20-10-2010 09:00 PM
كل الاردن -
نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية مقالا للكاتب روبرت فيسك عن لبنان وعلاقاته بايران ومافيه من جدل بشأن المحكمة الدولية وتحقيقها في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وفي ما يأتي نص المقال: "بينما كان رد الفعل الغربي على زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان هو الذعر المتوقع- اذ وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها "استفزازية" بينما ادعت إسرائيل أن حدودها الشمالية أصبحت الآن "بؤرة للإرهاب الإقليمي"- فإن هذه الدول فشلت في ملاحظة أن إيران كانت منشغلة بتوقيع مجموعة من الاتفاقات الضخمة في قطاعات الطاقة والتنقيب عن النفط وغيرها من الاتفاقات الاقتصادية مع لبنان.
وقد أرفق الايرانيون خطاب اعتماد بقيمة 300 مليون جنيه استرليني إلى اللبنانيين من أجل بدء تمويل مشاريع جديدة- ربما تتضمن محطتين جديدتين للطاقة الكهربائية وخطاً مباشرا لوصل الكهرباء بين الدولتين عن طريق تركيا.
من حيث المظهر، يبدو من السهل اعتبار كل هذا محاولة أخرى من إيران للسيطرة على لبنان من خلال النفط والكهرباء- ويبدو قبول الحكومة اللبنانية لهذه الاتفاقات إشارة الى الاستسلام. ويعتقد أن لبنان يملك احتياطيات كبيرة من النفط قبالة مدينة طرابلس الشمالية اقترحت إيران أنها ربما تكون قادرة على التنقيب عنه- وقد تقع الحقول الأخرى إلى الجنوب أكثر، قرب إسرائيل. ومن المؤكد أن اللبنانيين، الذين يعانون في بعض المناطق من انقطاع التيار الكهربائي لثماني ساعات يوميا، مستعدون لتخصيص اكثر من مليار جنيه استرليني لمشروع محطات توليد الطاقة، مع مليار ونصف من القطاع الخاص و600 مليون يأتي معظمها من الدول المانحة. وسيعتبر هذا أمرا فيه شيء من الصدمة للمانحين.
لكن على غرار كل شيء في لبنان، فإن تلك التحركات كانت أقرب إلى السراب منها الى الحقيقة، كما اكتشف الاقتصادي اللبناني مروان اسكندر حين بحث في ملفاته. فالإيرانيون يطلبون ضمانا مماثلا بقيمة 300 مليون جنيه استرليني من البنك المركزي اللبناني- وهو ما لا يستطيع تقديمه من دون خرق عقوبات الامم المتحدة ضد إيران. وفي الواقع، يقول اسكندر إن إيران كتبت تعهدا بقيمة 75 مليون للبنان قبل 10 سنوات ولم يتمكن البنك المركزي من ضمانه- وللسبب نفسه. ولهذا فقد استبعدت الامم المتحدة إيران من تمويل الأعمال في هذا الجزء من الشرق الأوسط قبل فترة طويلة.
كما يبدو الشبح المعتم لرجال إيرانيين يبحثون عن النفط على ساحل المتوسط على بعد 70 ميلا إلى الشمال من إسرائيل أمرا وهميا ايضا. فالشركات الفرنسية والنرويجية كانت تقوم بمعظم العمل في التنقيب عن النفط في إيران نفسها، وكان يتم تنفيذ التكرير من قبل شركات فرنسية وإيطالية. والآن تقوم شركات روسية وصينية بهذا العمل في إيران. وتبدو فكرة أن تدفع طهران مبالغ من المال لموسكو وبكين لاستكشاف احتياطات النفط على سواحل لبنان ضربا من الخيال.
إذن فلماذا جلس وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ووزير الطاقة اللبناني جبران باسيل ووقعا 17 اتفاقاً قبل اسبوع؟ هنا تكمن حكاية. اذ يتصادف أن جبران باسيل هو صهر الجنرال الماروني السابق ميشيل عون الذي تحالف حزبه السياسي منذ مدة طويلة مع سوريا وإيران. وفي لبنان، وجد داعموه المسيحيون أنفسهم حلفاء لـ"حزب الله" وفي معارضة حكومة الغالبية بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري.
على السطح، يبدو هذا منطقيا. عون يساعد الإيرانيين للدخول في الاقتصاد اللبناني. لكن في الوقت الحاضر، هناك أمور أخرى تشغل بال الجنرال السابق. ومنها أن ثلاثة من أعضاء خلية من متهمين بالتجسس لإسرائيل اعتقلهم الجيش اللبناني تبين أنهم يعملون مع حزب عون. ومن المفترض أن هذه "الحلقة من الجواسيس" متورطة في جمع معلومات في نظام الاتصالات اللبناني. وبالطبع، كان احدهم مسؤولا كبيرا في أكبر شبكات الاتصالات الخلوية في لبنان.
لكن الحبكة تزداد تعقيدا. "حزب الله" قلق للغاية من أن الاتهامات التي ستوجهها محكمة الامم المتحدة الدولية في لاهاي ستطال أعضاء من الحزب في ما يتعلق بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط (فبراير) 2005. وقد نفى الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مسبقا أي اتهامات من هذا القبيل - قائلاً ان شبكة الجواسيس الإسرائيلية ادخلت اتصالات هاتفية زائفة على سجلات الاتصالات اللاسلكية في يوم الاغتيال. وبكلمات أخرى، فإن السجلات -وهي جزء كبير من أدلة المحكمة- قد تم التلاعب بها بشكل متعمد من أجل توريط أعضاء من "حزب الله" في الجريمة.
ولا بد من القول إنه بعد مقتل رفيق الحريري على الفور، كانت الأمم المتحدة تشير بإصبع اتهام صامت إلى سوريا عوضا عن حليفها "حزب الله". وقد ذكر تقرير سري للأمم المتحدة في الاصل أسماء أربع شخصيات سورية يفترض انها متورطة في الاغتيال. اما الآن- وبعد أن ادعت مجلة "دير شبيغل" (ومخبروها الإسرائيليون) بأن اللوم يقع على رجال من "حزب الله"- فإن الجميع يشتبهون في أكبر عدو لإسرائيل في الشرق الاوسط. وليس ذلك ببعيد عن قضية تفجير لوكربي، حين تم اتهام سوريين في البداية، وبعد ذلك- حين كانت هناك حاجة لمساعدة سورية ضد صدام بعد غزوه الكويت عام 1990- بدأ الغرب باتهام ليبيا.
وماذا عن تلك الاتفاقات اللبنانية-الإيرانية؟ ربما كانت مجرد قصاصات ورق وقعها باسيل حتى يبعد الإحراج عن حميه الجنرال. جواسيس واتفاقات نفط وهمية والبحث عن القاتل في جريمة وقعت منذ 5 سنوات. لا بد ان ذلك يحدث في لبنان".