7) تعليق بواسطة :
03-02-2013 12:15 PM

لو كنتً عراقياً سنياً أو مسيحياً , هل تفضَل أن يكون العراق بلداً مدنياً لكل مواطنيه من كل الأديان أم أن يكون طائفياً كما هو الآن ؟؟؟
هذا ما يطرحه الكاتب .

8) تعليق بواسطة :
03-02-2013 04:45 PM

الأخ نبيل عمرو يقدم طرحا ً علمانيا ً يكون فيه الفصل بين الدين و السياسة هو مدخل المواطنة المتساوية من جهة، و مدخل مأسسة الدولة من جهة أخرى بناء ً على حساب المصالح و اسنباط ما يناسب هذا العصر و متطلبات البقاء فيه و اللحاق بركب الحضارة و المساهمة الفعالة فيها.

إن الدعوة للعلمانية ليست دعوة للعهر أو الفجور أو الفسق، لكن هي بالحقيقة صيانة لكل شريحة من شرائح المجتمع لممارسة قناعاتها في إطار دستور يضمن حقوق المواطنين، دون وصاية أشخاص يدَّعون أنهم يملكون حقا ً إلهيا ً للسيطرة على الناس. الدعوة للعلمانية تضمن للمسلم مسجده و للمسيحي كنيسته و للملحد إلحاده، لكن فيها يضع المسلم و المسيحي و الملحد أيديهم في أيدي بعض لبناء الوطن الذي يعيشون فيه دون أن يُحاسب منهم الآخر، فالحساب ليس في هذه الدنيا و أعتقد أن هذا ما يؤمن به كل مُتدين، لكن الوطن يُحاسب في هذه الدنيا لأنه موجود فيها و بقاؤه رهن ٌ بأهله و مواطنته و ليس بأديانهم.

الدعوة للعلمانية وقاء للدين و للوطن و الإنسان، و لا يجب أن تُفهم من خلال صرخات المُتسرعين الذين لا يعرفون منها سوى ما يُخبرهم وكلاء الله على الأرض. أعتقد جادا ً أن الناس في وطننا تشتاق للعلمانية لتخليصهم من نير الاستعباد الديني و الاقتصادي، فالعلمانية تضمن لهم الدين و اجتثاث الفساد، و عندها يفوزون بالدن و الدنيا.

فلنترك وكلاء الله جانبا ً فهؤلاء لا يأتون بخير في أي دولة يذهبون إليها و مصر أمامكم، و التاريخ أيضا ً و الأمم الأخرى و علومها و حضارتها و هجارات أبنائنا إليها هربا ً من القهر دليل ٌ آخر ماثل ٌ لا يُفارف الأعين أو الضمائر.

تأملوا في قولي.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012