30-12-2009 06:00 PM
كل الاردن -
إبراهيم الأمين - كان القصف ينهمر بقوة في أرجاء قطاع غزة كلها. وحدات من أسلحة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تعمل من دون توقف لرصد حركة عناصر المقاومة. الحصار المفروض لم يُتِح لطير أن يعبر الأجواء. وعلى الجانب المصري من الحدود، كانت الإجراءات تتكثف لمنع أيّ نوع من المساعدة للقوى المقاتلة. شُغل الأمنيون من مصر وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة وأجهزة سلطة محمود عباس، بوضع خطط ظنوا أنّ الوقت قد حان لتنفيذها. تجمّع العشرات من جماعة محمد دحلان في القاهرة والعريش ينتظرون سماع بيان الاستسلام، وخروج أنصار لهم ومواطنين يتظاهرون في القطاع طلباً للسلامة.
لم يكن بمقدور قوات «حماس» العمل بالوتيرة نفسها. صحيح أن مراجعة الحرب كشفت عن ثُغَر كبيرة في الأداء العملياتي لحظة المواجهة، لكن أولوية فرضت نفسها في مقدمة جدول أعمال قيادة الحركة في الداخل والخارج معاً، وهي منع مجموعات دحلان من العمل أو الانتقال إلى داخل القطاع. مهمة تطلبت استنفاراً أمنياً وعسكرياً وصُرفت لها جهود لوجستية وبشرية كثيفة. كان لذلك أثره على مواجهة العدوان.
لكن ما يعرفه البعض ويغيب عن بال كثيرين، أنه في ظلّ هذه المناخات، كانت طرق الإمداد تعمل، ونجحت جهات داعمة للمقاومة في إدخال دعم عسكري إلى القطاع خلال الحرب نفسها. وجرى تبادل مكثف للمعلومات والتقويمات واقتراحات لخطط وبرامج عمل لمواجهة الحرب الإسرائيلية. وكان هناك جهد كثيف لتضييق الفجوة، ودفع العدو إلى التوقف والتراجع.
ثمة صفحات كثيرة من كتاب المراجعة لم تُقرأ على الملأ، وعملية الاستفادة من هذه التجربة قائمة. تعاملت «حماس» مع الأمر بجدية، ودخلت ورشة معالجة الأخطاء على كل المستويات. صار الاستماع أكثر إلى الرأي الذي يستند إلى معرفة وخبرة، وخصوصاً أنّ الجميع يُقرّ للحركة بنهائية القرار، وكذلك فإنّ القوى الداعمة من حزب الله في لبنان إلى سوريا وإيران، تتعامل مع صمود المقاومة في غزة على «أنه عمل جبّار لا يمكن مقارنته بأي صمود آخر»، على حدّ تعبير مرجعية فاعلة في هذا العالم. وبالتالي، تصرفت قيادة الحركة الإسلامية، كما القوى الداعمة، على أنّ الجميع أمام مرحلة جديدة.
لم تكن عملية رفع الأنقاض، على محدوديتها، قد بدأت في القطاع، حتى كانت الجهات المعنية تعقد اجتماعات مكثفة بين غزة وبيروت ودمشق وطهران. كان القرار حاسماً في تقسيم العمل على جبهتين: إجراء التقويم باحترافية لا تقف عند خاطر أحد، وانطلاق عملية مد القطاع بكل ما أمكن من قدرات عسكرية وقتالية.
صحيح أنّ القاهرة، كما عمّان وعواصم غربية وأفريقية كثيرة، تعاونت مع تل أبيب لتجفيف مصادر الدعم العسكري للقطاع، إلا أن المئات من كوادر المقاومة أمكنهم الخروج والعودة بعد الخضوع لدورات مكثفة في لبنان وإيران وسوريا. جرى تطوير كبير في آلية التواصل مع الداخل، وفي إيصال المطلوب من المعلومات والتعليمات. تدرّب عدد كبير على أسلحة جديدة، وعلى آليات للتهريب لا تقف عند أي عائق. كانت الماكينة العسكرية والأمنية لـ«حماس» تعمل على الاستفادة من التجربة وتعزيز مخازنها المركزية وتنويع المخزون الجديد بطريقة تتناسب وخططاً مفترضة لمواجهة آتية في أي لحظة.
تدريب أمني وعسكري... وتهريب
خلال عام، تدرب مقاومو «حماس» وفصائل أخرى في القطاع على استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة المضادة للدروع. كذلك جرى التدرّب على آلية لإعداد أشراك هائلة من المتفجرات تتيح نسف آليات عسكرية بحجم دبابة الميركافا. وتدرب كوادر «حماس» ومقاتلوها على أنواع مختلفة من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، وعلى آلية لقصف المستعمرات الإسرائيلية حتى عمق لا يقل عن مئة كيلومتر من دون توقف، وبوتيرة خاصة تحاكي وضع القطاع. كذلك جرت عملية تأهيل لعمل الوحدات المختصة بالعمل الأمني، الوقائي منه، لكشف شبكات التجسس، وتعزيز أمن المقاتلين، ما يطوّع هيكليتها بطريقة تمنع إصابتها بضربات قاسية، وتمنع فرطها، وتعقّد عملية مراقبتها ومتابعتها من العدو، بالإضافة إلى تلك التي تتيح جمع المعلومات المطلوبة عن جيش الاحتلال وانتشاره ونوعية أسلحته. حتى بات بالإمكان الحديث اليوم عن أنّ ما هو موجود في قطاع غزة، يساوي إلى حد بعيد ما كان موجوداً لدى حزب الله في لبنان عشية عدوان عام 2006، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات مختلفة من بينها:
أولاً: إن «حماس» صارت تحاكي حزب الله في الإدارة الاستراتيجية للمواجهة، وهي ليست بحاجة لتذكير أحد بأنها قوة مقاومة مركزية في المنطقة، مع ما يعني ذلك من أن تعفي نفسها من «استراتيجية العراك اليومي»، والتركيز على تنفيذ عشرات الخطط العملية لتحقيق جهوزية كاملة للمواجهة المقبلة.
ثانياً: قرأت «حماس» جيداً كيف أن العدو استند في عدوان 2008 إلى المروحيات القتالية، التي ساندت القوات البرية وعمدت إلى تمهيد الطريق أمام المشاة عبر ضرب كل مبنى أو منشأة، يمكن أن يمثّلا تهديداً للجنود. لم يكن للحركة في تلك الفترة قدرات خاصة قادرة على تهديد المروحيات الإسرائيلية، لكن «حماس» تمكنت على ما يبدو، بحسب إقرار إسرائيل، من الحصول على صواريخ مضادة للمروحيات، الأمر الذي يخرجها من الميدان.
ثالثاً: تُقرّ إسرائيل بما حققته «حماس» عملياً خلال هذه السنة من مهمة نقل القتال من فوق الأرض إلى تحت الأرض، وهذا ما يعطيها ميزة احتواء قدرات السلاح الموجّه والتفوق الجوي لإسرائيل.
رابعاً: على عكس قدرات «حماس» في عام 2008، باتت الحركة تملك صواريخ مضادّة للدبابات، من أنواع مختلفة، ومن بينها صواريخ قادرة بالفعل على ضرب المدرعات الإسرائيلية، وأيضاً الدبابة الإسرائيلية الأكثر تطوراً «ميركافا 4». وبات لدى «حماس» وفرة صواريخ من نوع «آر بي جي 29»، ذي الرأس المزدوج، الذي أثبت في حرب تموز 2006 قدرة على تحييد سلاح المدرعات في أكثر من مواجهة مباشرة مع المقاومة، بالإضافة إلى الأسلحة الفتاكة من نوع «كورنيت» الروسية الصنع التي تتيح تدمير الدبابة عن بعد أربعة إلى خمسة كيلومترات.
ماذا تقول إسرائيل عن تسلّح «حماس»؟
إلى جانب الكلام المستمر عن «النتائج الباهرة» لعملية الرصاص المصهور على القطاع، فإن شخصية نافذة ووازنة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مثل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، صوّب وجهة القراءة المعتادة، وأظهر تقديراً استخبارياً مخالفاً. لقد أشار، في محاضرة ألقاها أخيراً في مركز دراسات الأمن القومي ـــــ جامعة تل أبيب، «إلى أنّ الهدوء السائد على الجبهة يتعلق بإرادة حركة حماس وتوجهها نحو تعزيز قدرتها وتمكين نفسها عسكرياً لمواجهة تحديات إسرائيل المستقبلية، وهي استفادت من الهدوء السائد، وتعمل ليل نهار على التسلح وتعاظم القوة، وركزت جهودها على امتلاك مزيد من الوسائل القتالية، وخاصة الصواريخ التي تصل إلى منطقة غوش دان ومدينة تل أبيب». وختم بالقول إن أصل الهدوء يعود إلى إرادة المقاومين أنفسهم، لا إلى قدرة الردع الإسرائيلية نفسها.
لكن تسريبات العدو عن واقع «حماس» العسكري يمكن إيجازها بالآتي:
1 ـــــ تملك «حماس» صواريخ يصل مداها إلى ستين كيلومتراً، وهي قادرة على ضرب تل أبيب وعدد كبير من مستوطنات غوش دان في وسط إسرائيل، ولديها قدرة صاروخية تصل إلى ثمانين كيلومتراً، قادرة على إصابة مدينة هرتسليا والقدس الغربية.
2 ـــــ استطاعت «حماس» مراكمة ما يزيد على ثلاثة آلاف صاروخ «قسّام» قصير المدى، أي إنها زادت في عام ضعف ما كان لديها عشية عدوان 2008. ومن ضمن منظومة الصواريخ التي تمتلكها، مئات من صواريخ «غراد»، التي يصل مداها إلى أربعين كيلومتراً، و«إذا جُمعت هذه الصواريخ مع الصواريخ الإيرانية المتطورة التي باتت في حوزة المنظمة الإسلامية، فإنّ معظم المناطق الإسرائيلية ستشعر بالمواجهة العسكرية المقبلة» مع قطاع غزة.
3 ـــــ تحاول «حماس»، بحسب التقارير الإسرائيلية المنشورة أخيراً، امتلاك وسائل قتالية في مجالات الدفاع ضد سلاح الجو، من ضمنها محاولات «تهريب» تشمل صواريخ مضادة للطائرات. وتشير مصادر أمنية إسرائيلية (بحسب «يديعوت أحرونوت» تاريخ 12/11/2009) إلى أن «تقديرات المؤسسة الأمنية تشير إلى أن حركة حماس استطاعت بعد الحرب على غزة إدخال صواريخ مضادة للطائرات». ويقول ضباط إسرائيليون إن «حماس تمكنت بالفعل من تهريب صواريخ مضادة للطائرات إلى القطاع، تمكنها من نصب كمائن للمروحيات الحربية الإسرائيلية، وأيضاً للطائرات التي تحلّق على ارتفاع منخفض».
4 ـــــ نقلت «معاريف» عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن «حركة حماس تولي أهمية كبيرة جداً للصواريخ المضادة للدبابات، ومنها صواريخ متطورة وعبوات شديدة الانفجار»، موضحة أن «أساس الخشية الإسرائيلية يتعلق بعبوات إيرانية من نوع شاوز، هرّبت عناصرها إلى القطاع، وهي العبوات نفسها التي استخدمها حزب الله في حرب لبنان الثانية؛ عبوة شديدة الانفجار وقادرة على اختراق سماكة 200 مليمتر من الفولاذ». (الاخبار)