28-10-2010 10:17 AM
كل الاردن -
محمد نزال-في منطقة تقع إدارياً ضمن نطاق الضاحية الجنوبية لبيروت، حصل الحدث الأبرز في لبنان أمس. «إشكال بين محققين من المحكمة الدولية ونساء في عيادة الدكتورة إيمان شرارة». هكذا سبقت قناة «المنار» إلى بث الخبر بصيغة العاجل. مضت دقائق قليلة قبل أن يعجّ الشارع المتفرع من طريق المطار بالصحافيين، وتحديداً مقابل مؤسسة «الفانتزي وورلد» حيث تقع عيادة الطبيبة الاختصاصية بالجراحة النسائية، إيمان شرارة. كان الخبر ليمر مرور الكرام، لولا ورود عبارة المحكمة الدولية فيه، فهذه الأخيرة «جهة مشبوهة في نظر الكثيرين من أهالي الضاحية، وتهدف إلى ضرب المقاومة»، على حد تعبير أحد سكّان المنطقة، الذي كان شاهداً على ما حصل.
بدأت الحكاية يوم الجمعة الماضي، حيث تلقّت الطبيبة شرارة اتصالاً هاتفياً من شخص يدعى موفق، عرّف عن نفسه بلهجة أردنية أو فلسطينية، قائلاً إنه من «المحكمة الخاصة بلبنان»، طالباً منها تحديد موعد من جانب محققين تابعين لمكتب المدّعي العام في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لزيارة عيادتها. وبحسب ما قالت شرارة لـ«الأخبار»، فقد بادرت إلى سؤال المتصل عن سبب المجيء إلى عيادتها، فكان جوابه: «نريد أن نرى كيف تؤرشفون ملفات المرضى لديكم». بداية، استغربت الطبيبة هذا الطلب، لكنها أخبرت المتصل أن بإمكان المحققين المجيء يوم الأربعاء (أمس) عند الساعة 9 صباحاً. في اليوم التالي على الاتصال، أي يوم السبت، تلقت الطبيبة اتصالاً من رئيس قسم المباحث الجنائية العقيد عبده نجيم، ليؤكد لها الموعد، فأخبرته أنها تريد إعلام نقابة الأطباء بهذا الإجراء «المريب». مرّ يومان على اتصال العقيد بها قبل أن تتصل هي بنقابة الأطباء لتسألهم عمّا يُفترض بها أن تفعل. جاءها الجواب من النقابة بالتريث، إلى أن يُرسل إليها الطلب خطياً. وبالفعل، جاءها رجل أمن وعرض عليها ورقة مدّوناً عليها اسمها، غير أنه لم يسمح لها بالنظر إلى الورقة كلها «لأن عليها أسماء أشخاص غيرك، وغير مسموح لكِ الاطلاع عليها». اتصلت بمحامي نقابة الأطباء وأخبرته ما حصل، فقال لها: «هذا أمر قضائي، ويحق لكِ أن تدلي بمعلومات». أخيراً، جاء يوم الأربعاء، فوصل عند التاسعة محققان أجنبيان، أحدهما فرنسي والآخر استرالي، وبرفقتهما مترجمة ورجل أمن لبناني بلباس مدني. قالت الطبيبة لهم: «لا داعي للترجمة، أنا أجيد الإنكليزية»، فأعجبهم الأمر. «نريد أرقام هواتف بعض المرضى الذين يُعالجون لديكِ، وتفاصيل عنهم، ولا نريد معرفة أمور طبية». هكذا، ومن دون مقدمات، جاء طلب الزائرين من الطبيبة. قالت لهم: «لكن أنا لديّ عيادة أخرى، ولديّ هناك سجلات مرضى آخرين أيضاً، إلا أني بصفتي طبيبة لا يمكنني خرق سرية المعلومات عن المرضى، فأحياناً إذا حصل أن اتصلت بي والدة إحدى المريضات لتعرف شيئاً عن ابنتها لا أعطيها أي معلومة». فقالوا لها: «نريد ما هو موجود في هذا العيادة تحديداً، ويمكن السكريتيرة التي تعمل لديكِ أن تساعدنا في فتح سجلات المرضى». سألتهم، ما هي الأسماء التي تريدون معرفة هذه التفاصيل عنها؟، فلم يُحددوا لها، غير أنهم أشاروا إلى أن عدد الأشخاص المطلوب فتح سجلاتهم يبلغ نحو 17 مريضة. وجدت شرارة أن تلبية هذا الطلب تحتاج إلى وقت طويل، فقالت للمحققين إنه ليس لديها متسع من الوقت، لكونها ترتبط بمواعيد مع مرضى في مكان آخر، فكان رأيهم أن «لا مشكلة، يمكنك الانصراف، نحن نتابع عملنا مع السكرتيرة». وفي تلك الأثناء، سمعت أصوات نسوة خارج غرفتها يصرخن، خرجت لترى ماذا يحصل، وإذ بهرج ومرج يلف العيادة. رأت تدافعاً وتضارباً بين المحققين والنسوة، اللواتي «لم يتجاوز عددهن عدد أصابع اليدين، لا كما قال البعض إنهن نحو 150 سيدة». هذا ما أكّده لـ«الأخبار» أيضاً وكيل الطبيبة المحامي مصطفى شقير. على الفور، غادر المحققان ومعهما المترجمة ورجل الأمن العيادة، من دون أن يتمكنوا من أخذ المعلومات التي جاءوا من أجلها، وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام «نقلاً عن مسؤول أمني» أن فريق التحقيق قد فقد محفظة كبيرة أثناء التدافع، غير أن شيئاً لم يصدر عن المحكمة يؤكد الأمر. إلى ذلك، جزم المحامي شقير أن الطبيبة لا تعرف النسوة اللواتي دخلن العيادة، و«تجهل دوافع مجيئهن»، لافتاً إلى أنهن قلن إن لديهن حالة طارئة ولا يمكنهن الانتظار، وإنهن يردن مقابلة الطبيبة لغاية طبية.
مساءً، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بياناً رأت فيه أن «الاعتداء محاولة مدانة لإعاقة العدالة. ويجب أن يعلم مرتكبو هذا الاعتداء أن العنف لن يردع المحكمة الخاصة بلبنان، وهي محكمة قضائية، من إنجاز مهمتها».
وأدان رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي، ورئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو، ورئيس قلم المحكمة بالنيابة هرمان فون هايبل، كل أشكال العنف.
وكشف مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية، لـ«الأخبار»، «أن المكتب يأخذ هذه الحادثة على محمل الجدّ، وننظر حالياً فيها». واتصلت «الأخبار» بمسؤولين دوليين ولبنانيين يعملون ضمن مقرّ المحكمة في لاهاي. وبرغم الحذر، تحدّث أحد المسؤولين الدوليين عن الأمر مذكّراً بموجبات مذكّرة التفاهم بين لبنان ومكتب النائب العام في المحكمة الدولية، التي وقّعها دانيال بلمار ووزير العدل اللبناني إبراهيم نجّار يوم 5 حزيران 2009، وقال: «لا بدّ من انتظار التحقيق الذي تجريه السلطات القضائية اللبنانية، فالحكومة اللبنانية مسؤولة، بحسب المذكرة، عن أمن فريق التحقيق وعن تأمين حرية تحركاته في لبنان، والحكومة اللبنانية مسؤولة عن تأمين الوثائق والمعلومات في بيئة من الأمان والسرية والهدوء». ورفض المسؤول الدولي حسم ما إذا كانت المحكمة ستتقدّم بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي ضدّ لبنان لعجزه على التعاون بالطرق المناسبة، وفق القرار 1757 ومذكرة التفاهم، لكنه لم ينف ذلك الاحتمال. ومن خلال مراجعة لمضمون مذكرة التفاهم، يتبيّن أن المسؤول الدولي استند في كلامه إلى هذه المذكرة بدقة، إذ تنصّ الفقرة الثالثة منه على الآتي: «تضمن الحكومة اللبنانية أن يكون مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة حرّاً من أي تدخّلات خلال قيامه بتحقيقاته في لبنان، وأن تقدم كلّ المساعدة الضرورية له من أجل تحقيق تفويضه وذلك يشمل: تسهيل الوصول إلى ما يتطلبه التحقيق من أمكنة ومواقع وأشخاص ومستندات ذات صلة، وتسهيل عقد الاجتماعات واللقاءات مع أشخاص من شأنها تمكين المكتب من الحصول على المعلومات والأدلة والإفادت، وكل ما يتطلّبه التحقيق من اجراءات وأعمال تساعد على كشف الجريمة، وذلك في بيئة من الأمان والسرّية والهدوء». وفي السياق نفسه، اتصلت «الأخبار» بالمدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا لسؤاله عن رأيه، وسألته عمّا إذا كانت مذكرة التفاهم بين لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس والحكومة اللبنانية (2005) قد احترمت يومها كلياً، أجاب: «لكن ما حصل أمس لم يكن عملية دهم، بل طلب اجتماع، وقد جرى الاتصال بنقابة الاطباء التي بعثت مندوباً عنها». يُشار إلى أن ميرزا فتح تحقيقاً حول ما جرى أمس، وأحال القضية إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، لكون عناصر الدورية التي كانت برفقة المحققين من قسم المباحث الجنائية المركزية، وقد «سُلبت منهم هواتفهم».
--------------------------------------------------------------------------------
نصر اللّه والمحكمة اليوم
يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عند الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم، ليتحدث مباشرة عبر قناة «المنار» عن أداء لجنة التحقيق في المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان وسلوكها.
وكان نصر الله قد أجّل مع إطلالاته السابقة المؤتمر الصحافي الذي كان سيخصّصه لتقويم التحقيقات الدوليّة التي مهّدت لانطلاق عمل المحكمة الدوليّة في الأوّل من آذار 2009.
وبحسب مصدر في حزب الله فإن نصر الله سيعرض مجموعة من الأمور المهمّة التي ستؤثّر على المشهد السياسي في لبنان وملف المحكمة في الفترة المقبلة.
(الاخبار)