أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


التعصب المذموم

بقلم : د. كمال الهلباوي
27-07-2013 12:09 PM
ينبغي على كل من يحكم هذا الشعب المصري أن يحترم إرادته وأعرافه وتنوعه أكثر مما يحترم أسرته، وكل الأسر المصرية – في الغالب الأعم – تشهد هذا التنوع أيضا، فيدرك الحاكم أن في مكونات هذا الشعب، المسلم والمسيحي، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، والاسلامي والليبرالي أو العلماني، والمتعلم والأمي والفلاح والعامل، ومن لا عمل له ومن يتعاطى، ومن يدخن ومن لا يدخن، ومن يصلى ومن لا يصلي كسلا وسهوا أو نكرانا، وإدراك أن علمانية مصر ليست مثل علمانية أتاتورك في تركيا، ولا الحبيب بورقيبة أو بن علي في تونس ولا علمانية الغرب. فمن بين أصدقائنا العلمانيين والليبراليين من يؤدي أركان الاسلام كاملة، ومنهم من يحافظ على عقيدته المسيحية وأخلاق النبوة، ومنهم من يتحلى بأخلاق الدين السمح في كثير من أمور حياته، ومنهم من يتميز أداؤه فيتخذ الوسطية في الرأي والممارسة وكذلك في الاعتقاد أو العبادة من دون غلو ولا شطط.
أقول هذا الكلام بمناسبة الحكام الذين يعيشون في تحديات سياسية ومجتمعية لا يجدون منها مخرجا، وبسبب التعصب المذموم، خصوصا ممن هم في السلطة والحكم، لفريق من الشعب دون آخر. مصر اليوم تمر بمرحلة عصيبة جدا، بل هي على مفترق الطرق، إما أن تكون وإما ألا تكون، ويدعو كثير من المصريين اليوم إلى الخروج في المظاهرات التي دعا إليها الفريق أول السيسي، لا بأس بهذا ضمن تنوع الآراء والتحليلات، ولكن مع السلمية الكاملة والسعي الى معرفة الجوهر من دون النظر أو التركيز فقط على الشكل، لأنه يكون أحيانا خادعا، وأدعوه تعالى أن تكون تظاهرات يوم الجمعة 26/7/2013 سلمية، إذ أنني أكتب هذا المقال قبل يوم الجمعة، وبعضهم ينظر إلى خطاب الفريق أول السيسي بأنه دعوة الى حرب أهلية.
سألني كثيرون عن رأيي في الخطاب الشهير، الذي يدعو فيه رجل عسكري الشعب الى تظاهرات حاشدة، ويطلب من الشعب أن يفوضه والقوات المسلحة والشرطة في مواجهة العنف والارهاب، لو أن البلد كانت مستقره وآمنة، والحاكم المعزول على كرسيه يسوس البلاد بما يؤدي إلى تقدمها ونموها، ويفي بوعوده الكثيرة، ورضا الشعب عنه واضح، ودعا الفريق أول السيسي هذه الدعوة لكانت دعوة غريبة ومستهجنة، ولن يستجيب لها الشعب، بل سيقاومون تلك الدعوة بكل قوة، وهم صف واحد وراء الحاكم العادل المحبوب، ولكن الوضع غير ذلك تماما. الحاكم المعزول لم يستجب لطلبات الشعب، ولم يستمع لشكاواهم العديدة، وتحمل الشعب أزمات عديدة في الخبز والمعيشة والبنزين والكهرباء والسولار والمرور والعنف والبلطجة والانفلات الأمني، حتى بلغ ذلك العنف الذروة في مشاهد لم يتوقعها أحد أبدا، ولا تحدث الإ في الأفلام والأحلام، مثل إلقاء الأولاد من أعلى السطوح، وضعف الشفافية وعدم الوفاء بالوعود حتى بشأن الجنود المقتولين أو المخطوفين في سيناء، كل ذلك فضلا عن عدم الوفاء بالوعود والعهود العديدة. ولم يقرأ الحاكم ومَنْ وراءه، المشهد السياسي والاجتماعي قراءة صحيحة، حتى قالوا عن 30 يونيو زوبعة في فنجان، وأن من ملأ الميادين في تلك الليلة هم قلة قليلة أقل من 200 ألف أو بالمئات، وأنهم لم يتحملوا البقاء في الميادين أكثر من 5 أو 6 ساعات.
ثم جاءت اعتصامات مملكة أو إمارة رابعة العدوية والنهضة وغيرهما، مما شابها بعض أعمال العنف التي تزايدت في الأيام الأخيرة ولم يتحدد مصدرها باليقين، فضلا عن لغة التكفير الغريبة عن أعراف الشعب المصري، التي ينفر منها حتى الذوق السليم ولو لم يكن مسلما. أقول إمارة رابعة العدوية قياسا على الامارات الاسلامية التي قامت يوما ما في أفغانستان والعراق والصومال وحتى سورية، تلك الامارات التي يقيمها بعض من ينعزلون عن المجتمع، ولو عزلة شعورية ويحلمون بالمجتمع الاسلامي، من دون الاعداد السليم للدعوة، وأحيانا يقيمون فيه الحدود حسب ما يفهمونه، وكأن هذه هي الشريعة الاسلامية. ما أسوأ تلك التفسيرات التي تشوه صورة الاسلام، وتنفر الناس من الدعوة الوسطية الجميلة.
الفريق أول السيسي متهم من بعضهم بأنه قاد انقلابا على الشرعية، وأنه خائن وعميل، وقيل في حقه ما قيل ظلما وعدوانا، فأراد أن يشرح في خطابه للشعب العلاقة مع الرئيس المعزول، والنصائح العديدة التي أبداها للرئيس بشأن الأمن القومي. أنا هنا لا أدافع عن الفريق السيسي ولكن تفزعني تلك الاتهامات بلا دليل والاشاعات، خصوصا من جانب الاسلاميين الذين يجب أن يقدروا الكلمة حق قدرها، ‘ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد’. أعتقد أن الفريق أول السيسي لديه معلومات دقيقه عن مخططات عنف أو إرهاب أو تخريب، وهو يدرك من خلال تلك المعلومات أن الوطن يتعرض لأخطار أو مؤامرات داخلية أو خارجية، فسارع في ضوء الوضع الأمني المتردي والتربص القائم والانقسام، والقراءة الخاطئة لثورة 30 يونيو، واعتبار دعمها من قبل القوات المسلحة وحمايتها انقلابا على الشرعية، رغم أن تلك القوات نفسها هي التي حمت ثورة 25 يناير، أو على الأقل لم تفعل ما فعلته أجهزة أخرى أو جيوش أخرى في البلاد التي حولنا. سارع الفريق السيسي في دعوة المصريين للحشد لعدة أمور، أن يرى العالم كله، ومن زعموا أنه انقلاب، دعم وترحيب الشعب المصري بما قامت به القوات المسلحة، وكذلك تفويض تلك القوات مواجهة العنف والارهاب الذي يهدد أمن الوطن وسلامته ووحدته، كما حدث في بلدان أخرى عديدة، منها أفغانستان والعراق والصومال وسورية اليوم، ولا أظن أن هناك في مصر من يريد أن يرى نساءنا وأولادنا يتسولون في شوارع السودان أو غيرها من البلاد المجاورة. جاءت دعوة السيسي للحشد – لاستشعاره كما أعلن من قبل في الكلية الحربية – بأن الأمن القومي المصري في خطر، بسبب الاختلاف بين القوى السياسية وخشيته من تحول الصراع السياسي الى صراع ديني.
أعجبني كذلك في الخطاب ما قاله ‘إحنا ناس بنخاف ربنا واللي بيخاف ربنا لا يخشى شيئا على الاطلاق’، وقوله أيضا ‘ كنا مخلصين وشرفاء ونخشى الله ومن يخشى الله لا يغلبه أحد’. قيم عظيمة أشار إليها الفريق أول السيسي، أرجو أن يتعلمها أو يعمقها الشعب تتمثل في، الخوف من الله وخشيته وحده مع محبته، وعدم الخوف ممن هم دونه على الاطلاق، وتتمثل تلك القيم كذلك في الاخلاص والشرف، وتتمــثل في أن النصــــر من عند الله تعالى، ومن يخشى الله تعالى لا يغلبه أحــــــد أبداً. أنا أشعر بالسعادة بأن الجيش المصري على قلب رجل واحد، وهذا من فضل الله تعالى، ثم من حظ مصـــر، حتى لا نرى ما يسمى بالجيـــــش المصري الحر مثل ســورية، وكأن بقية الجيش عبيد وعملاء وخونة، أو من أصل يهودي، وهــي – للأسف الشديد- تهمه تصل وسبقت الى كل مسؤول كبير آخر، من أجهـــزة إطلاق الاشاعات في المعارضة أو الأجهزة المختصة أو من المراقبين الخـــارجيين، وربما بعضهم يكون يهوديا ممن احتلوا بلادنا ويعرف أن الشعب المصري لا يقبل اليهود الاسرائيليين المعتدين على بلاد العرب والمقدسات.
وصل الحوار بين القوات المسلحة والرئيس المعزول إلى طريق مسدود، خصوصا بعد مهلة الأسبوع ومهلة الثماني والأربعين ساعة للمصالحة المجتمعية، التي لم تتم ولم يقدرها مرسي حق التقدير، ولا يزال التيار الاسلامي في مجمله لا يقدرها حق قدرها، ولا دعوة الانتخابات الرئاسية المبكرة التي كان من الممكن أن تحفظ للوطن آمنه وسلامته ووحدته، وتحفظ للقوى السياسية وحركة تمرد، سلمية الحركة والتنافس السلمي بدلا من الصراع الذي نراه اليوم ويكاد يشمل الجميع بدرجات متفاوتة ويكاد يشل حركة المجتمع.
إن هذا الوطن بحاجة الى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في ضوء دستور خال من المواد المعيبة، التي أصر مرسي ومَنْ وراءه على ضرورة الاستفتاء على الدستور رغم إدراكه أن بالدستور مواد معيبة.

‘ كاتب مصري

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
27-07-2013 12:21 PM

نعتذر

2) تعليق بواسطة :
27-07-2013 01:40 PM

الدكتور كمال من العقول النيره الذي انتمى في فتره من حياته للاخوان ولكن كل صاحب عقل وضمير لا يستطيع الاستمرار في ظلاميتهم لذلك ابتعد عنهم
كل الاحترام لهولاء النيرين اصحاب الخلق والعقل

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012