أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الأخطبوط الأمريكي في آسيا الوسطى

بقلم : مالك العثامنة
22-06-2013 10:35 AM
اكتمال دائرة حصار الشرق من يمتلك ذات الكتالوج القديم في محاولات فهم الأهداف الأمريكية في العالم، فمن الأفضل أن يعمل على تغيير هذا الكتالوج بالنسخة الأحدث، والتي تحوي معطيات أمريكية مختلفة جدا في استراتيجية الولايات المتحدة في العلاقات الدولية، والمبنية دوما ودون تغيير على مصادر الطاقة.

من المهم أن نلتفت إلى نشاطات ساخنة لواشنطن في أماكن أخرى في هذا العالم، لنفهم كيف تفكر القوة العظمى وما هي توجهاتها.

آسيا الوسطى، المنجم الجديد، ومحط اهتمام وأولويات واشنطن في السنوات الأخيرة، وهي المنطقة التي تتمتع بأهمية جيوسياسية تتناسب وطموحات واشنطن في السيطرة على أهم المحاور المستهدفة للأمريكييين- إيران، أفغانستان، الصين وروسيا بالضرورة.

وقد صار جليا أن واشنطن تبذل قصارى جهدها للسيطرة على قادة تلك الدول في هذه المنطقة، وخاصة في أوزبكستان مستخدمة كل الوسائل المشروعة منها و المحرمة.

وكانت أولى علامات هذا النشاط الامريكي النشيط فضيحة التجسس الكبرى التي اثيرت في أواخر عام 2010 في أوزبكستان، عندما أدين السكرتير الثاني في قسم الاقتصاد السياسي في السفارة الامريكية في طشقند \'جيمس روكر \' بتهمة التجسس و شريكه المتحدث الرسمي بإسم وكالة المخابرات المركزية في أوزبكستان \'جيفري روزنبرغ\'. ليتبين بعد التحقيق أن السي آي إيه جندت شبكة جواسيس عسكريين لها في أوزبكستان.

إن هذه الاختراقات الداخلية الخطيرة تمس الامن القومي لأية دولة بشكل مباشر كما حدث في العراق،فنحن نعلم أن انتصار الولايات المتحدة وحلفاءها على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حدث نتيجة خيانة عدد من الجنرالات العراقيين الذين كانوا مسؤولين عن تأمين و حماية العاصمة بغداد، و لم تخفي امريكا يوماً بأن هؤلاء الجنرالات قد تم تجنيدهم من قبل المخابرات الامريكية خلال فترة ابتعاثهم للدراسة و التدريب في الولايات المتحدة إبان الحرب العراقية الإيرانية.

ولأن اللاعب الأمريكي له نمطية محددة في سلوكه، فإن المقاربة مع لعبة واشنطن قبل سنوات في فنزويلا حين أرادت التخلص من شافيز وقتها، تكاد تتطابق في الأسلوب حين تدخلت اول مرة في أزبكستان في محاولة أيضا للتخلص من الرئيس الاوزبكي \'كريموف\' بسيناريو \'الثورة الملونة\'-على غرار ما حصل اوكرانيا و جورجيا- والتي بلغت ذروتها في الأحداث الدامية في أنديجان في مايو 2005.

لكن السلطات الاوزبكية حينها أبدت العزم والإرادة السياسية في نزع فتيل أزمة دموية حسب السيناريو الامريكي المخطط له من خلال وقفة مواجهة قوية.

ومع ذلك لم توقف وكالة المخابرات الامريكية محاولاتها لفرض سيطرتها على الأنظمة القائمة في دول آسيا الوسطى وخاصة في أوزبكستان الى ان رضخ الرئيس الأوزبكي \'كريموف\' اخيراً لواشنطن و اصبح كالدمية في ايديهم .

وليس عبثاً تصريح \'كريغ موراي\'السفير البريطاني لدى أوزبكستان 2002-2004، والذي أكد فيه انه يملك وثائق مهمة حول أنشطة وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية MI6 على الاراضي الاوزبكية، و ذلك عندما قامت المخابرات الاوزبكية بتزويد المخابرات الامريكية و البريطانية بمعلومات عن وجود علاقة بين المعارضة الأوزبكية الداخلية و بين \'تنظيم القاعدة \' وقتها انتهجت المخابرات الأوزبكية سياسة التعذيب و التنكيل بحق المعتقلين لديها للحصول على اعترافات خطية تدينهم بالإرهاب، والتي بالطبع لم تكن صحيحة و انتزعت من المتهمين باسلوب التعذيب و التهديد كل هذا في سبيل التقرب من واشنطن كحليف جديد موثوق به.

يضيف \'موراي\' بأن المعلومات الواردة من المخابرات الاوزبكية لا يمكن الوثوق بها لدرجة عالية، ولكن قيمتها العالية كونها جائت تتماشى مع خطة الولايات المتحدة لتبرير وجودها في منطقة آسيا الوسطى من أجل مواجهة المد الإرهابي الإسلامي على حسب قولهم. و يتابع \'موراي\' الحديث قائلاً كانت طشقند واحدة من الأماكن الثلاثة أو الأربعة الأكثر استخداماً لقانون الطوارئ،، وكثيراً ما كانت الحكومة الأمريكية تنتقد اوزبكستان على ذلك، مشيرةً بان نظامها يفتقد للكثير من الديموقراطية. ولكن عندما وافقت السلطات الأوزبكية على التعاون العسكري مع واشنطن وسمحت للطائرات العسكرية الامريكية على الهبوط في مطار طشقند، صرحت واشنطن مباشرة بان البلاد تسير في الاتجاه الصحيح و بخطوات ثابتة نحو الديموقراطية الغربية!! تحول مدهش! أليس كذلك؟
يتابع السفير \'موراي\' حديثه قائلاً بأن الاشخاص الذين نقلتهم طاءرات CIA من مختلف أنحاء العالم إلى معتقلات التعذيب في أوزبكستان \'، مورست عليهم اشد انواع العقاب و التنكيل لإجبارهم على الاعتراف بأنهم أعضاء في تنظيم \' القاعدة \'و بأنهم كانوا في معسكرات التدريب في أفغانستان. و اجبروهم على الاعتراف ايضاً بأنهم قد التقوا بزعيم التنظيم \'أسامة بن لادن\' شخصياً.

أما أخطر وأهم ما يورده موراي فهو حين يؤكد رؤيته للوثائق التي تثبت أن الدافع الحقيقي وراء العدوان العسكري الامريكي و البريطاني على أفغانستان كانت حقول الغاز الطبيعي في أوزبكستان وتركمانستان، فالأمريكيون يريدون مد خط أنابيب الغاز عبر أفغانستان، بالقفز عن جغرافية روسيا وايران، و لضمان ذلك، كان بالضرورة أن يتم الغزو بحجة محاربة الإرهاب.

طيب، وما هي علاقة الشرق الأوسط بكل ذلك؟

الجواب وفقاً \'لكريغ موراي\'، أن القاعدة الجوية الامريكية في \'خان آباد\' لم تكن لها حاجة حقيقية قصوى كعنصر إمداد للعملية العسكرية في أفغانستان، كما تناقلت وسائل الاعلام الأمريكية انذاك، و لكن الحرب على افغانستان استخدمت كمبرر و ذريعة لإفتتاحه.
ففي الواقع، انها واحدة من عدة قواعد جوية امريكية انشئت اصلاً لكي تكون كالقيد حول عنق الدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي بموجبها يستطيع البنتاغون ان يسيطر و يدير خطوط النفط و الغاز التي تمتد من الشرق الأوسط عبر القوقاز إلى آسيا الوسطى. لهذا السبب وقعت إحدى الشركات الأمريكية عقداً لبناء خط أنابيب لنقل النفط والغاز الآسيوي عبر أفغانستان إلى بحر العرب. وهذا ما يفسر الاهتمام الامريكي لتوقيع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان، فضلاً عن الدعم القوي الذي يقدمه الرئيس الاوزبكي \'كريموف\' لإتمام هذه الصفقة، مستغلاً موقع أوزبكستان الاستراتيجي كونها في منطقة مجاورة لأفغانستان، و سعيه لجني اكبر قدر ممكن من الفائدة الشخصية لشراكة محتملة مع دول حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة و ايضاً سعيه إلى التخلص من النفوذ الروسي و الشراكة التاريخية لصالح السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة.

من اجل كل تلك المنافع التي يصب جزء منها في رصيده بدأ الرئيس الأوزبكي يتبنى خططاً امريكية طويلة الأجل، على أمل أن يشارك في هذه العملية المربحة . فهم يحتاجون للمساعدة الامريكية في فتح الطرق السريعة و في بناء السكك الحديدية القادمة من هيرتان نحو مزار شريف وكابول وقندهار ومن ثم إلى ميناء كراتشي، باكستان و لا ننسى طبعاً شبكة أنابيب النفط و الغاز. بالطبع، لتنفيذ هذه الخطط الطموحة و الضخمة من قبل الأميركيين يجب أن يكونوا على ثقة تامة من أن السلطات الأوزبكية سوف تكون على نسق واحد و قادرة على تطبيق الاتفاقيات الثنائية. هذا هو السبب الذي يجعل وكالة المخابرات المركزية و البريطانية تنشطان لإبقاء أوزبكستان تدور في فلكهما و حدهما و سلخه تماماً عن جارته روسيا، و مقاومة جميع التغيرات المحتملة في سياسات القيادة الأوزبكية جراء الضغط الروسي عليها، و هذا ما حدث فعلاً في زيارة الرئيس \'كريموف\' الأخيرة إلى روسيا و ما رافقتها من برودة في الاستقبال و غضب مبرر من الجانب الروسي في اللقاء الذي جمع الرئيسين.

واشنطن، هي بالضبط مثل أخطبوط ضخم وحيد، يحاول بأذرعته الطويلة والقوية أن يلوي عنق فرائسه من الدول على هذا الكوكب، وبحبرها الأسود الذي ينفثه إعلامها هي قادرة على أن تجعل كل فريسة في كل ذراع لها لا ترى الفريسة الأخرى، لكن القضية كلها بقبضات أخطبوط واحد في النهاية.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
22-06-2013 11:27 AM

بنى الكاتب نظريته على فرضية خاطئة في فقرته الأولى بقوله: "والمبنية دوما ودون تغيير على مصادر الطاقة". هذا كلام قديم. الولايات المتحدة ستكتفي ذاتيا من الطاقة بحلول العام 2020، وبدأت منذ أكثر من عامين برفع يدها عن منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يفسر اندلاع الثورات في المنطقة. هم واشنطن الأكبر الآن هو تحجيم تطلعات بكين المنافس المحتمل الوحيد لها على قيادة العالم. هذا يفسر تعزيز القوات الأميركية لوجودها في منطقة الهادىء من خلال ارسال عشرات آلاف الجنود وعشرات القطع البحرية إلى المنطقة. التهديد النووي الكوري الشمالي خطر آخر تحسب له الولايات المتحدة حسابه، فالرئيس الجديد أرعن وغير ذي تجربة وليس لديه ما يخسره، وليس هنالك أسوأ من ديكتاتور في جعبته قنابل نووية وصواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى ولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة. لولا إسرائيل لغادرت الولايات المتحدة المنطقة على عجل غير آبهة بالنفط ولا بغيره، ولكنها تتريث لتأمين مستقبل إسرائيل في محيط لا يزال غامضا. الخاسر الأكبر في المعادلة هي السعودية التي ستصلها رياح التغيير قريبا.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012