24-10-2010 02:20 PM
كل الاردن -
لم يتفاجأ الجمهور العراقي ولم يبد اهتماما كبيرا بطوفان الوثائق العسكرية الامريكية السرية التي نشرها امس السبت موقع ويكيليكس.
فبالنسبة لكثير من العراقيين، لم تتعد الاستنتاجات التي خرج بها المحللون ازاء ما احتوته هذه الوثائق تحصيل حاصل لوضع ما لبثوا يعيشون في ظله منذ عدة سنوات.
الا ان المعلومات - والارقام - التي كشفت عنها الوثائق العسكرية الامريكية كانت لها انعكاسات سياسية في بغداد، إذ اصدر مكتب رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي بيانا شديد اللهجة المح فيه الى ان نشر الوثائق في هذا الوقت بالذات عملية مدبرة يراد منها تقويض موقع المالكي المتشبث بالبقاء في منصبه لفترة ولاية ثانية.
اما بالنسبة للمواطنين العراقيين العاديين، فلم يتابع الكثير منهم مجريات القضية، وعبروا عن استغرابهم للبديهيات التي خرجت بها.
"نكتشف فضيحة سجون جديدة كل سنة،" قال لي احدهم، "فقد اصبح من الطبيعي ان يعذب الناس في السجون او يقتلون او يختفون دون اثر."
كما لم يستغرب العراقيون الذين التقيتهم من "الاكتشاف" الذي توصل اليه من قرأوا الوثائق الجديدة في الغرب من ان الامريكيين كانوا على علم بالتعذيب الجاري في السجون العراقية على ايدي قوات الامن.
فقد قالت لي احداهن: "بالطبع يعلمون به (التعذيب)، فهم يسيطرون على كل شيء (في هذا البلد)، واذا كانوا فعلا راغبين بالتخلص من التعذيب لفعلوا - لنفس السبب."
اما بالنسبة للمالكي، الذي وقعت الكثير من الانتهاكات في عهده، هذا ما قاله لي احد البغداديين: "كان المالكي ضد الميليشيات، فقد اودعهم السجون وعذبهم. ولكنه يطلق سراحهم الآن ليحظى بدعم التيار الصدري،" في اشارة اولا الى الحملة التي قادها رئيس الحكومة عام 2008 ضد ميليشيا "جيش المهدي" وثانيا الى الاشاعات الاخيرة التي تحدث عن ابرامه صفقة مع مقتدى الصدر تتضمن اطلاق سراح اتباعه من السجون.
ويبدو ان المالكي قد تأثر شخصيا بتسريبات ويكيليكس، وعلى وجه الخصوص بالادعاءات التي روجت لها قناة الجزيرة القطرية بأن ثمة وحدات عسكرية تأتمر بأمره قد تكون شاركت في عمليات التطهير الطائفي التي وقعت في عامي 2006 و2007 - وهي الوحدات التي يطلق عليها "فرق الموت."
ومن الغريب ان البيان تجاهل تماما اتهامات التعذيب في السجون العراقية، وركز جام غضبه عوضا عن ذلك على الايحاء القائل إن القوات المؤتمرة بأمر رئيس الحكومة كانت تتصرف كفرق موت.
وجاء في البيان ان الماكي، بوصفه رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة، كان مسؤولا عن كل الجهاز الامني والعسكري، وان هذا الجهاز انما كان يعمل ضمن القانون وليس بدوافع طائفية او سياسية.
واستخف البيان بتسريبات ويكيليكس والاستنتاجات التي بنيت عليها بوصفها "العاب اعلامية وفقاعات تسيرها اهداف سياسية معروفة."
وكان ناطق حكومي عراقي قد اعترف في وقت سابق بأن "ثمة انتهاكات" قد وقعت، ولكنها (الانتهاكات) لم تعبر عن سياسة الحكومة الرسمية وان المسؤولين عنها قد عوقبوا عند اكتشافها. الا انه لم تسجل ولا حتى حالة واحدة سجن فيها مسؤول عن فضائح التعذيب التي اكتشفت اولاها عام 2005.
رقم قياسي عالمي
ومن المعروف ان تصميم واصرار المالكي على الاحتفاظ بالسلطة - والمفصل الامني منها على وجه التحديد - يعتبر اصل الخلاف بينه وبين منافسه الرئيسي اياد علاوي زعيم القائمة العراقية التي فازت بالعدد الاكبر من المقاعد في الانتخابات التي جرت منذ اكثر من سبعة شهور على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وقالت ميسون الدملوجي، الناطق باسم القائمة العراقية، إن ما كشفت عنه الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس من وقوع انتهاكات على نطاق واسع تؤكد مخاطر تركيز السلطة في ايدي رجل واحد.
ويطالب علاوي بتقاسم السلطة كثمن للانضمام الى حكومة تضم المالكي، ومن الواضح ان يأمل في ان تعزز التسريبات حظوظه، حيث ان غالبية الذين تعرضوا للتعذيب في السجون هم من السنة - عماد الحركة المسلحة المناوئة للحكومة والوجود الامريكي - الذين دعمت غالبيتهم علاوي وقائمته في الانتخابات الاخيرة.
ويبدو ان قضية ويكيليكس وما تمخض عنها قد سممت الاجواء السياسية في العراق اكثر مما كانت مسمومة اصلا، الامر الذي سيزيد من صعوبة تشكيل حكومة جديدة.
يذكر ان العراق كسر منذ ثلاثة اسابيع الرقم القياسي العالمي في الفترة الممتدة بين اجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة.
(bbc)