أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الفوضى والاضطراب والمنطقة العربية

بقلم : د. ابراهيم بدران
28-05-2013 10:16 AM
*



ربما لم تمر فترة على المنطقة العربية منذ حصول أقطارها على الاستقلال، أي منذ (70) عاماً، تشابه الفترة الحالية بكل ما فيها من الفوضى والخلخلة والتراجع على الأصعدة جميعاً، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية . والمتأمل للأحداث بعمق، يرى كم هو الوقت الذي أضاعته هذه المنطقة خلال العقود الماضية، وكم بلدا كانت وراء البلاد العربية فأصبحت متقدمة عنها، وكم من الجهد عليها أن تبذل لكي تلحق قطار البقاء ،ناهيك عن قطار التقدم.

لعل العقدة الكبرى وراء هذه الحالة المؤسفة، تتمثل في استنزاف جهود العرب، يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة، وجيلاً بعد جيل، على “ إقامة حكم “ وليس “ بناء دولة” . والفرق بينهما كبير جداً. فالدول الحديثة تديرها المؤسسات،و تقوم على المواطنة وعلى القانون وعلى المشاركة وعلى الإنتاج والإنجاز،و تقوم على تغيير ولاء المواطنين من الحزب والعائلة والقرية والمذهب إلى الولاء للوطن بأكمله، في حين أن الحكم يقوم على السلطة والقوة، والتفرد والاستئثار، و طاعة المواطنين وولائهم له، و”التشبث بالمنصب” رغما عن إرادة الشعب، حتى لو كان دون ذلك موت الآلاف، ودمار المدن، وانقسام البلاد الى قطع وأجزاء .وما نراه اليوم في العراق والسودان وسوريا واليمن وليبيا، نماذج محزنة و كارثية .

وفي الأقطار الشيوعية التي كان يحكمها حزب واحد، وأيديولوجيا شمولية متكلسة، ودكتاتورية قاتلة، نجد أن الجهود نحو بناء الدولة كانت أفضل بكثير من ما هي في المنطقة العربية. فحين انهار الاتحاد السوفياتي، انهار الحكم والحزب والسلطة، وبقيت الدولة. والأمر كذلك في بولندا وألمانيا وسائر الدول الشرقية. وكان الانتقال في تلك البلاد نحو الديمقراطية للدخول في مرحلة جديدة سريعاً وسلساً إلى حد كبير، وبدرجة عالية من العقلانية، باستثناء شاوشيسكو الذي أراد أن يوقف عجلة التاريخ فلم تتوقف عنده العجلة.

وحتى بعد ثورات الربيع العربي، فإن الولع والهلع لإنشاء “حكم جديد” هو المسيطر الرئيسي على كل قرار، كما نجد في فلسطين بين فتح وحماس، وفي مصر مثلا وكما هو الحالة في العراق و ليبيا. كل هذا بدلاً من تدارك الدولة التي توشك أن تدخل دائرة الفشل التام أو تتفكك.

في الجانب الإقتصادي لم يكن الأمر أحسن حالاً. فالأقطار العربية تقع جميعها باستثناء الدول النفطية في مستوى أقل من المتوسط العالمي سواء في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أو الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي. أما الإنفاق على التسليح، ويا للهول، فكثير من الأقطار العربية انفاقها فوق المتوسط العالمي بكثير .. وهذا التسليح ليس للدفاع عن الدولة أو الوطن، وإنما للدفاع عن السلطة والحكم و النظام . فاسرائيل تشعر انها في ربيع خاص، وأن قضمها للأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها المقدسات يسير على ما يرام، ولا يثير من الأفعال عند العرب شيئا سوى الشتم والتنديد. فالأسلحة والقوة ليست ألا للاستعمال الداخلي.

وفي الجانب الإجتماعي فإن الققر والبطالة تكاد تفتك في المنطقة العربية قطراً قطراً,و مدينة مدينة، وقرية قرية . ولكن الحكم لا يعنيه الأمر كثيرا ،ولا يتفهم معنى الفقر و البطالة وما تستوجب من برامج جادة وسريعة. أما الدولة فإنها تصنع المستحيل للتخلص من كليهما .

فالبطالة بين الشباب تتعدى في منطقتنا (26.9%) ولدينا في الأردن (29.3%) أي أن ثلث الشباب تقريباً عاطل عن العمل، هذا في حين أن المعدل العالمي (12.7%).

وإذا أخذنا حالة المرأة نجد أن التراجع الذي أصابها لا يمكن الإستهانة به. و الحكم لا يقلقه الأمر كثيرا ،في حين تنظر الدولة للمرأة إضافة إلى دورها في الأسرة والتربية على إنها نصف المجتمع المنتج.

فالبطالة بين النساء الشابات يصل الى (48.8 %) في بلدنا في حين أن المعدلات العالمية تقل عن ذلك بكثير وتساهم المرأة بأكثر من( 35% ) الى( 50% )من قوى العمل. أما في الأقطار العربية فهي أقل من (25%) وفي الأردن فإن المشاركة للأسف لا تزيد عن (14%) رغم ما تتمتع به المرأة في بلدنا من فرص متميزة للتعليم. وفي إنتاج الغداء فالأقطار العربية تزداد تبعيتها للغذاء المستورد سنة بعد سنة، حتى تجاوز العجز الغذائي العربي (30) مليار دولار سنوياً . والمياه كذلك والطاقة نموذج لعدم قدرة الأنظمة على التعامل مع ركائز الحياة المعاصرة.إلى الدرجة التي أصبح الوصول إلى الماء أو الحصول على اسطوانة الغاز في بعض البلدان العربية معركة تبذل من أجلها كل الجهود. أما العلم والتكنولوجيا، و الاختراع والإبداع ، و حل المشكلات الكبرى، والفنون الراقية، فالأمر يكاد يكون خارج مدار المنطقة العربية . هذا في عين الوقت الذي وصلت فيه الجامعات العربية إلى أكثر من (500) جامعة والطلبة الجامعيون إلى أكثر من (8) مليون طالب، والأساتذة الجامعيون إلى أكثر من (200) إلفا...

والمزاج الهش أصبح سيد الموقف، فمباراة كرة القدم أو عبارة يساء تفسيرها هنا أو هناك تقيم الدنيا وتقعدها . والخلاف في الرأي السياسي يفتح حرباً دبلوماسية بين بلدين متجاورين، و الفوضى والسرقة وغياب الأمن في كل مكان

أن الحكم العربي، وهذه عقدة تاريخية، لا ينظر إلى نفسه أبدا انه مفوض من الشعب بإرادته و لخدمته و لفترة محددة. ولذا لم يكن معنياً بالمواطنة و ببناء الدولة و تطوير مؤسساتها كما يجب أن تكون، ولم يعط الشعب عناية بقدر عنايته بأمنه و سلامته، و بالأنصار والأصدقاء والمؤيدين . و ساعد الفشل العريض والعميق في إدارة الدولة على تفاقم الانقسامات الداخلية على أسس طائفية ودينية وعرقية وجهوية، و على انتشار التطرف. فلا يكاد بلد عربي يخلو منها حتى لو كان بعض هذه الانقسامات جمر كامن تحت الرماد.. وكل من رأ ى في نفسه القوة يريد أن ينقض على السلطة ليهيمن عليها، أو يقتسم جزء من الدولة ويقيم دولته أو إدارته أو إمارته أو خلافته الخاصة على جزء منها . .

السؤال أين يذهب كل الجهد والزمن العربي؟ أين الدولة التي كان يفترض انه يجري بناؤها لتغيير المواطن والمجتمع الى الأفضل، ولتتغير معه و بإرادته و إدارته إلى الأرقى من اجل صنع المستقبل؟

الجواب واضح : الآخرون مصممون على بناء دول حديثة، والعرب غارقون في بناء أنظمة حكم . هل يمكن أن يقع التغيير؟ هذه أمنية كل مواطن عربي.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-05-2013 02:06 PM

معالي ابو طارق كل ما تحدثت فهو صحيح لكن الان نحن بحاجة لمفكرين وارادة حرة للاصلاح بدنا تشخيص للوظع وحل حقيقي الزمن خطير ربنا يلطف بحالنا

2) تعليق بواسطة :
28-05-2013 06:13 PM

تعجبني أفكار ونظرة استاذنا العلمية للأمور، قدرة تحليلية ورؤيا واضحة رائعة، لكن سؤالي لمعالي الدكتور ابراهيم بدران الذي احترم وبعد ان اسوق بعض المواقع التي شغلها على ما أظن :
وزير تربية وتعليم
مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا للعلاقات الدولية والمراكز العلمية
عضو اللجنة الملكية الاستشارية للتعليم
عضو مجمع اللغة العربية
عضو المجلس الأعلى لشؤون الأسرة عضو منتدى الفكر العربي
أستاذ الهندسة الكهربائية – كلية الهندسة – جامعة فيلادلفيا
مدير مركز الاستشارات العلمية – جامعة فيلادلفيا
عضو اللجنة الوطنية لبرنامج دكتور لكل مصنع
عميد كلية الهندسة في جامعة فيلادلفيا
مستشار رئاسة الوزراء
أمين عام وزارة الصناعة والتجارة
أمين عام وزارة الطاقة والثروة المعدنية
المدير التنفيذي لمؤسسة نور الحسين
عضو مجلس إدارة هيئة الطاقة الذرية الأردنية
عضو مجلس إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون
عضو مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية الدولية – فينا
عضو منتدى الفكر العربي
عضو جمعية المنتدى العربي
عضو جمعية أصدقاء البحث العلمي
عضو الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة
عضو جمعية الشؤون الدولية
عضو لجنة صياغة الميثاق الوطني.

السؤال: لماذا لم نلمح تطبيقا لرؤياك من خلال سجلك الذاتي الوظيفي والموقع العام؟...هل هنالك آفة معينة تمنعنا من تطبيق أفكار خلاقة وصيغ ورؤى مفيدة من خلال النهج السياسي الإداري العام؟
السؤال الثاني : هل كان موقفك من مطالب المعلمين بنقابة منسجم مع قناعاتك التي تكتب؟.
أرجو الجواب إن امكن وساكون شاكرا.

3) تعليق بواسطة :
28-05-2013 08:15 PM

ابدعت يا دكتور..
القضيه والسؤال
كيف نتحول من بناء حكم
الى بناء دوله
من يجيب هذا السؤال الخطير!!؟؟

4) تعليق بواسطة :
29-05-2013 04:00 PM

شكرا ً لك دكتور إبراهيم، فعلا ً لقد شخصت الوضع تشخيصا ًصحيحا ً، و نحن نحتاج كما تفضلت إلى بناء دولة مؤسسات و الذهاب بالمجتمع نحو بناء الدولة و الإنتاج.

أسمحلي أن أُضيف أن مناهجنا لا ترتقي لمستوى مناهج تعليمية تربوية لكنها ما زالت مفي مرحلة عرض مجموعة كبيرة من المعلومات و حشوها في عقل الطالب، دون أن تربط بين المعلومة و الواقع و احتياجات السوق من جهة، و دون أن تستثير في الطالب حب التعلم و البحث العلمي و النقد العلمي الفاحص و الرغبة في الإبداع و الاختراع.

شكرا ً لك مرة أخرى فنحن نحتاج للمفكرين من أمثالك الذين هم نواقيس محمودون في صمت ٍ الجهل و التجهيل و التعصب الأعمى و هدر الطاقات الذي نعيش فيه.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012