أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الحمار المظلوم قصة حقيقية من تراث أبي

بقلم : د. محمود علي الطهراوي
26-02-2013 11:34 AM

لقد عايشت والدي من منتصف الستينات وحتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي وكان فلاحاً مجداً مجتهداً _عليه رحمة الله_ و يمتلك من أدوات الفلاحة ودوابها ما يكفي. ومن هذه الأدوات: المنجل، والكربال، والغربال، والشاعوب، والمذراة، والصاع، والمد، والخياش، وشوالات أبو خط أحمر المبروكة التي ما عدنا نراها من 30 سنه، وكان عندنا مغاره ولها روزنه مليئه بتبن القمح وتبن العدس ( القيطاني) وكان عندنا لوح دراس وعود حراث بالإضافة إلى النًيــر*. ومن الحيوانات الحمار أصهب المظلوم موضوع مقالتنا اليوم والكلب شماس الوفي، ومجموعة من الماعز ولها أسماء عند أبي أيضاً أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: صبحا ورمله وعنقا.......... الخ.
أما الحمار المظلوم فكان قوياً عنيداً شموخاً عنده من الكبرياء والأنفة الشي الكثير، حيث كان لايستطيع امتطاء صهوته إلاَ ابي وأبي فقط. لأنه كان يدللَـه ويطعمه الخبز الناشف مدهوناً بالدبس أو يجعل مع التبن والشعير قليلاًً من السكر، وتربى عندنا منذ صغره وتدرج بالرتب حسب تقسيمات حزب الحمير الذي أسسه علي زكي طليمات في مصر سنة (1930) من كُر ثم جحش ثم حمار صغير ثم حمار كبير. وفي غفلةٍ من أمرنا وعلى حينِ ِغره. انطلق أصهب من حضيرته ودخل في سور البلديه ولأنه في النهايةِ حمار لم يدرك حجم جريمته إذ اعتدى على المال العام وعاث في ممتلكات الشعب فساداً، وأكل من شجر البلدية وداس عشب الساحة، فأمسكوا به وأشبعوه ضرباً وتنكيلاً وأعدوه خائناً لأمته ووطنه وأهله، ولم يدركوا بعد أنه حمار، فكيف بمن ليس حمارٌ وسرق قوت المواطن وماله العام، عن علمٍ وإصرارٍ ودرايةٍ وسوء نيه وهو يتقلد منصباً من أعلى مناصب الدولة.
وخرج أصهب من سور البلديةِ على غيرِ هدى، لحمرنته أولاً ومن شدة الضرب المبرح ثانياً فدخل إلى بستان جارنا ولأنه مرةً أخرى حمار لم يرعى حق الجيرة ولم يدرك مسؤولية حسن الجوار. إنهال عليه الجار ضرباً وكأنه لم يسمع بقصةٍ واحدةٍ عن الرفقِِ بالحيوان أو حتى عن الرفق بالإنسان. فعاد الحمارُ إلى الحضيرةِ منهكاً موجوعاً وظل واقفاً بلا حراك عدة أيام دون أكلٍ أو شرب، وكأنه أعلن إضراباً عن الطعام والشراب- ورغم كل المحاولات الجاده لإنقاذه- مات الحمارُ أصهب واقـفاً رافضاً للظلم وأهله متجرداً من كل ملذات الحياة
( خبز ناشف مدهون بالدبس أوعليقة شعير بها عشرُ غرامات من السكر) فاستراح هذا المسكين من شقاء الدنيا وضنكها وظلم أهلها.
فكم من مظلومٍ في وطننا العربي مات جاثياً على ركبتيه؟ ينتظر أن ينهالَ عليه جلادهُ ضرباً ثم ضرباً ثم ضرباً ولسان حال الجلاد _ كأمثال الذهبي والبطيخي والكردي وشاهين _ يقول: وجود النّيـر شيء هام ما دامت هناك رقاب منحنيه.
**************
*-النّـير: هـو لوح طــويل وعريض من الخشب يتم وضعها عـــــــلى رقبة ثورين ليتم احكام السيطره عليهما
وجمعهما مع بعضهما ليقوما بمهمة حراثة الأرض معاً، أي أن يساعدا بعضهما البعض في الفلاحه .

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-02-2013 11:57 AM

يا طهراوي

بما انك ذكرت النير وجوز الثيران
اذكرك بالامثلة الشعبية التالية
التلم الاعوج بيجي من الثور الكبير!!

ما بحرث الارض الا عجولها-وبعضهم يقول فحولها!
الله يرحم حماركو طلع عنده كرامه وابن اصل ما قبل بالضيم!!

2) تعليق بواسطة :
26-02-2013 12:42 PM

ضاعة الكلمات للتعليق !!
نتمني يا سيدي لهذا البلد واهلة ..ان يبقى صامدا متماسكا اصيلا وشامخا .
موت الحمار واقفا لعزة نفسية
اشرف من الموت فطيسة لرجال خسيسة فاسدة ذكرتها .. مزابل التاريخ تنتظرهم

3) تعليق بواسطة :
27-02-2013 01:37 AM

مقال رائع وتصوير جميل للواقع , وأتمنى على للكاتب علاقه بالمفكر الوطني المستشار علي الطهراوي ؟

4) تعليق بواسطة :
27-02-2013 10:18 AM

عفيه
كفييت و وفييت
سجل الحمار موقفه
و للتاريخ الخالد مش للكرش الدالق

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012